دائما ستلمح أن ثورة الربيع العربى صارت تشكل جزءا حميميا فى كل التظاهرات الفنية.. اختار مهرجان أبو ظبى المخرج السورى المعارض للنظام نبيل المالح رئيسا للجنة التحكيم بينما وقع اختيار مهرجان الدوحة الذى افتُتح أول من أمس على المخرج السورى المعارض لنظام الأسد محمد ملص رئيسا للجنة التحكيم، وملص مواقفه معلنة وموثقة ضد النظام السورى! وتستمر المهرجانات العربية فى مؤازرة الثورة العربية عن طريق تحقيق هذا التمازج بين الفاعليات والضيوف والمزاج الثورى، وهكذا تم تكريم المخرج السورى الراحل المعارض عمر أميرلاى أيضا فى الدوحة الذى من المؤكد أن روح الثورة السورية انبعثت لتعيد إلى روحه الحياة، وسوف يتحدث عنه معارض ومخرج سورى آخر هو أسامة محمد الذى ينتمى إلى طائفة العلويين التى يحاول النظام السورى أن يضعها فى بؤرة المؤيدين لنظامه الطائفى، ولكن أسامة الذى منعت -ولا تزال- السلطات السورية عرض فيلمه الروائى «نجوم النهار»، هذا المخرج منذ 30 عاما هو معارض شرس للنظام انتماؤه الحقيقى إلى الوطن، متجاوزا أى نظرة طائفية، وسوف يلقى أسامة محاضرة اليوم عن عمر أميرلاى، ويعرض المهرجان فيلما لأميرلاى قدمه قبل أكثر من 6 سنوات، وأتيح لى أن أشاهده فى معهد «العالم العربى» بباريس، وعنوانه «طوفان فى بلاد البعث».. حمل الفيلم قدرا من الانتقاد للنظام القمعى فى سوريا فى عز سطوة الأسد الابن.. ولا تستطيع أن تعتبر مثلا أن اختيار المهرجان عمر الشريف فى تكريمه مع عرض فيلم «المواطن مصرى» عشوائيا، المؤكد أن المهرجان تعمد اختيار هذا الفيلم المأخوذ عن رواية «الحرب فى بر مصر» ليوسف القعيد سيناريو وحوار محسن زايد وإخراج صلاح أبو سيف، وهو الفيلم الذى يحمل حسا ثوريا من بين عشرات الأفلام لعمر الشريف! جاء فيلم الافتتاح قطرى الجنسية بهذا التوجه السياسى أيضا، وهو «الذهب الأسود» للمخرج الفرنسى جان جاك إنو الحائز قبل عدة سنوات على أوسكار أفضل فيلم أجنبى.. إنه يقدم بدايات ظهور النفط فى شبه الجزيرة العربية منذ الثلاثينيات، والعمل مأخوذ عن رواية للكاتب هانز روش، وبالطبع ليس هناك واقع مباشر ولكنها قصة خيالية، وتستطيع أن تقرأ فى ثنايا العمل تلك الحالة من التماهى بين ما كان يجرى فى الثلاثينيات من توجه أنظار العالم إلى الطاقة السوداء، وما يجرى الآن من صراعات وحروب لاغتصاب الطاقة. الفيلم بطولة أنطونيو بانديراس ومارك سترونج وفريدة بينتو، ومن تونس طاهر رحيم، حيث إن عديدا من مشاهد الفيلم تم تصويره بالصدفة هناك فى أثناء الثورة التونسية.. والفيلم الملحمى يقدم عناقا بين التاريخ والخيال وبين الحرب والسلام، ترى فيه كيف أن السيف من الممكن أن يقهر المصفحة وكيف أن الجمال والخيول كانت تتصارع مع الطائرة.. المتزمتون يسألون عن فلوس البترول ما الذى تضيفه إلى هذه الحياة الزائلة، بينما الآخرون يرون أن الأموال تنشأ بها مستشفيات ومدارس ونطوّر بها حياة البشر... لماذا لا نأخذ من الغرب ما يضيف إلينا؟ أليست النظارة الطبية هى أداة زائدة؟ المتزمتون يرون فقط أنها تساعد على قراءة القرآن، أما ما عدا ذلك فلا يجوز للإنسان أن يرتدى من أجله نظارة. التناقض بين العلم والإيمان حتى إن الطبيب محرَّم عليه شرعا استيراد أدوية من الخارج لأن الشافى هو الله. تميز الفيلم بجمل الحوار التى تحمل رؤية فلسفية مثل أن هناك أشياء تُشترى إما بالحب وإما بالدم، ليست كل الأشياء نحصل عليها بالأموال. الفيلم الملحمى من إنتاج «مؤسسة السينما القطرية»، كان به بعض التفاصيل فى العلاقات العاطفية تُشعِرك كأن المخرج الفرنسى استعار الإحساس الغربى وألبسه ملابس عربية، وهى نقطة ضعف رئيسية فى الفيلم رغم التنفيذ الجيد والمتقن للمعارك وإحساس الموسيقى الذى أبدعه جيمس هورنز. الأحداث التى تناولها الفيلم ألقت بظلالها على ما نعيشه الآن فى عالمنا العربى، وواجهت تلك النظرة الرجعية للإسلام بنظرة أخرى منصفة ترى الإسلام فى مكانته دينًا يحضّ على العلم والفضيلة. الفيلم يقدم الصراع الذى نكتوى بنيرانه الآن.. إلا أن التوقع لمستوى الفيلم بعد طول انتظار تضاءل أمام الواقع الذى طرحته الشاشة!