فى بلادى.. أحتار من كثرة تداخل المشاهد وذوبانها. فتصبح الأشكال لا شكل لها وتصبح الألوان. لا لون لها، أشياء هلامية تطفو على السطح وتحتار فى تسميتها. أهم هذه الأشكال التى ظهرت فجأة بعد ثورتنا المجيدة. الناشط السياسى. وهو تعبير أصبح موضة على كل لسان. بل وأصبح لقبا يكتب فى كارت التعارف. ويكتب كتعريف بالباشا الناشط أسفل شاشة الفضائيات. ولا أعرف حقيقة الأمر، هل هذه مهنة جديدة دخلت القطر المصرى بعد الثورة. أم أنها مهنة قديمة. ولها سوق فى مصر. لكن يبدو أنها مهنة مربحة جدا. والدليل هذا الكم الكبير من الناشطين والناشطات ممن نُبتلى بهم هذه الأيام. ولكى لا يزايد على أحد. أعرف ناشطين سياسيين فى غاية الوطنية وطهارة اليد. لكن فى نفس الوقت. أعرف ناشطين وناشطات أتحرج أن أذكر ما أعرفه عنهم، فالله ستار حليم يحب الستر. فقط يمكننى أن أذكر بعض الناشطين رغم صغر سنهم وقلة خبرتهم وثقافتهم السياسية. بتاريخهم المخزى كى يكف البعض منهم على المزايدة على خلق الله فى كل حين. فأعرف ناشطا سياسيا مهما كان يقوم بتوزيع أوراق دعاية لعضو الحزب الوطنى فى مدينة المحلة فى انتخابات 2005 وكان من أهم المؤيدين لمرشح الحزب ومعه تقريبا فى كل جولاته. وناشط آخر كان يقوم بنفس الدور فى نفس الانتخابات لكن على دائرة الدقى. وناشطة أخرى ظهرت مع عمرو أديب منذ عام تقريبا وبعد الإفراج عنها من الاحتجاز -هكذا قالت- راحت تسبح بحمد الداخلية وأمن الدولة فى معاملتهما الكريمة لها طوال احتجازها وراحت تشرح لنا دماثة وخلق الضباط. وفوجئت بنفس الناشطة بعد الثورة تكيل للداخلية وأمن الدولة والضباط كل الاتهامات والسباب واللعنات. بل والأدهى والمضحك أننى أعرف ناشطين وناشطات كانوا من أعضاء الحزب الوطنى. بل وفى أمانة السياسات نفسها. هذه بعض من نماذج، أستطيع فقط أن أكتبها عن بعضهم. أما الباقى فلا يمكن أن يكتب على صفحات الجرائد. أما حكايات التمويل من الخارج. فلا ترهق نفسك فى أن تخمن. بل اسأل أى ناشط سياسى منافس وهو سيسرد لك تاريخ الشيكات أو حجم الأموال التى تلقاها منافسه. وسيضيف إلى معلوماتك بلد التمويل فوق البيعة. لكن الأمر الأكيد أن من بين هؤلاء شرفاء همهم الوحيد هذا الوطن وقد دفعوا من دمهم وعرقهم الغالى من أجله. من أتحدث عنهم هم المدعون والمنافقون والممولون والجهلاء ممن أساؤوا إلى الثورة بأحاديثهم فى الصحف وعلى الفضائيات وادعائهم كذبا أنهم لعبوا دورا كبيرا فى اندلاع الثورة وأنهم المحركون الأساسيون للجماهير الغفيرة. لا أحد له الفضل فى اندلاع هذه الثورة المجيدة الإشرف من أى كاذب والأنظف من أى عميل يدعى أنه كان من الثوار. كل من كان فى الميدان ال18 يوما يعرف جيدا تواريخ نزول هؤلاء المدعين والأفاقين، ومعظمهم نزل بعدما تأكد أن أمن الدولة اختفى من الوجود والداخلية تبخرت. وما يثير ضحكك هو بداية حديثهم معك وعادة ما يبدأ بإحنا نزلنا الميدان وعملنا الثورة وضربنا الأمن. ويحكى لك تخاريف عمّا كان يحدث ومن كثرة ما يتقن الكذب تشعر أنك كنت فى ميدان آخر أو فى ثورة أخرى أو أنك غير موجود بالمرة ليل نهار منذ 25 يناير. أكيد هو أو هى الأصدق وأنت كاذب. وعلينا أن نصدق. ماشى. النجاح له ألف أب عادة. والفشل له ألف بلاغ فى أمن الدولة، إنه ابتلاء يختبرنا الله به، لكن كل ما أريده من السادة النشطاء أن يقرؤوا -ولو قليلا- فى السياسة. فقط يقرؤون، لأن هذا الكم من الجهل السياسى والغرور البشرى الممزوج بالغباء يصيب الثورة فى مقتل وسنسأل عنهم جميعا أمام التاريخ أن هؤلاء كانوا فى أول الصفوف وأكثر المتحدثين والمنظرين فى أعظم ثورة شهدتها مصر على مر تاريخها. وعليهم- أعرف أن طلباتى كترت- أن يتحدوا على كلمة سواء وأن يبتكر أحد منهم أو مجموعة منهم شكلا جديدا لمصر الجديدة ولناسها الطيبين الغلابة. ما يحدث هو مهزلة سياسية سندفع ثمنها غاليا فى المستقبل القريب لأن كلا من هؤلاء له مطالب ومكافآت يريد الحصول عليها، ومع حكومة نيّرة مثل حكومة شرف أفندى، يمكننا أن نرى ذات يوم ثلاثة منهم أو أكثر على كراسى الوزارات بحجة إعطاء الفرصة للشباب لقيادة الأمة المصرية وقيادة الثورة التى صنعوها. الثورى أو الناشط الحق لا يمكن أن يكون كل همه هذا التكويش على الفضائيات وعلى الأدوار وعلى المناصب. ولا يدعى بطولة لم يفعلها. ولا يحب الأضواء. ويعمل فى صمت وشرف. أما الباقون فهم أداة كل نظام فاسد لتمرير كل ما يريده رجاله. من أجل الانفراد بالحكم مقابل مكافآت ومناصب عليا. وسنرى فى القريب العاجل. كمال الشاذلى وصفوت الشريف وفتحى سرور من جديد. ومش بعيد أحمد عز!! ما دمنا نصمت على هذا الهراء المسمى الناشطين السياسيين. والأيام بيننا.