قد لا يرضى الصديق اللواء محسن مراد، نائب وزير الداخلية لأمن القاهرة، بعنوان هذا المقال بعد أن عاتبنى على مقال الأسبوع الماضى، الذى قلت فيه إن عدد 8 ضباط كبار، بينهم 3 لواءات عدد كبير للقبض على خادمة.. قد لا يرضى عن هذا العنوان أيضا وتحدثنا تليفونيا وقدم اللواء محسن ما عنده، وهو عتابه الشديد على ما ينشر فى الصحف عن وزارة الداخلية وجهود رجالها.. وقال بالحرف الواحد: أنتم مش عارفين إحنا بنشتغل فى أى ظروف وتحت أى ضغوط!! وقال: ربنا يكفينا شر الصحافة! وسيادة اللواء ليس صحفيا.. فالصحفى وحده هو الذى يدرك لماذا العناوين المثيرة.. الملفتة لنظر القارئ وإلا انصرف القارئ عنه إلى صحيفة أخرى.. وهذا ينطبق على صفحات الجرائم كما ينطبق على صفحات السياسة والاقتصاد والمجتمع والرياضة.. مثل بسيط.. إذا ركب الكابتن أبو تريكة سيارته وذهب إلى النادى الأهلى وركنها ودخل للمران.. لن يهتم أحد.. ولكن إذا قيل إن سيارة مجهولة دهست اللاعب الكبير وهو نازل من سيارته.. لأفردت الجرائد كلها صفحاتها للخبر المثير.. وكان مصطفى أمين يضرب لهذا مثلا هو من بديهيات الصحافة.. إذا عض الكلب وكيل وزارة المالية فلن يهتم أحد.. أما إذا عض السيد الوكيل هذا الكلب فسيكون خبرا فى الصفحة الأولى. وقس على هذا وصول طائرة «مصر للطيران» من لندن إلى مطار القاهرة فى موعدها فلن يهتم أحد، أما إذا قيل إن الطائرة تأخرت عن موعدها خمس ساعات مثلا، لكان خبرا للصفحة الأولى وهكذا. ولعلى من أكثر الناس إيمانا بعمل الشرطة.. مدركا المتاعب والمشكلات والعقبات التى تصادف رجل الشرطة.. من النفر إلى اللواء.. وأعتبر جهاز الشرطة هو جهاز المناعة فى المجتمع.. وجهاز المناعة هو الذى يصد غزو الجراثيم عن الجسم، ولولا جهاز المناعة لانهار الجسم أمام غزو أى فيروس أو فطريات. فعلا جهاز الشرطة هو جهاز مناعة المجتمع، وهو الساهر ليل-نهار على حياة الناس وأرواحهم وأملاكهم وأولادهم.. وليس كل هذا فى حاجة إلى إثبات.. فعندما اضطر رجال الشرطة إلى ترك مواقعهم وتركوا الناس، بل والشوارع والمحلات ودور السينما والمطاعم وكل ما فيه مخلوق.. عندما تركوا كل هذا فى أول العام.. وسمى حينه بالانفلات الأمنى.. عندما حدث هذا انتشرت الجريمة بكل أنواعها فى أنحاء الوطن، وأصيب المجتمع المصرى كله بالخوف.. وهناك أكثر من تفسير للانفلات الأمنى وهو الأول من نوعه فى تاريخ مصر العزيزة.. وعندى أكثر من سبب وأكثر من تفسير.. ولكنى أبرئ جهاز الشرطة من التآمر على سلامة الشعب.. وسلامة الوطن.. فليس من المعقول أن يتخلى رجال الشرطة عن واجبهم مقابل أى ثمن وهم حماة المجتمع وجهاز مناعته -كما قلنا. وربما لا يفزعنى وما أكثر الألم فى حياتى وحياة الناس أن أقرأ أو أسمع أن مواطنا أيا كانت صفته تعدى على شرطى بالقول أو الفعل.. فكيف أهين أو أعتدى على الرجل الواقف ليل-نهار لحمايتى؟.. وأنزعج جدا عندما يقال إن وزارة الداخلية تطلب من رجالها ضبط النفس أمام التحرشات والاعتداءات، ولعلنى أكون متطرفا إذا قلت إن هذا المعتدى يجب محاكمته فورا وإعدامه إذا لزم الأمر. يجب أن لا تأخذنا بالمعتدى فى هذه الحالة رحمة مهما كانت الأسباب، سواء أكان طالبا يتوسط له أهله وأقاربه.. فالطالب المتربى يعرف حدوده.. ويعرف قيمة رجل الشرطة.. فإذا كان عديم التربية فيجب تربيته بالقانون.. وبالعنف أيضا. لعل النقطة المهمة التى لم يناقشنى فيها اللواء محسن هى ملاحظتى على قول اللواء منصور العيسوى وزير الداخلية إن عنده تخمة فى الضباط.. وهى نقطة جوهرية فى حديثى عن جهاز الشرطة، الذى أكن له كل الاحترام.. وكيف يساء توزيع الضباط بهذا الشكل وباعتراف وزير الداخلية نفسه.. وسأقول للوزير وللواء محسن معا إننى أعرف السبب وهو عدم وجود أماكن مناسبة فى بعض الأحياء لإنشاء قسم شرطة.. أو السبب هو عجز الميزانية رغم ضخامتها.. ومن الممكن طبعا إنشاء أقسام شرطة مؤقتة من المواد البرى فاب «prei fab» أى سابقة التجهيز، وهى رخيصة وعملية، ويمكن إنشاء قسم شرطة كامل فى يومين.. بدلا من انتظار توفير ميزانية.. وتوفير مكان مناسب، لأن بناء «البرى فاب» يمكن أن يتم فى مدخل عمارة دون أن يعطل المرور فيها!! بالمناسبة سألنى السيد اللواء حامد عوض مدير العلاقات العامة بأمن القاهرة، «عما إذا كنت أنا محمود سالم مؤلف سلسلة الألغاز المثيرة وسلسلة الشياطين ال13»، فلما أجبت بالإيجاب انبسط جدا وقال لى إنه كان وأصدقاؤه فى المدرسة وفى الكليات يقرؤون هذه السلاسل، وكانوا كما قال لى كثير من القراء وبينهم ملوك ورؤساء من الدول العربية، كانوا جميعا يخفون هذه الكتب داخل كتب المدرسة ليستمتعوا بقراءتها بعيدا عن عيون الآباء والأمهات. وبهذه المناسبة أحب أن أقول إن ضابط الشرطة المفتش سامى كان شخصية حقيقية.. وكان رئيسا للبحث الجنائى فى الستينيات، وقد أصبح صديقا عزيزا بعد أن تدخل لصالح طالب قريبى كان متهما مع مجموعة من أصدقائه بسرقة سيارة والتنزه بها وتركها بعد أن فرغ البنزين.. فتدخل اللواء سامى ميخائيل حتى أتم التصالح بين صاحب السيارة واللصوص الصغار.. وكان منطق اللواء سامى أن دخول ثلاثة طلاب إلى الحبس سيخرجون منه لصوصا عتاة.. ولكنه طبعا أوقع عليهم عقوبة أخرى ونال كل منهم علقة ساخنة.. ومنهم من أصبح وكيل نيابة وأحدهم كان ضابط شرطة واستقال وثالثهم أحد سفرائنا المهمين.. وهنا يبرز دور الشرطة الإنسانى ومحاولة حل المشكلات قبل أن تتفاقم!! رجل القوات المسلحة ورجل الشرطة هما فعلا حماة الوطن.. الأول يحميها من الخارج، والثانى من الداخل.. وبغيرهما لا يقوم وطن ولا يوجد شعب!