النصيحة التى ينبغى أن يأخذ بها الفنان العربى وفى العادة لا يأخذ بها هى أن لا يتورط فى الإدلاء بأى تصريح سياسى، فهم فى العادة يضعون فى المعادلة قبل اتخاذ أى موقف مصالحهم الشخصية ومكانتهم الفنية، ولهذا يتقربون ويبايعون دائما الحاكم الذى كانوا يراهنون على أبديته، وذلك قبل أن تفاجئهم ثورات الربيع العربى وتطيح بثلاثة رؤساء جمهورية، وفى الطريق اثنان آخران. لجأ بعض النجوم إلى الخطة رقم 2 بالمراهنة على الثوار حتى يضمن لنفسه مكانا على الخريطة الفنية القادمة. أغلب النجوم المصريين فعلوا ذلك، مثلا يسرا كانت أول فنانة من جيلها تسارع بتقديم فيلم سينمائى روائى قصير ضمن الأفلام التى عُرضت تحت اسم «18 يوم» فى مهرجان كان شهر مايو الماضى فى إطار تكريم الثورة المصرية. لم تكتفِ يسرا بهذا القدر بل ذهبت إلى المهرجان وصعدت على سلم قاعة لوميير فى إطار تكريم الثورة المصرية رغم اعتراض الكثيرين لأن يسرا كانت من أقرب -إن لم تكن أقرب- النجمات إلى بيت حسنى مبارك. كانت فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة هى حلقة الوصل بين النجوم وبيت الرئيس، وكان من المعروف أن التوريث ينتظر جيوشا من النجوم والمثقفين تم إعدادها لساعة الصفر لولا أن الثورة غيرت كل الحسابات! يسرا سارعت بإعلان تأييد الثورة من خلال هذا الفيلم الذى حمل عنوان «داخلى/ خارجى» إخراج يسرى نصر الله، وهى تتابعه من مهرجان إلى آخر، ولهذا كانت أيضا الحريصة قبل أيام على تلبية دعوة مهرجان أبو ظبى لتشارك فى احتفال المهرجان بعرضه. الغريب أنها تؤكد الآن رفضها الاتجار بالثورة وتعتبر أن كل هذه الأعمال التى قُدمت عنها اتجار بها.. فقط تستثنى فيلمها باعتباره قصيرا وتستثنى دورها لأنه لم يزد على مشهدين، ولا أدرى هل الموقف السياسى يفرق بين دور أو فيلم قصير أم طويل، وإن كان هذا لم يمنعها من ترديد تلك المقولة التى صارت أكليشيه يردده أغلب النجوم وهى أن أعمالهم الفنية هى التى مهدت للثورة.. وهكذا أصبحت يسرا إحدى المواد التى أشعلت ثورة 25 يناير! الحقيقة إنها لا تدرى أين تقف ومع مَن وضد مَن، هى لا يعنيها فقط سوى أن تظل فى دائرة الضوء. أعتقد أن يسرا سارعت فى البداية بالتأييد لأنها فوجئت بأن صورتها تصدرت فى الأيام الأولى للثورة المصرية القائمة السوداء، إلا أنها بعد ذلك اكتشفت أن الناس لم تنسَ مواقفها السابقة كما أنها صارت من بين المتحولين فلم تستطع أن تكسب تعاطف أى طرف سواء الثوار والفلول! الفنانون ليس لديهم موقف سياسى، أتحدث بالطبع عن الأغلبية فى ظل نظام سياسى يفتح الباب أمام الفنان بقدر ما يقدم الفنان من ولاء وخضوع للسلطة الحاكمة. أغلب النجوم لا يعنيهم سوى أن لا يفقدوا جماهيريتهم خصوصا بعد سقوط تلك الزعامات أو ما تصوروا أنه كذلك، وعاد للشارع قوّته وقدرته على تحديد قيمة الفنان. لقد اقتربوا للحاكم طمعا فى الحفاظ على مكاسبهم، وهم مع الثورة الآن للحفاظ عليها أيضا. لو سألت أغلب النجوم فى مصر لمن تعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية القادمة فإن الإجابة المتوقعة هى «حتى الآن لم أقرأ برامج المرشحين لكى أختار بينها». الواقع أن أفكار كل المرشحين عبر برامج التوك شو صارت معروفة ومعلنة للجميع، ولكن النجم يخشى مثلا إذا أعلن حماسه لمحمد البرادعى مرشحا للرئاسة أن يخسر الجمهور الذى ربما كان مؤيدا لعمرو موسى أو العوا أو حمدين رئيسا.. هم يتعاملون مع السياسة على طريقة فريقى الكرة الأهلى والزمالك، وكان من المعروف أن النجم لا يكشف عن هويته الكروية حتى لا يفقد جمهور النادى الآخر، إلا أن الناس ليسوا سُذّجا، فلم يعودوا يصدقون النجوم فى لعبة السياسة وهم يغيرون مواقفهم حسب الرايجة. هل صدّق الناس يسرا عندما شاركت فى فيلم قصير يؤيد الثورة وظلت تتابعه من مهرجان إلى آخر؟ وهل يصدقونها الآن عندما تعلن أن الأعمال الفنية التى تناولت الثورة كانت مجرد استثمار تجارى وأن أفلامها السابقة على الثورة أشعلت الثورة؟ الفنان الساذج هو فقط الذى يتخيل أن الجمهور ساذج!