عندما كسر علاء عبد الفتاح الطاعة لم يكن المتوقع الاستجابة الكبيرة من المجتمع. نقابة الصحفيين قررت عدم مثول الصحفيين للمحاكم والنيابات العسكرية، وقبلها امتنع الدكتور أحمد دراج قيادى الحركة المصرية للتغيير، عن المثول أمام الاستدعاء. المجتمع يدافع عن نفسه أمام سلطة تريد استعادة هيبتها على طريقة الدولة المستبدة. الدولة لها طرق فى الهيبة يختار المستبد أسهلها: القهر والجبروت. والمجلس العسكرى يحب الصورة القديمة للدولة، وربما لا يعرف غيرها. لكن المجتمع يعرف أو صار يعرف رغم صعوبة الإفلات من قبضة دولة تعوّدت على قهر أفرادها وتحويلهم إلى مستعمرات للمقهورين. تسعى الدولة الآن أو مَن يجلس على عرشها إلى استعادة الهيبة ومعها المستعمرة. بينما المجتمع أفلت من هذا المصير. المجتمع فى مصر تحرر من هيبة الدولة بمعناها القديم. وكلما سمعت كلمة «هيبة الدولة» الآن، تحسست تاريخ القهر الطويل الذى عشناه فى مصر منذ أصبحت الدولة حيوانا مقدسا يعبده الشعب باعتباره الحامى والراعى والمستحِق للقداسة مهما كان الطغيان والظلم والقهر والفساد. يبدو أن المجتمع يدافع عن نفسه. يبحث عن عناصر قوته فى مواجهة تعنت دولة تعودت على الاستبداد، وأجهزتها لا تستطيع العمل إلا فى ظل هيبة القاهر والمستمتع مثل كل الدول الفاشية بفرض معادلة: لا أمن دون قهر. يتلذذ المجتمع المقهور بالألم من الدولة، يلعنها لكنه يريد التذلل لها حتى تحميه وتمنحه فرص العمل وحق العلاج كأنها تمنحه من فيض إحسانها. المواطن فى هذه الدولة «جندى مخلص» يقدّس التعليمات، وفق أخلاقية تسيطر عليها الدولة. الدولة ليست مديرة شؤون البلاد. الدولة هى «الهدف الأعلى»، ونموذج يفنى فيه المواطنون، ويخدمونها بإرادتهم أو بنزعتهم إلى المثال والكمال. الموديل الفاشى له مغرموه. لا يشعرون بفاشيته، لكنه يداعب عواطف المثالية ويوقظها على طريقة «ابدأ بنفسك أولا»، وهى دعوة تصلح لنصائح الكنيسة لكنها لا يمكن أن تتحول إلى أساس للعلاقة بين الفرد والدولة. الدولة لها أشكال أخرى، وقد انسحب نموذج الدولة الفاشية من العالم وحل محلها الدولة التى تدار بالقوانين. والفرد يلتزم أو لا يلتزم. هذه حريته التى تواجه بتكاليف الخروج عن القانون. فى المقابل، يتمتع الفرد بحزمة حقوق تتحقق بها مواطنته وعضويته فى الدولة، وتتحقق بها الدولة نفسها. المجتمع يستعيد قوته ببطء إذن، ويسير وراء أحلام دولة لا تهينه باسم قيم علوية مثل «مصلحة الوطن». مصلحة الوطن هى الفرد لا القيم التى لا نعلم عنها شيئا وباسمها يهان المواطن. لماذا يصر المجلس العسكرى على تحويل المواطنين إلى محاكم غير شرعية؟ لماذا يصر على منع الحقوق عن المواطن؟ الحق الأساسى هو المحاكمة أمام قاض طبيعى لا استثنائى، والدولة المستبدة وحدها التى تواجه مشكلة فى إدارة شؤون البلاد دون إجراءات استثنائية. المجتمع يدافع عن نفسه.. يرفض الخضوع للظلم.. هذا ما بدت به ثورة دمياط على مصنع يرونه يبيع الموت. ربما قطع الطريق هو وسيلة عنيفة لكنها الوحيدة التى أوصلت الصوت إلى حكومة تعيش موتها اليومى ومجلس لا يسمع إلا بهذه الطريقة. كان من الممكن مع أول يوم اعتراض أن يدار حوار حقيقى مع المجتمع الرافض، لكن أن تَتْرك المعترضين يصرخون فى البريّة فإن هذه دعوة إلى التصعيد. وكذلك الإصرار على المحاكم العسكرية والوصول إلى أرقام قياسية (12 ألفا) تجاوزت فى 10 أشهر، ما تم فى عصر مبارك الكئيب كله. الثورة أيقظت المجتمع الذى ذهب إلى نوم طويل منذ 60 سنة، ولن يعود المجتمع إلا بعد أن تعود الدولة إلى رشدها، بالتوقف عن الجبروت كوسيلة وحيدة للحكم. الدولة ستستعيد هيبتها إذا عرفت أن الزمن تغير وزمن قهر المجتمع انتهى. قوة المجتمع ستعيد الهيبة إلى دولة المواطن. وهو نوع لم تعرفه الدولة التى تربت فى الثكنات وأرادت نقل ثقافة الثكنة إلى المجتمع.