لنبدأ بالدعاء إلى المولى عز وجل أن يغفر ويرحم آخر شهدائنا محمد محسن، شهيد موقعة العباسية فى 23 يوليو! الذى لم يتلق العلاج المناسب، مما أدى إلى استشهاده على يد وزارات الدفاع والداخلية والصحة! أما بعد، فلنتأمل فى قوله تعالى: «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (التوبة: 118)، فقد أنعم الله على الإنسان بفضل عظيم حين شرع له التوبة، وجعلها بابا مفتوحا أمام الإنسان طوال حياته، تسمح له بتجاوز ذنوبه، والسير إليه سبحانه، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. ولذلك يقول سبحانه: «وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: 31)، فعم الخطاب لكل مؤمن، وقد جاء فى البخارى قول النبى عليه أفضل الصلاة والسلام: «إنى لأستغفر الله فى اليوم أكثر من سبعين مرة».. والتوبة لا بد أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، كما فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا» (التحريم: 8)، فالتوبة الصادقة هى التى يتلقاها غافر الذنب وقابل التوب، وأعظم من ذلك قوله تعالى: «فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» (الفرقان: 70). وإذا كانت التوبة تتطلب فى حدها الأدنى الندم، وترك الذنب فى الحال، بالإضافة إلى العزم على عدم التكرار، فثمة رؤية أعلى ترى أن التوبة الصحيحة فى نسيان كل شىء ما خلا الله تعالى، حيث ينسى الإنسان ذنبه، لاستغراقه فى ذكر خالقه، فذكر الجفاء فى حال الصفاء جفاء إذ «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ» (البقرة: 222). ولأن الذنوب سموم مهلكة، فالإنسان يهلك نفسه إذا لم ينتبه إلى قول أبى على الدقاق: «الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك»، ولذلك أكثر صياح أهل النار من التسويف، فحياة الإنسان أقصر من أن تحتمل سياسة التسويف، ولذلك عندما سُئل ذو النون المصرى عن السفلة، قال: «من لا يعرف الطريق إلى الله، ولا يتعرفه». وتوبة العوام من الذنوب، بينما توبة الخواص من الغفلة، فالتوبة انتباه الإنسان من حالة الغفلة، ورؤية حقيقة ما هو عليه، فأول منازل العبودية اليقظة، ويعرفها ابن قيم الجوزية بقوله: «هى انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغفلة». فبدون التوبة يعيش الإنسان حياته كلها فى غفلة إلى أن يواجه الموت، فيكون مصيره الهلاك الأبدى. ففى الإنجيل: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لوقا، الإصحاح 13 آية 3 و5). ولذلك إياك أن تغرك الحياة الدنيا، وإياك أن يغرك بالله الغرور، فسفيان الثورى، وهو من هو، كان يقول: اللهم سلم سلم، كأنه فى سفينة يخشى الغرق. فكيف لا يشعر الإنسان أنه على خطر عظيم؟ وكيف يأمن العاقبة وهو يسمع قول الخليل عليه السلام: «وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ» (إبراهيم: 35)، وكذلك قول يوسف عليه السلام: «تَوَفَّنِى مُسْلِمًا» (يوسف: 101)؟