إدلاء المصريين فى الخارج بأصواتهم فى الانتخابات هو مطلب شعبى طالما خشى النظام الحاكم من الموافقة عليه خشية خروج الأمور عن السيطرة، حيث إن الانتخابات بالداخل كانت محكومة بحزمة من الوسائل الفعالة التى تضمن النتائج التى ترغب فيها السلطة، وكانت وزارة الداخلية تسيطر فيها على العملية من بابها فتقصر استخراج البطاقات الانتخابية على شهر ديسمبر فقط، ثم تهدر صوت مَن أصر على استخراج البطاقة من خلال التزوير، أما إذا قام الناخبون بحماية الصناديق بأجسادهم وأصروا على منع التزوير فإن بعض القضاة المختارين بعناية كان يمسك بالميكروفون بعد انتهاء الفرز ليعلن نتيجة مخالفة للحقيقة ويمنح المقعد لمن شهد القضاة الشرفاء بسقوطه.. وقد شهدنا نموذجا لهذا فى دمنهور، ولن نعيد القصة المعروفة. أما بالنسبة إلى التصويت فى الخارج فكانت السلطة تخشاه لإدراكها أن المغتربين يأتون فى طليعة الساخطين على السلطة الحاكمة التى جعلت فرارهم من الوطن هو السبيل لاستمرار الحياة! لكن على الرغم من هذا وبعد أن أصبح إدلاء المصريين بالخارج بأصواتهم فى الانتخابات القادمة وشيكا فإننى غير مطمئن إطلاقا للنزاهة المفترضة فى هذه العملية، بل إننى أعتقد أن أسباب تحقق النزاهة فى الداخل أكبر بكثير منها فى الخارج، ودليلى أنه فى الداخل لم تعد الشرطة تستطيع أن تجعل التزوير منهجا كما فى السابق بسبب وعى الناس وحماسهم ورغبتهم فى المشاركة، وكذلك بسبب فقدان الداخلية السيطرة على رجالها وتحولها إلى جهاز يختلط فيه الشرفاء بالفاسدين بعد أن كانت اليد العليا فى السابق للمجرمين فقط. أما الانتخابات فى الخارج فى غياب الإشراف القضائى تحت هيمنة موظفى السفارة من السفير إلى القنصل إلى الملحقين والسكرتارية فشىء يدعو للخوف لأن هؤلاء فى مجملهم هم تلامذة الحاج أحمد أبو الغيط عميد مدرسة الهنجف الدبلوماسية وأستاذ الأجيال التى تربت فى وزارة الخارجية على الولاء للمخلوع والتفرغ للأكل والشرب والتنزه دون القيام بأى عمل حقيقى.. و لا يُتصور أن لهؤلاء مصلحة فى انتخابات جادة تؤدى إلى وصول شخصيات محترمة إلى المجلس التشريعى الذى يمكنه عندئذ أن يعيد الفاسدين منهم إلى أحضان الوطن ويحرمهم من الدولار الأخضر الجميل! فضلا عن شىء آخر فى غاية الأهمية هو أن السفارات والقنصليات تضم عددا من رجال الأمن الذين يعملون تحت الغطاء الدبلوماسى، وهؤلاء لهم فى البعثات الدبلوماسية مكانة متميزة بسبب كتابتهم التقارير المؤذية ضد أفراد الجاليات المصرية وضد زملائهم أيضا.. وغير خاف أنهم أكثر ولاء وإخلاصا لعهد مبارك وأيامه السوداء من موظفى الخارجية نتيجة أن معظمهم نتاج تربية حبيب العادلى وعمر سليمان! فهل يتصور أحد أنهم سيديرون انتخابات نزيهة أم أنهم سيلقون بالنتائج فى الزبالة ويهدرون أصوات المصريين ثم يعلنون نتائج على مزاجهم وطبقا للتعليمات التى تأتيهم من أسيادهم الفلول دون أن تكون لنا وسائل نستطيع بها حماية الصناديق وضبط التزوير. وللذين سيقولون إننا يجب أن لا نتشكك فى كل شىء ويجب أن نقدم حسن النية ونعطى الناس فرصة، فإننى أقول لهم كفى عبطا، فأصوات المصريين بالخارج تمثل كتلة تصويتية هائلة يزيد عدد أفرادها على ثمانية ملايين يستطيعون حسم النتائج فى الكثير من اللجان، وتستطيع أصواتهم أن تضبط المجالس التشريعية على بوصلة السلطة السياسية، كما يمكنها فى انتخابات الرئاسة مثلا أن تقوم بإنجاح أحمد شفيق أو عمر سليمان أو أى أحد آخر من تلامذة الرئيس المشلوح. إننا نريد للمصريين بالخارج أن يشاركوا بواجب التصويت لكن فى ظروف طبيعية وتحت إشراف هيئات دولية لا تعرف أبو الغيط وحبيب العادلى وعمر سليمان. إن الأمر جد ولا يحتمل الهزل.. إجراء الانتخابات تحت إشراف السفراء والقناصل المؤتمرين بأوامر الأمن هو مصيبة لا يفهمها من لا يعرف هؤلاء كما أعرفهم