كان مشهد رجال الجيش فى الميدان رائعا، ففى وسط أجواء مملوءة بالترقب والقلق والبلطجة، كان كل من يشاهد رجال القوات المسلحة فى الميدان يكتشف أننا أمام مصر الحقيقية.. مصر التى لا يمكن أن ترضى أن يذل أبناؤها وتنخفض هاماتهم، ومع أن الأسئلة الحائرة كانت موجودة بكثرة وكان أهما: هل يمكن أن نرى الجيش وهو يوجه أسلحته للشعب فى الميدان لنشاهد مجزرة آدمية؟ كانت الإجابة الخارجة من البسطاء فى الميدان ومن ربوع مصر كلها أنه لا يمكن أن يحدث ذلك، لأن هؤلاء البسطاء كانوا وما زالوا بداخلهم ميراث قوى يؤكد أن الجيش المصرى مثال نادر للوطنية المحترمة على مر الزمان، لذلك لا يمكن أن يوجه سهامه إلى شعبه لسبب بسيط أنه ملك لهذا الشعب حام دياره مدافع عن عرضه وماله وأرضه.. ومع تطور الأحداث كانت كل المؤشرات تؤكد ذلك.. اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدون مبارك والإعلان الفورى من الجيش بأنه مع طلبات الثورة ويقدرها ويقدر مشروعيتها.. مشاهد الضباط الكبار والصغار ابتداء من المشير لأصغر جندى تؤكد أن الجيش خادم للشعب وملب طلباته ويحترم ثورته وأنه انحاز انحيازا كاملا للناس وللثورة ولنتذكر معا نزول المشير إلى الميدان ومقابلاته مع الناس وحديثه الودى معهم وكان ذلك المشهد يؤكد العلاقة بين الشعب والجيش، لأن نزول المشير للميدان واحتفاءه بالناس واحتفاء الناس به كان دليلا قويا على متانة العلاقة بين الجماهير والجيش، وسقط مبارك فى يوم مبارك، وحمل جماهير الثورة طلباتها على أكتافهم ليقدموها للجيش وهم آملون فى أن يحققها لهم. البدايات لم تكن سيئة، بل كانت دافئة عندما ظهر لنا بعض قيادات القوات المسلحة على شاشات الفضائيات ليتحدثوا عن الثورة والمرحلة المقبلة تحسسنا جميعا فى وجوههم وآرائهم روح ثورة يناير العظيمة. كانت أحاديث القادة ممدوح شاهين ومحمد العصار ومختار الملا تشع وثوقا من الثورة وتؤكد تحقيق الأهداف ومع الاجتماعات المنفتحة التى اجتمع فيها أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع رموز المجتمع المصرى من جميع الطبقات كان الأمل يعلو ويعلو، ليؤكد أن مستقبل الثورة ليس فى خطر، فالقادة يستمعون بإنصات إلى الجميع مؤكدين أنهم يدرسون كل شىء بعناية وسوف ينطلقون... لكن بعد فترة اكتشف الجميع أنهم يستمعون بإنصات ويتفهمون ما يقال لكن رد الفعل بطىء، وفى بعض الأوقات لا يوجد رد فعل أصلا، وتطورت الأحداث وانتشرت شوائب كثيرة فى العلاقة بين القادة والثوار، لأن الطلبات لم تحسم والجميع يتساءل: ما الأسباب؟! هل لأن القادة فعلا لا يؤمنون بالثورة وفرضت عليهم الثورة والحكم؟ لماذا لم تكن محاكمات رموز الحكم السابق سريعة؟ لماذا يحاكمون الثوار أمام القضاء العسكرى والرئيس وأعوانه أمام القضاء المدنى؟ لماذا مبارك فى شرم الشيخ وليس فى ليمان طرة؟ هل يمكن أن نقول إن العلاقة بين الثوار والجيش وصلت إلى حد سيئ لا يمكن الرجوع عنه؟ بماذا نفسر أن يخرج اللواء الروينى على شاشة التليفزيون ليلقى الاتهامات على شباب من أشرف وأنقى شباب مصر، وهم شباب 6 أبريل وهم من أهم الحركات الوطنية السياسية التى قادت ومهدت لثورة 25 يناير؟ من الغريب أن اللواء الروينى اتهمهم بالعمالة وجلب الأموال من الخارج، ومن الأغرب أن يتهم الروينى أشرف من فى مصر من رجال ونساء وشباب قادوا الحركة الوطنية المصرية فى أصعب الأوقات وهم أعضاء حركة كفاية يتهمهم فى انتمائهم الوطنى لنصل بعد تلك الاتهامات لأسوأ أحداث رأتها مصر بعد أحداث موقعة الجمل، وهى أحداث العباسية التى كان وقودها اتهامات اللواء الروينى لحركة 6 أبريل بالعمالة وحملها قنابل مولوتوف وسنجا وهى تخرج فى مسيرة لمقر المجلس الأعلى. بالطبع نحن لسنا مع الذهاب بمسيرات لمقرات الجيش، لكننا أيضا لسنا مع اتهام الناس فى وطنيتهم بدون سند، هل الشرخ بين الثوار والمجلس وصل للحد الذى يهدد بانهيار العلاقة؟ لا بد أن نتساءل: ماذا حدث وماذا جرى؟ هل هؤلاء هم القادة الذين تعاملنا معهم فى أول الثورة؟ وهل فعلا ما يقال إن بعض القادة لا يؤمنون بالثورة؟ إننا أمام فترة عصيبة تنذر بعواقب وخيمة ولا يمكن لأحد أن يشكك فى وطنية القادة العسكريين ولا الثوار العظماء الذين قدموا أشرف ثورة فى العالم. على العموم الأبواب فتحت والأفواه انطلق منها الصراخ، ومن الصعب والمستحيل أن يكبح أحد جماح تلك الثورة، إننا نحلم برجوع الجيش لثكناته مرة أخرى ونحلم باحتفال مهيب بشارع يشارك فيه الشعب المصرى فى جميع المحافظات والميادين، احتفالا يملؤه الحب والاحترام للجيش، وتخرج من خلال الميادين الطوابير العسكرية وخصوصا من ميدان التحرير فى وجود القائد الأعلى ورفاقه من المجلس الأعلى وهم يلوحون من أعلى سياراتهم المكشوفة للجماهير المصرية التى ترفع الزهور والورود لتفرح مصر فرحة الانتصار ويغنى الناس وتزغرد النساء من شرفات المنازل والشوارع لنقول جميعا للجيش «ألف شكر».