يا سلام! ما حدث فى ماسبيرو سيمر هكذا؟ مؤتمر صحفى يقدم رواية كارتونية عن الأحداث، ثم اعتذارات ومقابلات مع شخصيات كنسية، ثم يبقى كل شىء على ما هو عليه؟ سيبقى مسيحيو مصر يحملون الغصة فى قلوبهم، والمصريون المحبون يشعرون بالعجز، والمتعصبون الذين قبلوا من السلطة روايتها فرحين بتعصبهم وغبائهم ومعتقدين أنه الحق الزلال، فى انتظار الجولة القادمة؟ حتى الوزير الفاشل المحدود لإعلامنا الكذاب المتعصب لن يستقيل؟ نعم، ما دام لدينا سياسيون يفتقدون إلى الحد الأدنى من الحس السياسى، ولا يدركون أن الكلام المرسل الذى تعودوا عليه فى الزيارات العائلية وقعدات المصاطب لا يعنى فى السياسة شيئا. السياسة إجراءات. صعبة دى؟ السياسة إجراءات. لو خرج ممثلو السلطة وبكوا على شاشات التليفزيون فإن هذا لن يعنى شيئا ما دام لم يعلنوا إجراءات واضحة وصريحة تشى بأنهم فهموا ما حدث، فما بالك وهم حتى لم يعتذروا، بل قدموا إلينا هذه الرواية المضحكة المبكية؟ نعم، ما دام لدينا سياسيون فاشلون حتى فى ممارسة الانتهازية السياسية. الدنيويون منهم دنيئو النفس، يرون الفتات وليمة. والأخرويون منهم لا يرون قبل القبر مستقبلا، ولا ينظرون إلى أبعد من مواطئ أقدامهم. ليس لديهم من رصيد أخلاقى اجتماعى يطرحونه على جمهورهم، بل إنهم فرحون بأنهم أقرب إلى مواطن اليوم، يريدونه أن يظل على صورته إلى غد وبعد غد. «التسامح» عندهم يعنى معاملة المسيحيين كأنهم ضيوف، يلتزم المسلمون معهم بكرم الضيافة فى حده الأدنى (مطرح مبيت وغطا) ويلتزم المسيحيون بحدود الضيافة، ويجب أن يقدموا الشكر عليها ليل نهار. أما «المواطنة» فكلمة ليست فى قاموسهم. نعم، ما دام لدينا حكومة من البصمجية، لا تدرك اللحظة التاريخية التى نالت فيها الثقة لقيادة مصر إلى مستقبل جديد. ولا تدرك أن ما حدث فى ماسبيرو تحت أنظارها لا يختلف كثيرا عما حدث يوم موقعة الجمل تحت أنظار سابقتها، بل إنه أسوأ. فى يوم موقعة الجمل استحيت السلطة من أن تبدو فى موقع المنفذ، وتوارت خلف جيوش البلطجية، واستحيت القيادة العسكرية من المشاركة الفعلية فى المخطط، فاكتفت بعدم اعتراض البلطجية. أما فى ماسبيرو، فقد سقط قناع الخجل عن الجميع، سلطة وحكومة وإعلاما. نعم، ما دام نسيت قوى الثورة أنها بعد معركة الجمل أصرت على مطلبها، وكانت مستعدة لدفع أرواحها ثمنا له. بينما الآن تبدو كمن يستجدى ما يجود به الكريم. وليست هكذا روح الثورة، ولا ينبغى أن تكون. وليس هكذا تدار «الثورات»، ولا ينبغى أن يكون. نعم، ما دام قررت بعض «قوى الثورة» -الإسلامية خصوصا- أن تلعب الدور الذى لعبه «المواطنون الشرفاء» يوم معركة الجمل، واستخدمت نفس التعبيرات: «الوقت مش مناسب»، «ما الراجل وعد إنه هيسيب السلطة بعد ست شهور» ما أقصر ذاكرة الإنسان! ما أسرع نسيانه! نعم، ما دام سلم مسيحيو مصر أمرهم لنفس التربيطات، والتطييبات القديمة، واكتفوا بتخزين الشعور بالاضطهاد فى قلوبهم، والانسحاب مرة أخرى إلى موقع طلاب المنح الدراسية الصامتين أبدا، حتى لا تسحب الجامعة «فضلها»، ولم يعزموا على أن تكون معركتهم جزءا من معركة مصر كلها للعبور إلى مستقبل يحترم فيه المواطن ويعامل بمساواة وعدل وإنصاف. نعم، ما دام رضى قطاع كبير من مسلمى مصر أن يشوهوا دينهم إرضاء لنزعة التعصب والانتصار الكاذب على إخوتهم فى الوطن، ولم يستحيوا من التشفى فى من قتل، ولم يبالوا بتغييب العدل الذى قامت عليه حضارة الدين الذى ينتسبون إليه. لا يدركون أنهم لو صدقوا يجعلون الانتساب إلى دينهم عارا على ذوى الضمائر اليقظة والقلوب المحبة للإنسان. ولا سيما أن نفس هذا القطاع هو الذى يتظاهر إن منعت فتاة من دخول مدرسة بالحجاب فى فرنسا، أو كتب فتى جملة عنصرية على حائط مسجد فى هولندا. مفارقة واضحة، أليس كذلك؟ بلى، ولكن لذوى البصائر فقط: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور». نعم، ما دمنا مصرين على الخلط بين مطالبة مواطنين بحقوق أساسية واعتداء السلطة عليهم بالقتل وبين «الفتنة الطائفية». فانتبهوا يرحمكم الله!