من أهم أهداف ثورتنا العظيمة، تحقيق العدالة الاجتماعية على أرض المحروسة، ففى العقود الأخيرة، تحولت مصر إلى دولتين منفصلتين تماما، وشعبين مختلفين كل الاختلاف، إذ لكل منهما نمط حياته الشخصية، ولا علاقة -تقريبا- بين أحدهما والآخر! دولة صغيرة جدا من الأغنياء المترفين فى منتجعاتهم الفاخرة، وأنديتهم الراقية، ومدارسهم الغالية، وجامعاتهم الخاصة، ومستشفياتهم الاستثمارية. ودولة كبيرة جدا من ملايين الفقراء المهانين بالحياة فى مقابر بائسة، وعشوائيات قذرة، ومدارس حكومية بلا تعليم، ومستشفيات عامة بلا علاج! ومن ثم كنا نهتف بأعلى صوت مطالبين بتحقيق هذه العدالة الاجتماعية المفقودة فى شتى مناحى حياتنا اليومية. فماذا حدث؟ سأقول لك يا صديقى ماذا حدث، ولنبدأ من موازنة الدولة بعد الثورة، فقد تم وضعها بنفس الأسلوب القديم بالضبط! وتم توزيع بنود الموازنة بنفس منطق العهد البائد، وكأنما الحزب الوطنى ما زال يحكمنا بعد الثورة، وكأن جمال مبارك وأحمد عز ما زالا يقودان حركة الاقتصاد المصرى! إذ إن د.سمير رضوان عضو لجنة السياسات هو الذى وضع موازنة 2011-2012، وعندما جاء د.حازم الببلاوى، وتفاءلنا به خيرا، قال إنه لن يغير شيئا من بنود الموازنة طوال هذا العام، وأننا فى العام القادم إن شاء الله يمكن لنا أن نضع موازنة جديدة كما نشاء! هكذا قال، وكأنما هذه الموازنة قدر نزل علينا من السماء! الخلاصة إننا بعد مرور تسعة أشهر على انتصار ثورتنا المجيدة، وبعد أن تخلصنا من الطاغية، ما زلنا حتى الآن نحكم سياسيا واقتصاديا بالفكر الجديد للحزب الوطنى! باعتبار جمال مبارك هو مفجر الثورة، كما قال أحمد عز! فمجموعة أصدقاء جمال التى وضعها على رأس مجالس إدارات البنوك فى مصر، ما زالت تفسد فى القطاع المصرفى كله، وفاروق العقدة هذا، ما زال فى موقعة المهيمن على أموال البنك المركزى منذ ثمانى سنوات متصلة، ويفكرون الآن فى استمراره لأربع سنوات أخرى! إذ يبدو أنه قدم إليهم خدمات جليلة! هؤلاء جميعا يجب أن يحاكموا على كل ما فعلوه بأموال المصريين ومدخراتهم، فأى واحد من هؤلاء ال.. يأخذ راتبا أكبر من راتب الرئيس الأمريكى باراك أوباما! وهؤلاء هم من هربوا مليارات الدولارات من مصر إلى الخارج، وهم أيضا من سمحوا لرجال أعمال النظام الساقط بأخذ المليارات من البنوك المصرية بلا حسيب ولا رقيب! وكان يجب أن يلقى القبض عليهم جميعا، حتى نسترد أموالنا المسروقة. لكن بدلا من ذلك تركناهم يعيثون فى مصر فسادا! كان يجب أن نعدل بنود الموازنة بطريقة تحقق العدالة، ونفرض الضرائب التصاعدية، والرسوم على كل السلع الكمالية، حتى نتمكن من توجيه أموال الشعب إلى البحث العلمى، والتعليم، والصحة، والإسكان الاجتماعية، وإعانة البطالة، كان يجب أن نسرع فى تطبيق الحد الأدنى، والحد الأقصى للأجور، كان من المفروض أن تتجلى ثورتنا الشعبية فى تغيير نظامنا الاقتصادى تغييرا شاملا، من اقتصاد الاحتكار والسرقة والنهب، إلى اقتصاد موجه إلى مصلحة الطبقات الكادحة، لكننا للأسف الشديد ما زلنا نحكم بعقلية مبارك وتوجيهاته