عاشت مصر فى ظل كابوس التوريث السياسى، وكان هناك خط آخر يتحرك موازيا له، هو التوريث الفنى، كل أبناء الفنانين صاروا مثل آبائهم.. لا نستطيع أن نلغى علم الوراثة أو ننكر دور البيئة، إلا أن الأمر كان يبدو نوعا من الاحتكار.. عائلة مثل عائلة مبارك تريد أن ترث مصر، وكل العائلات الفنية يرث أبناؤها نفس النوع الفنى الذى مارسه الآباء كأنهم عائلة الحلو التى احتكرت على مدى قرن مهنة ترويض الأسود! لم يستطع أغلب أبناء الفنانين تحقيق نجاح يقترب إلى ما وصل إليه الآباء.. لم أنزعج من ظاهرة توريث الفن حتى لو شابها بعض الصفقات والمجاملات لأننى أثق تماما أن شباك التذاكر لن يتم تزويره.. لن يستطيع أحد فى نهاية الأمر أن يفرض فنانا على الناس. كان من الممكن أن يفرضوا التوريث السياسى على الناس، ولا تصدقوا 90% من هؤلاء الذين نشاهدهم الآن فى الفضائيات وهم يؤكدون أنهم كانوا سيواجهون التوريث.. هؤلاء تحديدا كان المنوط بهم تمرير الفكرة للناس! لا أريد لملف التوريث السياسى أن يبعدنا عن ملف التوريث الفنى الذى كان من أسوأ عوارضه حالة الزحام التى تؤدى أحيانا إلى ذهاب بعض الفرص إلى من لا يستحق، ناهيك بما كان يجرى فى الكواليس من صفقات.. ابن النجم يستعان به فى عمل فنى، وفى المقابل يقدم النجم الكبير خدمة مماثلة.. جزء لا يستهان به من الأعمال التى يشارك فيها أبناء الفنانين كان من نتائج قانون المقايضة! هيثم أحمد زكى حالة استثنائية بين النجوم، فهو لم يمثل بدعم من والده، بل إن أحمد زكى كان حريصا أن يتخذ هيثم طريقا آخر.. انطلاق هيثم جاء بعد رحيل والده عندما أكمل دوره فى فيلم «حليم».. لم أشعر بارتياح فى أثناء تنفيذ الفيلم لأن أحمد زكى كان غير قادر على الأداء، والمبرر الذى ساقوه وقتها أنه مريض ويؤدى دور عبد الحليم الذى كان مريضا، وهذه الحجة تخاصم الفن بقدر ما تخاصم الإنسانية، لأن الممثل الذى يؤدى مثلا دور سكران ينبغى أن يتمتع بكامل قواه الجسدية والعقلية لتقمص الدور، وكان أحمد زكى بالتأكيد يشعر بكل تفاصيل الشخصية التى يؤديها إلا أن أدوات التعبير المتمثلة فى جهاز الحركة والنطق لم تكن تساعده على أن يقدم كل ما يشعر به داخليا.. بعد رحيل أحمد وإسناد دوره إلى هيثم شعرت كأنها رسالة غير مباشرة توجه إلى الجمهور من أجل قبول فكرة التوريث. لا أنكر أن هيثم لديه طلة، إلا أنه كان يقلد والده، رغم أن المنطق الدرامى يفرض عليه أن يتماثل مع حليم لا مع أحمد زكى. بعدها لعب هيثم بطولة فيلم «البلياتشو»، وشعرت أن الانطباع الإيجابى الأول مع هيثم يتلاشى تماما وأن النصيحة التى ينبغى أن تصل إليه هى أنه يشبه والده بحكم قانون الوراثة، إلا أنه لم يرث عنه الموهبة! وابتعد هيثم نحو ثلاث سنوات، وعاد فى مسلسل «دوران شبرا»، هذه المرة لديه نص ودور ومخرج، ورأيت هيثم فى حالة ألق يحلّق إبداعيا ولا تقيده مفردات أبيه الخاصة على الرغم من أن أحمد زكى فنان مؤثر تجده قد تسلل لا شعوريا فى أعماق أكثر من ممثل شاب مثل عمرو سعد ومحمد رمضان ومحمود عبد المغنى، إلا أن هيثم تمكن أن يفلت حتى من هذا النوع من التأثير.. إنه التوريث الفنى الحلال!