إلغاء وحذف العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر، وكذلك إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا الرأى، هذه أبرز مواد قانون الصحافة الجديد الذى صادق عليه مجلس الوزراء فى تونس منذ 3 أسابيع.. وزارة الإعلام تم إلغاؤها تماما هى الأخرى بمجرد هروب بن على فى يناير الماضى، تلك الخطوات التى اتخذتها تونس لتحرير إعلامها بعد الثورة من كل قيود الديكتاتور، كانت أبرز ما جاء، أمس، فى الحوار الذى أجرته «التحرير» مع كمال العبيدى، الرجل الذى حمل على عاتقه مهمة تطهير الإعلام التونسى فى عهد الحرية الجديد، لكن المهمة ليست سهلة ف«الفلول» يحاولون إعاقتها بأقصى طاقتهم. وهذا بعض ما نطلع عليه اليوم فى الجزء الثانى من حوار «التحرير» مع العبيدى. ■ ما طبيعة الصعوبات التى تواجهكم فى عملية إصلاح الإعلام؟ - هناك تكتلات فى كل المؤسسات الإعلامية سواء كانت مملوكة للدولة أو خاصة، ورغم بعض الإصلاحات والتغيير الذى طرأ على أدوات بعض المؤسسات العمومية، فإن هذه التكتلات غير مستعدة للانخراط بنزاهة فى عملية الإصلاح وتعرقل جهود الصحفيين المتعطشين لممارسة مهنتهم حسب المعايير المهنية والأخلاقية، وهذه التكتلات تمنع كذلك عملية الإصلاح رغم علم الجميع بتورطها فى تمجيد الرئيس السابق ونظامه وعائلته، وهى تريد اليوم أن تكون فى الخط الأمامى فى كل المؤسسات وتريد أن تحتفظ بمسؤوليات على مستوى إدارات التحرير وتمنع الزملاء والزميلات ممن لم يتورطوا فى اتخاذ القرار، وتحول دون اجتماع هيئات تحرير لتقييم العمل الصحفى والتخطيط حتى تنهض هذه المؤسسات وتستجيب لتطلعات الشعب التونسى، وبالتالى يجب على البعض أن يتقاعدوا ليفسحوا المجال لزملائهم الذين ظلوا لسنوات وعقود طويلة ملتزمين بقواعد المهنة وبميثاق شرفها، رغم التسلط والقمع والعزل والحرمان من أبسط الحقوق ورغم الإغراءات أيضا. ■ ما لذى تغير فى شروط إصدار الصحف وتأسيس القنوات والإذاعات؟ - الصحف تصدر الآن بمجرد إخطار وزارة الداخلية للحصول على ترخيص، والهيئة بادرت بتوصية لترخيص 12 إذاعة خاصة جديدة، و5 قنوات تليفزيونية خاصة جديدة، وتم منح هذه التوصية بناء على مقاييس ومعايير معمول بها فى الأنظمة الديمقراطية، وجاءت التوصية بعد فحص وتحليل 74 طلبا لتأسيس إذاعة خاصة و33 طلبا لإنشاء قنوات خاصة، وفى النهاية أعلنا الموافقة على 12 إذاعة و5 قنوات. ■ وما أسباب استبعاد بقية الطلبات؟ - لأن الملفات ضعيفة ولا تتوافر فيها الشروط المطلوبة. ■ وما الشروط المطلوبة؟ - أن يكون هناك مخطط مالى واضح، بمعنى أن يكون مصدر التمويل واضحا، وخطة مالية تحدد كيف سيتم إدارة الإذاعة أو القناة اقتصاديا، كذلك يشترط أن لا يكون ممول المشروع أو مالكه من بعيد أو قريب صاحب مسؤولية حكومية، أو رئيس حزب أو يتحمل مسؤولية فى حزب أو حركة دينية، فحرصنا أن لا نمنح الموافقة إلا لرجال أعمال أو صحفيين غير غارقين فى الشأن السياسى. ■ كيف تم التعامل مع الإذاعات والقنوات التى كانت تعمل فى العهد البائد؟ - هذه القنوات والإذاعات غيرت من خطها الإعلامى، فتحولت من الموالاة للنظام القديم إلى الادعاء بالموالاة للثورة، فطلب منها الحياد فى أدائها، فنحن كهيئة مستقلة لسنا وزارة إعلام، ففى البداية طلب منا أن نكون جهة تنفيذية بصلاحيات وزارة إعلام فرفضنا ذلك، فنحن مجموعة من الصحفيين التونسيين نريد إبداء الرأى وتقديم مقترحات لإصلاح الإعلام فى هذه الفترة الانتقالية، ولا نريد أن تكون لنا سلطة تقريرية أو نفوذ، لأن الزملاء الصحفيين والإعلاميين عانوا كثيرا من السلطة والنفوذ واستبداد وتجاوزات وزارة الإعلام، ونحن سنكتفى بإبداء الرأى وتقديم المقترحات حتى يكون الإعلام التونسى إعلاما حرا يكرس خدمته فقط للمواطن، لا للرئيس أو حزبه أو نظامه. ■ هل كانت هناك إذاعات وقنوات مملوكة لأسرة بن على؟ - نعم هناك إذاعات وقنوات كانت تحصل على امتيازات استثنائية لأن ملكيتها تعود لأفراد من أسرة الرئيس المخلوع، فهناك إذاعة كانت تملكها نسرين ابنة بن على، وكانت هناك إذاعة «الزيتونة»، وهى إذاعة دينية مملوكة لصخر الماطرى، صهر بن على، كذلك هناك إذاعة «موزاييك» التى كان أحد المساهمين بها بلحسن الطرابلسى شقيق ليلى الطرابلسى قرينة الرئيس المخلوع، كما أن هناك إذاعات أخرى تعود ملكيتها لأسماء معروفة بقربها من السلطة. ■ وكيف تم التعامل مع تلك القنوات بعد الثورة؟ - جميع الإذاعات التى كانت تملكها أسرة بن على أصبحت ملكا للدولة، كذلك مؤسسة «دار الصباح» التى تصدر جريدة «الصباح» المملوكة لصخر الماطرى أيضا أصبحت تابعة للدولة، واقترحت الهيئة أسماء بعض الصحفيين المشهود لها بالكفاءة والمهنية لتولى إدارة تلك الإذاعات والصحف. ■ ما خطط الهيئة المستقبلية؟ - سيتم تقديم تقرير للمجلس التأسيسى وكذلك الحكومة الجديدة عن تصوراتنا ومقترحاتنا لإصلاح الإعلام، كذلك تبنى وصف من الصحفيين للعقبات التى تواجههم فى عملهم وكيفية إزاحتها. ■ متى تنتهى مهمة الهيئة؟ - مهمتنا قاربت على الانتهاء، فخلال أسابيع قليلة ستحل الهيئة بعد تقديم مقترحاتها وخططها لإصلاح الإعلام إلى المجلس التأسيسى والحكومة الجديدة، لنعود بعدها إلى ممارسة عملنا كصحفيين. ■ وما ضمانة تنفيذ تلك المقترحات والتوصيات بعد حل الهيئة؟ - سنتابع كصحفيين كيفية تنفيذ تلك التوصيات، وإن كان هناك نوع من التباطؤ فسيكون الضغط عبر نقابة الصحفيين والصحافة الحرة. ■ كيف ترى التفوق الذى حققته حركة النهضة فى انتخابات المجلس التأسيسى؟ - هذه الانتخابات كانت أول انتخابات حرة تعيشها تونس، ومَنْ تحرك أكثر وبذل مزيدا من الجهد هو الذى حقق نجاحا فى النهاية، ف«النهضة» تحرك منذ فترة طويلة واتصل بالناس وناقش وأقنع ونجح فى حصد أصوات، كذلك بالنسبة للحامدى الهاشمى، فهناك مجهود بذل وخطط انتخابية نفذت، وإن كان وراء هذا النجاح شخصيات منتمية إلى حزب التجمع الحاكم سابقا، والبوليس السياسى، فهم يعملون فى الخفاء ويدعمون الهاشمى من أجل الحفاظ على مصالحهم التى تضررت بعد الثورة. ■ برأيك، كيف ستترجم تلك النتيجة إلى واقع سياسى جديد فى تونس؟ - لم تبدأ النقاشات داخل المجلس التأسيسى بعد، وفى رأيى لن تكون هناك قوى سياسية أو حركة تتمتع بالأغلبية فى المجلس، فأى تيار أو حركة، سواء فى «النهضة» أو غيره، لن يكون لها الكلمة الفصل دون أن تكون هناك تحالفات، فالكلمة الفصل ستكون للأغلبية التى تتألف داخل المجلس، ويبدو أن هناك إمكانية لتحالف النهضة مع المؤتمر من أجل الجمهورية، وربما كذلك مع التكتل الديمقراطى، وهاتان الحركتان معروفتان لدى الرأى العام الداخلى والخارجى بالتزامهما بحقوق الإنسان، فرئيس حزب المؤتمر المنصف المرزوقى كان رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ومن أشرس المدافعين عن الحريات الأساسية، ونفس الشىء بالنسبة إلى التكتل، وهو ما سيؤدى إلى وجود نوع من التوازن، ولا أظن أن «النهضة» قادر على السيطرة على المجلس التأسيسى بمفرده أو على فرض إملاءات، فهذه سياسة ولا بد من التوصل إلى وفاق، ودور المجلس هو إعداد الدستور الجديد وكذلك الإعداد للانتخابات التشريعية، والرئاسية القادمة. ■ هناك حالة إحباط بين شباب الثورة بعد دخول المحسوبين على النظام القديم إلى المجلس ومنحهم شرعية، بينما من قام بالثورة غير ممثل، كيف تعلق على ذلك؟ - ما الذى منع الشباب من التجمع وتكوين حزب أو حركة لينزلوا بكل ثقلهم فى هذه الانتخابات، فأنا لا أعرف ما الذى منعهم، وكان هناك ناخبون لم يتم التواصل معهم ومحاولة إقناعهم، صحيح أنه كانت هناك جهات منظمة ولديها خبرة فى ممارسة الانتخابات والإعداد لها، لكن من يقف كالمتفرج ولا يبادر للمشاركة الحقيقية فبطبيعة الحال لن يكون له نصيب فى الانتخابات.