رحل البطل المصرى أحمد الهوان، الشهير بجمعة الشوان، الرجل المثير للجدل الذى قدم لمصر الكثير، وواجه من التجاهل والتعنت الكثير على مستوى أجهزة الدولة.. لا تستطيع أن تحدد على وجه الدقة لماذا كان رأفت الهجان، واسمه الحقيقى رفعت الجمال، يحظى بمساحة أكبر من التقدير على المستويين الأدبى والجماهيرى. هل لأن مسلسله مثلا عرض بعد رحيله عن الحياة فلم يشعر بنشوة النجومية؟! أتصور أن المأزق الذى عاشه الهوان، بدأ فى اللحظة التى عرض فيها مسلسل «دموع فى عيون وقحة» الذى يعرفه الناس باسم «جمعة الشوان»، كان الشوان هو أول من هاجم المسلسل بعد أيام قليلة من عرضة، وذلك قبل أكثر من ربع القرن، ولم تكن أجهزة الإعلام تستطيع أن تتحرك بحرية خارج إطار النظام، خصوصا أننا نتحدث عن عصر ما قبل ثورة الفضائيات.. لقد كان الهوان ممنوعا حتى من إعلان غضبه، وكانت أجهزة الدولة تتدخل وتحذف أى حوار له يتطرق بالنقد السلبى للمسلسل.. كان المسلسل قد عرض فى بداية نجومية عادل إمام، واختلط الأمر على الشوان، عندما اعتقد أن تلك النجومية هو الذى صنعها لعادل، الحقيقة أنه لعب دورا فى تحقيقها، ولكنه ليس صانعها.. كان الهوان يرى عادل نجما، فأراد أن يصبح نجما موازيا له. عادل نجم على الشاشة، وهو نجم فى الشارع، إلا أن الدولة، لأسباب متعلقة ربما بتركيبة رجل المخابرات، لم تمكنه من تحقيق ذلك. كان ينبغى لرجل الظل أن يواصل الحياة بعيدا عن الضوء. عادل إمام كان يتجنب لقاءه. المرة الوحيدة التى أشار إليها «الهوان» الأصل فى لقائه مع «الشوان» الصورة، هى تلك التى كانا موجودان فيها معا بالصدفة فى إحدى الكافيتريات، وعندما قال الهوان للشوان: أنا جمعة الشوان، أجابه عادل: أنت الهوان وأنا الشوان. تبدو ربما كلمة عابرة، ولكن الحقيقة هى أن عادل أراد أن يقول له إنه ليست له علاقة بتلك الشخصية التى جسدها فى المسلسل. المعروف أنه فى فن كتابة المسلسلات التى تستند إلى وقائع لا تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إن هذا هو ما حدث بالضبط، لا شك أن هناك مسافة ما بين الواقع والخيال، فى تلك المساحة نسج الكاتب الكبير صالح مرسى تفاصيل المسلسل ورسم ملامح أخرى للشوان. ما رأيناه على الشاشة الصغيرة ليس هو بالضبط حياة الشوان.. منذ عرض المسلسل والهوان كان حريصا على أن لا يغيب عن الإعلام، وعاش لديه قناعة بأن عادل إمام عليه أن يظل مدينا له بالشهرة التى حققها.. ولم ينس الشوان أبدا أن يثأر لنفسه فى كل اللقاءات التى أتيحت أمامه، ويؤكد تجاهل عادل إمام له رغم أنه -كما يعتقد- هو صانع شهرته!! مرت السنوات والكل شاهد على الفضائيات الهوان، وهو يطلب العلاج على حساب الدولة، وفى حلقة مؤثرة قدمتها دينا عبد الرحمن فى برنامجها «صباح الخير يا مصر»، كانت التبرعات تنهال على البطل المصرى قبل أن يتدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويأمر بعلاجه. كان بطلا ولا شك، ولكنى اختلفت معه عندما أعلن فى الصحف أنه تزوج عرفيا من سعاد حسنى، وهذه القصة المختلقة وجدت صدى لدى الناس لأن سعاد أيضا جاء اسمها فى سياق آخر مرتبط بجهاز المخابرات.. كنت أرى وقلت ذلك وكتبته أكثر من مرة أن الهوان أراد أن لا تغيب عنه الأضواء، فاختار الزواج من سعاد، ولم يطالبه أحد بإظهار العقد العرفى، فلا يوجد عقد لديه، ولكن الأمر حقق له فى النهاية ترديدا لاسم الهوان، وكذبه على بدرخان الذى كان زوجا لسعاد فى تلك السنوات، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن سعاد تجمع فى نفس الوقت بين زوجين!! جمعة الشوان كان هو نقطة الضعف التى أصابت أحمد الهوان عندما عبر الخط الفاصل بينهما، فلم يكن يدرى فى لحظات هل هو الشوان أم الهوان.. رحم الله البطل المصرى أحمد الهوان الذى لعب دورا فى تاريخ المخابرات العسكرية وقدم روحه فداء للوطن، حتى لو كانت بداخله لحظات ضعف إنسانية، فمن منا الذى عاش ومات دون تلك اللحظات؟!