الثلاثاء المقبل سوف تحسم نتيجة انتخابات نقابة الموسيقيين. المؤشرات تؤكد فوز إيمان البحر درويش بالمقعد نقيبا لأن الفارق شاسع بينه وبين المرشح المنافس محمد الحلو.. أهم ما أسفرت عنه الانتخابات هو إزاحة منير الوسيمى عن مقعد النقيب، مما يؤكد أن الثورة بالفعل قد مرت على نقابة الموسيقيين بينما لم تمر حتى كتابة هذه السطور على نقابة السينمائيين، لأن الأغلبية من السينمائيين منحوا ثقتهم لواحد من ألد أعداء ثورة يناير.. ما حدث فى نقابة الموسيقيين يبشر ببعض الأمل.. بالتأكيد لا يمكن اعتبار إيمان البحر درويش صوتا محسوبا على النظام البائد، ولكن أيضا وبنفس الدرجة لا يمكن أن نقول إن إيمان كان صوتا معارضا للنظام.. إنه مثل الأغلبية من المطربين لم يسمع لهم صوت سوى فى الغناء.. وعلى الرغم من سعادتى لأنه الأقرب الآن لمقعد النقيب وتفهمى أيضا لقناعاته الفكرية، فإننى أخشى أن نصبح بصدد نقابة ترتدى النقاب لو أن إيمان لم يلتزم بالخط الفاصل بين الفنان إيمان والنقيب إيمان!! قبل بضع سنوات أعلن إيمان أنه يفكر جديا فى تقديم أغنيات بلا موسيقى، لأنها من وجهة نظر المتزمتين محرمة، حتى أنه فى منتصف التسعينيات توقف تماما عن ممارسة الغناء لأنه كان يعيش فى مرحلة ضبابية لم يكن يدرى الغناء حلالا أم حراما، ثم عاد ببعض أغنيات لا أنكر جمالها وتفردها مثل «نفسى» و«دار الزمان بينا» و«أذِّن يا بلال» وغيرها إلا أنه يقدم دائما فنا متحفظا، وكان يحرص على إلغاء العنصر النسائى تماما من أغانى الفيديو كليب، وبالطبع لا يعنى ذلك أن وجود امرأة فى شريط الفيديو حتمى، إلا أننى أرى أن الحرص على إلغاء المرأة تماما مثل إقحامها دون منطق خطأ فى الحالتين.. إيمان له مقولة شهيرة فى إباحة الغناء للمرأة استنادا إلى الإمام الغزالى بأنه يوافق على أن يستمع إلى أم كلثوم وهى تغنى «أنا الشعب»، لكنه لا يستمع إلى عبد الوهاب وهو يردد «ليلنا خمر».. وعلى الرغم من أن الأمر لا يستقيم على هذا النحو، لأن عبد الوهاب يصف الليل ولا يصف عبد الوهاب، فإننى لا أصادر حقه فى اختيار ما يحلو له من الغناء سواء غناه هو أو استمع إليه، ولكن لا يجوز أن نجد هذه القناعات تمتد لتشمل كل الأطياف الغنائية فى مصر.. على النقيب القادم أن يفتح الباب لكل المواهب ويهيئ المناخ الصحى للإبداع ويواجه الإسفاف، إلا أن عليه أن لا يحاكم الفن دينيا.. كانت أحكام إيمان الفنية فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة تلمح فيها دائما إلى أن «الترمومتر» الدينى هو الذى يسيطر عليه.. الفن لا يتعارض مع الأديان ولا مع قيم الفضيلة إلا أنه أيضا لا يقيم دينيا.. ولو سألت رجال الدين عن قصيدة أبو القاسم الشابى «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» فسوف يحرمونها ويمنعونها من التداول، لأنها تتعارض من وجهة نظر مباشرة مع الدين، فلا أحد يتحدى القدر.. لن تستطيع الرؤية الدينية المطلقة أن تتوافق مع المعنى العميق لبيت الشعر الذى كان الدافع الأول لشعوبنا العربية، كى تتحرر لأنها تحدت أقدارها.. أنا سعيد بأن ينتصر إيمان وتتم إزاحة الوسيمى، ولكن أتمنى بنفس القدر أن لا أرى نقابة الموسيقيين فى بلادى ترتدى النقاب!!