سبحان الله.. هل هذا هو المصير الذى يحارب المستبدون شعوبهم من أجل أن يصلوا إليه فى النهايه ؟!.. هل تلك هى البدائل الوحيده أمامهم للجلوس على كرسى الحكم.. إما الهرب وإما السجن وإما الحرق وإما الموت قتلا وإما السواد الذى ينتظر خامسهم؟!.. هل تستحق تلك المصائر السوداء أن يصارع الإنسان الجميع من أجل أن ينالها؟!.. ربما كانت تلك هى التساؤلات التى تدور بمخيلة القذافى الآن أثناء جلوسه على إحدى الغيمات فى السماء فى إنتظار مناداة إسمه ضمن قائمة نزلاء الجحيم الجدد! كان أحد الثوار يجر القذافى على الأرض من عنفقته عقب إخراجه من أنبوب الصرف الصحى الذى كان مختبئا فيه.. الدماء تسيل من رأسه على صدره.. شعره أشعث ومغبر.. لم تكن ممرضته الأوكرانيه معه لتعتنى به.. ولم تكن هناك أى حراسه نسائيه أو حتى رجاليه تحميه من هؤلاء العامه والدهماء الذين ظل يسألهم طوال أيام وشهور الثوره الليبيه.. من أنتم.. من أنتم ؟!.. نتعشم أن يكون قد عرف الآن! كان القذافى وحيدا تماما فى تلك اللحظه.. لم يكن بحوزته دولارا واحدا من الميه وتلاتين مليار دولار الذين يمتلكهم.. لم يكن برفقته جندى مرتزقه واحد من تلك الدول الأفريقيه الكثيره التى هو ملك ملوكها.. لم يكن يعرف مصائر أبنائه أو أين هم بالظبط فى تلك اللحظه.. لم يكن القذافى يدرك فى تلك اللحظه سوى شيئا واحدا.. أن هناك أشخاصا يجرونه على الأرض لتختلط دمائه بالتراب.. وأن هناك شابا صغيرا ولد عندما أكمل القذافى عامه الرابع والعشرين فى الحكم يستعد الآن لإطلاق الرصاص عليه وإنهاء حياته! الشمس والتراب والدم والثوار والنهايه.. كانت تلك هى مفردات المشهد بالنسبه للقذافى.. الآن يرفعه الثوار من على الأرض ويسندونه على مقدمة السياره نصف النقل ليراه الجميع فى هيئته الجديده.. جاكتته مرفوعه حتى صدره بدون أوسمه أو نياشين أو صور تذكاريه أو خرائط لأفريقيا.. فقط وسام المصير المحتوم ونيشان الدم يحتلان موقعهما على صدره فوق موقع القلب مباشرة.. يحاول فتح فمه للتحدث.. فيسكته أحد الثوار بوضع إصبعه على فمه للدلاله على أنه.. شششششششش! ينظر القذافى حوله برعب وهلع وعدم تصديق لما يحدث.. يمسح بيده على جبهته ثم ينظر إلى الدم فى بطن يده بدهشه.. ينظر حوله باستجداء واستعطاف فلا يلمح فى العيون المحيطه به سوى ثمار ما قد زرعه على مدار 42 عاما من القمع والإستبداد.. ليس فى العيون من حوله سوى الكراهيه والغضب والرغبه فى الإنتقام.. يشده أحدهم من جاكتته المرفوعه حتى صدره من على مقدمة السياره..يرميه على الأرض ليختفى وجهه المرتعب والمندهش خلف بيادات الثوار المتحلقين من حوله وهم يهتفون الهتاف الأنسب للحظه مثل تلك.. “دم الشهداء.. ما يمشيش هباء”! كان ذلك هو المشهد الأخير الذى رأينا القذافى فيه يتحرك.. ما رأيناه بعد ذلك لم يكن سوى جسد ساكن أشقاه عقل صاحبه فغادرته الروح إحتجاجا منها على مدى شره وسيكوباتيته.. كان ذلك هو المشهد الذى اختاره القدر للقذافى لكى يودع العالم من خلاله فى إستجابه عاجله منه (اللى هو القدر) للشعب الليبى العظيم الذى قد أراد الحياه.. فمنح القدر كلاهما ما أراده.. الحياه للشعب والموت للطاغيه! يا للسيناريو.. يا للسكريبت.. يا للفن.. يا للعبره والعظه.. يا للحكمه.. هل هى مفارقه أن يولد القذافى فى سرت فى قريه إسمها “جهنم”.. ثم يقتل أيضا فى سرت ليذهب برضه إلى “جهنم”؟!.. هل هى مفارقه أن يولد القذافى فى سنة 42.. ثم عندما يتم عامه الإتنين وأربعين فى السلطه يموت مقتولا على أيدى شعبه؟!.. هل هناك علاقه بين رقم 42 وبين كون قاتله قد ولد فى عام الحكم ال 24 له ؟!.. هل هى مفارقه أن يكون تاريخ موته 20 – 10 – 2011.. ويكون تاريخ تنحى مبارك 11 – 02 – 2011.. ألا ترون تشابها فى الأرقام المكونه للتاريخين ؟! عموما.. وأيا كان.. رحم الله موتى الكوكب جميعا.. فالرحله أقصر مما نتصور بكثير.. والشيء الوحيد الذى نملكه بجد فى تلك الحياه الخدعه هو “نفسنا”.. فيا ريت ما نخسرهاش