هذا الشعب المصرى العظيم الذى خرج فى كل أنحاء مصر مطالبا بإسقاط النظام بعد 30 سنة من الظلم والقهر والاستبداد.. لم يكن فى نيته أن يحاكم حسنى مبارك.. كان فقط يريد التخلص منه ومن سنوات حكمه التى كانت فقرا وفسادا. كان يريد الإطاحة بمشروع التوريث الذى كان يعده ابنه واستخدم فيه جميع أدوات الدولة للترويج له، وإنشاء تنظيمات سرية وأخرى علنية لإدارة هذا المشروع. كانت المظاهرات تطالب برحيل حسنى مبارك وسفره إلى أى دولة أو أن يلحق بصديقه فى الاستبداد زين العابدين بن على الذى سبقه بالهروب إلى السعودية بعد ثورة تونس.. والذى كان يدِّعى مبارك وعصابته أن «مصر مش تونس.. وحسنى مبارك لا يمكن أبدا مقارنته بزين العابدين بن على».. ليتضح فى النهاية أنه أسخم منه! ولكن أصر مبارك وعصابته على العناد.. ضاربا عرض الحائط بمطالب الثوار بمساعدة عائلته خصوصا ابنه جمال، الذى كان يرى أن الحكم ذاهب إليه. وليكتشف الناس حجم الفساد الذى كان يعيش فيه مبارك وأسرته وأفراد عصابته.. وتهريبه الأموال، التى وصلت وفق مصادر غربية مطّلعة إلى ما يقرب من 40-70 مليار دولار، وهو ما أكده بعد ذلك نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، وإن حاول الالتفاف على ذلك بقوله بعد ذلك إنه كان يقصد زعيما عربيا آخر. لكن مبارك أصر على نظافة يده.. ورفض أن يرحل من البلاد، مفضلا الذهاب إلى شرم الشيخ.. ليستفز الناس بوجوده، مما دعا الناس إلى محاكمته.. ويحال إلى التحقيق ليكتشف سلطة التحقيق والذين يديرون شؤون البلاد الفساد الذى كان يعيش فيه مبارك وأسرته. ومع هذا لم يطلب الشعب محاكمته عسكريا، على الرغم من أنه كان جائزا، بل يصل إلى الوجوب، أن تتم محاكمته عسكريا. والأمر نفسه تكرر مع أفراد عصابته فى الداخلية، وعلى رأسهم حبيب العادلى، وزير الداخلية ومساعدوه، فى اتهامهم بقتل المتظاهرين، فكان يجب أن يحاكموا عسكريا، خصوصا أنهم كانوا يعملون فى جهاز الشرطة فى أثناء التحقيق معهم. ومع هذا ارتضى الناس تلك المحاكمات التى تجرى الآن لحسنى مبارك وأفراد عصابته، أمام القضاء الطبيعى، على الرغم مما يحدث فيها من مسرحيات. لكن الذى لا يرضى عنه الناس أن يظل المدنيون يحاكَمون أمام المحاكم العسكرية. فمنذ أن تولى المجلس العسكرى السلطة بعد نجاح الشعب فى إجبار مبارك على الرحيل والتخلى عن الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهو يتوسع فى استخدام أدواته العسكرية، ومحاكمته المدنيين أمام المحاكم العسكرية فى ظروف لا تتوافر فيها أى إجراءات قانونية. فهل قام المصريون بثورة من أجل أن يحاكَموا أمام محاكم عسكرية؟! إنهم يسيرون على طريقة النظام المخلوع الذى توسع فى إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية، خصوصا معارضيه. لقد قامت الثورة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة، ومن بين ذلك محاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعى لا أمام محاكم استثنائية. سيقول العسكر إنهم يحاكمون البلطجية والذين يشيعون الفوضى فى البلاد، ويمكن الرد عليهم بسهولة، بأن فى قانون العقوبات ما يمكن تفعيله لمحاكمة هؤلاء. ولكن الأمر امتد إلى محاكمة النشطاء السياسيين، وليس أولهم أو آخرهم علاء عبد الفتاح، لكن هناك مئات فى السجون بأحكام عسكرية مغلظة. .. كل ذلك يحدث على الرغم من وعد المشير حسين طنطاوى والمجلس العسكرى بعدم إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية.. ولكن ما يحدث الآن عكس ذلك تماما. فالثورة يا سادة مدنية لا عسكرية.. فلا يمكن أبدا أن تكون هناك محاكمات عسكرية للمدنيين.. يا أيها الذين تديرون شؤون البلاد عندكم فرصة عظيمة بمناسبة عيد الأضحى المبارك للإفراج عن جميع من حكمتم عليهم بأحكام عسكرية.. وبإصدار قرار واضح وصريح بعدم إحالة مدنيين إلى محاكم عسكرية، لعلكم تستعيدون جزءا من ثقة الناس بكم.. التى أعتقد -ويعتقد غيرى- أنها انتهت.