أولا يجب أن نقر جميعا بأن المواطن المصرى المقيم بالخارج هو إبن من أبناء الوطن يتمتع بالمواطنة الكاملة، ومن ثم فإنه يتمتع أيضا بجميع الحقوق الدستورية والقانونية التى تكفلها له هذه المواطنة ومنها حقه فى ممارسة العمل السياسى وفى المشاركة فى رسم مصير وطنه الأصلى عن طريق الإقتراع أوالترشح . ثانيا يجب أن نتفق على أن إصرار النظام السابق على حرمان المصريين المقيمين بالخارج من التصويت فى الإنتخابات والإستفتاءات التى أجريت فى عهده البائد كان واحدا من القرارات التى تبلورت معا لتكون واقعا مرضيا كان قد فرضه نظام مبارك على قطاعات عريضة داخل المجتمع المصرى وخارجه . شكل المصريون فى الخارج أحد هذه القطاعات التى تعرضت بطريقة مباشرة للظلم على أيدى زبانية الرئيس المخلوع إستنادا إلى إسهامات هؤلاء المصريين الشرفاء المتمثلة فى ضخ العملات الأجنبية عن طريق تحويلاتهم التى أصبحت تشكل أحد الأعمدة الرئيسية التى يقوم عليها الإقتصاد القومى، كذلك عن طريق دعمهم المستمر للإستثمارات التى تقام على شكل مشروعات تسهم فى الحد من إرتفاع المستوى العام للبطالة عن طريق خلق فرص عمل جديدة، كما أنها تشارك أيضا فى رفع الناتج القومى للبلاد . فإذا إفترضنا أن عقلية النظام السابق مازالت هى المسيطرة الأن على السلطات المكلفة بإدارة شئون البلاد، فحينها لن يكون غريبا على الإطلاق هذا الرفض المصحوب بالتعنت الواضح إزاء جميع الهيئات الحقوقية والحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى التى أوجدت بعض الأليات الفاعلة التى سوف تساعد المصريين فى الخارج على الإدلاء بأصواتهم فى الإنتخابات التشريعية المقبلة، وأخذت فى مطالبة الحكومة مرارا بدراستها وتطبيقها منذ إندلاع الثورة مرورا بسماح الحكومة التونسية الإنتقالية للمواطنين التونسيين بالتصويت فى الإستفتاء الأخير وحتى صدور حكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة بتمكين المصريين فى الخارج من التصويت فى جميع الإنتخابات والإستفتاءات العامة . ولكن، ومع إضفاء بعض التعديلات على الإعلان الدستورى المتمثلة فى المادة 39 مكرر والتى تنص على أن يتم السماح للمصريين بالخارج بالتصويت فى السفارات والقنصليات المصرية تحت إشراف السفراء والقناصل، كذلك قرار مجلس الوزراء بتمكين المصريين بالخارج من التصويت بالرقم القومى.. قد ظهرت حالة من اللغط بين الأوساط السياسية والحقوقية حول أمرين : أولهما : هو عدم قانونية السماح للسفراء والقناصل بالإشراف على الإنتخابات لأنه يتعارض مع نص الإعلان الدستورى الذى يقر على أن ينفرد القضاة وحدهم بحق الإشراف على الإنتخابات مما يفتح الباب على مصراعيه أمام الطعن على نتيجة الإنتخابات المقبلة، وخاصة أن هذه المادة لم تتضمن أية دلالات حول إعطاء القنصل أو السفير صفة القاضى عند إشرافه على الإنتخابات بمعنى إنتدابه من قبل السلطة التنفيذية للعمل بصورة مؤقتة لدى السلطة القضائية حتى يتم إضفاء الشرعية على نتائج هذه الإنتخابات . ثانيهما : هو إجبار المواطنين المصريين بالخارج على التسجيل بالرقم القومى حتى يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم فى الإنتخابات البرلمانية المقبلة فى حين أنهم مسجلون بالفعل برقم جواز سفرهم فى القنصليات و السفارات المصرية، وبالتالى فإن الإصرار على التسجيل بالرقم القومى يحمل معنا واحدا فقط وهو أن المصريين بالخارج سوف يصوتون لمرشحى دوائرهم التى ينتمون إليها داخل مصر.. ما ينذر بتفريغ أصوات هؤلاء من مضمونها وإعتبارها مجرد رقم نظرا لعدم إلمامهم ببرامج المرشحين والأحزاب بصورة كاملة، فضلا عن عزوف بعضهم عن الإدلاء بصوته لنفس السبب السابق ذكره أيضا . ولكن يبقى التساؤل الذى يتبادر إلى الذهن الأن : بعيدا عن كل ذلك، لماذا لا تحذو الحكومة المصرية حذو الحكومة التونسية فى تخصيص عدد من مقاعد البرلمان تكون بمثابة كوتة يمكن للمصريين المقيمين بالخارج الإقتراع عليها وأيضا الترشح طبقا لنسب توزيعهم فى القارات المختلفة ؟! والحقيقة هى أن بدء الحكومة المصرية فى تقبل مبدأ تصويت المصريين فى الخارج لأول مرة فى تاريخ العمل السياسى المصرى هو فى حد ذاته إنجاز ولا شك، ولكننا كنا نتمنى أن يكتمل هذا الإنجاز بعيدا عن هذا التخبط والإرتباك الذين أوقعت الحكومة المصرية نفسها فيهما نتيجة التسرع الواضح فى إتخاذ الإجراءات وصدور القوانين نظرا لضيق الوقت . غير أن هذا التسرع فى تنفيذ الحكم القضائى قد يحكم على التجربة بالفشل من قبل أن تظهر إلى النور . من الواضح أن اللجنة العليا للإنتخابات والحكومة المصرية تسعيان إلى إتخاذ بعض التدابير السطحية والمؤقتة التى تناسب – فى الغالب - الإنتخابات المقبلة، بدلا من إرساء قواعد طويلة الأجل سوف تؤثر بشكل مباشر فى عملية التحول الديمقراطى على المدى البعيد . فبالنظر إلى الظروف التى تمر بها البلاد وإقتراب موعد المرحلة الأولى من الإنتخابات كان من الأجدى أن تتعامل الحكومة مع هذا الحكم المباغت بطريقة أكثر إتزانا وهدوءا وفاعلية عن طريق إعادة صياغة المادة 39 مكرر بحيث لا تشتمل فى مضمونها على الإنتخابات التشريعية المقبلة، وإنما يقتصر بدء العمل بها على إستفتاء الدستور والإنتخابات الرئاسية القادمة حينما تصبح مصر دائرة إنتخابية واحدة وبالتالى يصبح التطبيق – لأول مرة – أمرا سهلا إلى حد كبير، وأيضا لضمان النجاح للتجربة التى ربما سوف تلعب دورا محوريا فى عودة إنتماء أبناء الوطن تجاهه مرة أخرى، وعودة الفخر للوطن بأبناءه من جديد .