شاشة أول أيام رمضان بعد الثورة محبطة حقا.. تثير الغيظ.. تدعو للأسى.. كنت أتصورها شاشة تليق بثورة كان أكثرنا شهودا عليها، وشيع أغلبنا جثث شهدائها، لكنها خيبت الآمال! تحول كل النجوم فى اليوم الأول، لرمضان الأول بعد ثورة مصر إلى منظرين.. خبراء فى السياسة.. أساتذة فى الاقتصاد.. علماء فى النفس البشرية، وباحثين فى علم الاجتماع.. كلهم يفهمون الثورة وما يدور فى مصر وما يعتمل فى نفوس المصريين، بل إنهم يعتبرون أنفسهم سفراء الناس على الشاشات.. وبئس سفراء الجهل هؤلاء! حسبوا كل شىء فى السياسة والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع، لكنهم أبدا لم يذكروا أو يتذكروا التاريخ. تاريخ الثورات العظيمة لا يعرف المذعورين، وهو تاريخ قاسٍ وشديد الديكتاتورية مع الأغبياء الجهلة.. عباد الجلاد، الذين قامت الثورات لإقصاء جلادهم.. فى تاريخ كل الثورات لا يعترف الثوار بحرية التعبير للتافهين -دون تعال عليهم- هم فقط يتجاهلون ذعرهم ونصائحهم وقلقهم المعتاد.. الثورات تفرض قانونا صارما كى تخلق -فى ما بعد- ديمقراطية تسمح للجميع بالاستفادة منها.. قد تعطل ميدانا كميدان التحرير، كى تدير بلدا.. قد تلوث أرضا كى تنظف أدمغة ونفوسا تلوثت بشكل ممنهج طوال أعوام حكم فيها الديكتاتور بالحديد والنار.. قراءة سريعة فى التاريخ ربما تريحنا وتريحكم. وصفت الإعلامية لميس الحديدى «الفنانة» ليلى علوى بأنها جريئة وشجاعة، كونها أكدت أنها لا تؤيد محاكمة مبارك لأنه تعدى الثمانين عاما.. ردت المذيعة: كم أنت شجاعة وجريئة لإعلانك هذا الرأى يا ليلى! عفوا.. هذا الرأى ليس شجاعا، ولا هو رأى أصلا، وإنما هو هزى لفصيل يساند قاتلا ديكتاتورا، وهذه ليست جرأة وإنما تجرؤ على دم شهداء فى ربيع العمر، نبيع دمهم اليوم لنشترى رجلا هدم ماضى وحاضر ومستقبل بلد بأكمله.. لا رأى يصلح للتعاطى أصلا فى محاكمة متهم، أدلة اتهامه منظورة أمام القضاء.. السؤال نفسه باطل يهيئ للتأثير -بالتعاطف- فى قضية جان ومتهم. كيف يخرج علينا هؤلاء اليوم ليقولوا إن هذا الرجل رمز لا تجوز إهانته.. يا متربيين.. ياللى بتعرفوا الأصول وياللى عايزين تربونا وتعلمونا الأخلاق وأصول التعامل مع من كنتم مجرد خدم له.. ليس كل الناس خدم مثلكم.. أنتم فنانون وعلى الرؤوس.. تحدثوا فى الفن كيفما شئتم، وارفضوا تماما استدراجكم للحديث فى السياسة.. التاريخ لن يرحمكم.. فلا تنطقوا بكلمة تخذل جمهوركم إلا بعد حسابات كثيرة ومراجعات نفسية نرجو أن تكون قاسية جدا