الرئيس السيسي يوجه بالتحقيق في مخالفات انتخابات مجلس النواب    الاثنين 17 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    مصر وتشاد تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات الكهرباء    وزير الخارجية يبحث سبل دعم جهود الوصول لتسوية شاملة للأزمة السودانية    إعلام فرنسي عن الرئيس الأوكراني: كييف ستطلب الحصول على 100 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز "رافال"    الأهلي يستعيد قوته الضاربة الأربعاء استعدادًا لشبيبة القبائل    معتدل الحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس    اندلاع حريق بمكتب بريد في الشيخ زايد بسبب ماس كهربائي    سيارة مجهولة تدهس مزارع بالبساتين    القضاء على عصابة سرقة المواطنين بالإكراه بسوهاج.. وإصابة ضابط شرطة    اليوم... العرض العالمي الأول ل "ثريا حبي" ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    انطلاق جائزة القراءة الكبرى لمكتبة الإسكندرية    ضبط شبكة بث تلفزيوني بدون ترخيص بالدقهلية    البوكليت للإعدادية، تعليم بني سويف تستعد لامتحانات الفصل الدراسي الأول    هيئة البث الاسرائيلية: 100 من مقاتلي الحركة المحاصرين بأنفاق رفح يرفضون الاستسلام    فى ودية كاب فيردى .. عمر مرموش يقود التشكيل المتوقع لمنتخب مصر الليلة    التأمين الصحي: إضافة 25 نوعا حديثا من أدوية السرطان لبروتوكولات العلاج المجانية    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والمنيا    الصحة تطلق برنامج «قادة الأزمات والكوارث» بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    الجيش السودانى يستعيد السيطرة على مدينة بارا بولاية شمال كردفان    الاثنين 17 نوفمبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    ضبط 137 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أزواج وقتلة.. سيدة الإسكندرية تنهي حياة شريك حياتها داخل غرفة النوم.. عروس كفر الشيخ من شهر العسل إلى المشرحة.. الإدمان والشك يقودان أسرة للمجهول بالدقهلية.. وخبراء: هذه الجرائم تحتاج إلى معالجة شاملة    توفير 1000حاوية مجهزة خصيصا لجمع المخلفات بسيناء    مدرب نيجيريا يتهم الكونغو الديمقراطية بأستخدام «السحر» خلال ركلات الترجيح    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    أمير سعيود يغيب عن مواجهة منتخب مصر الثاني    جامعة حلوان تنظم ورش فنية دامجة لاكتشاف مواهب الطلاب من ذوي الهمم    أسعار الذهب في مصر اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025    أبو الغيط: القمة الصينية العربية الثانية علامة فارقة في الشراكة الاستراتيجية مع الصين    كلية دار العلوم تنظم ندوة بعنوان: "المتحف المصري الكبير: الخطاب والمخاطِب"    توم كروز يتسلم جائزة الأوسكار الفخرية بخطاب مؤثر (فيديو)    نجمات فضلن الهدوء على الزفة: زيجات سرية بعيدا عن الأضواء    وزير الري يتابع تنفيذ مشروع إنشاء قاعدة معرفية للمنشآت الهيدروليكية فى مصر    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل جديدة بقطاع الإنشاءات والبناء بالأردن..اعرف التفاصيل    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    جامعة الإسكندرية توقع بروتوكول تعاون لتجهيز وحدة رعاية مركزة بمستشفى المواساة الجامعي    التخصيب المتعدد الأبوى.. برازيلية تلد توأما من أبوين مختلفين    لمواجهة الصعوبة في النوم.. الموسيقى المثالية للتغلب على الأرق    مسؤول بحرس الحدود يشيد باعتقال مهاجرين في كارولينا الشمالية رغم اعتراضات محلية    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    بعد صلاة الفجر.. كلمات تفتح لك أبواب الرحمة والسكينة    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    رئيس شعبة الذهب: البنك المركزي اشترى 1.8مليون طن في 2025    ياسمينا العبد: شخصيتي في ميدتيرم هي الأصعب.. مركبة من عدة شخصيات في آن واحد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 17 نوفمبر 2025    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    #جزيرة_الوراق تتصدر مع تحوّلها لثكنة عسكرية .. ودعوات للتصدي بالثبات في الأرض    تريزيجيه: فضلت منتخب مصر على أستون فيلا.. والقرار أنهى رحلتي في إنجلترا    الدفاع الجوي الروسي يسقط 31 مسيرة أوكرانية خلال ساعات    عاجل- الفصائل الفلسطينية تؤكد شروطها تجاه أي قوة دولية محتملة في قطاع غزة    أوروبا تعلن أوائل المتأهلين إلى مونديال 2026 وتكشف ملامح الملحق الأوروبي    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني: "أنا غلطت وحقك عليا.. بحبك"    أحمد صالح: محمد صبري كان موهوبًا ويرفض المجاملة والواسطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طين الطريق
نشر في التحرير يوم 14 - 10 - 2011

ليل مظلم.. سماء قاتمة وملبدة بالغيوم.. أمطار تنهمر بدون توقف.. شوارع خالية من المارة.. أصوات كلاب تنبح فى خلفية المشهد البعيدة.. شبابيك مغلقة تنبعث من خلف الشيش بتاعها إضاءات خافتة وباهتة.. أرضية «مزليقة» تماما بسبب انتمائها إلى منطقة عشوائية وغير مسفلتة من تلك المناطق الممتلئة بالحوارى المتداخلة والمتقاطعة والتى إذا أمطرت السماء فيها لمدة ربع ساعة تحولت إلى بركة طين كبيرة.. بنى آدم عنده 12 سنة – دا اللى هو أنا – ينظر من خلف زجاج شباك غرفة صديقه ثم فى ساعة الحائط ثم يتخذ قراره.. «أنا حامشى.. سلام».. يتوقف ممسكا بكتاب «المعاصر» فى «الرياضيات».. ينصحه صديقه.. «يا بنى استنى لما تبطل مطرة».. فينظر له البنى آدم اللى عنده 12 سنة – اللى هو أنا – نظرة ثاقبة.. يلقى بعدها بتساؤله الحاسم والحاد والقاطع والذى يحتوى على إجابته بداخله.. «ولو مابطلتش»؟.. ويعقبه باتجاهه ناحية باب الأوضة.. ويفتحه متجها إلى باب الشقة.. تلك كانت مفردات الموقف فى تلك الليلة الليلاء.. تلك كانت بداية المغامرة.
قد لا يكون من المنطق الخروج إلى الشارع فى جو مزفت مثل هذا الجو.. ولكن الانتظار أيضا ليس من المنطق فى شيء.. على أساس أن الأمطار قد تتوقف وقد لا تتوقف.. وكل ما سيكسبه المرء من جراء انتظار توقف الأمطار.. هو زيادة كتلة العجين الطينية التى سوف يكون عليه أن يعبر من خلالها حتى يخرج للشارع الرئيسى المتسفلت.. لهذا.. وطالما كده كده حامشى.. إذن.. فلأمشى الآن.. قبل أن تتدهول الشوارع أكثر.. تلك كانت خلفية تفكيرى أثناء اتخاذ قرارى بالمرواح رغم الجو اللى زى الزفت فى تلك الليلة الليلاء.
وقفت أمام باب العمارة لأرى أى الطرق أخف وطأة على مستوى الطين والزلق لأسلكها.. أمامى ثلاثة طرق.. أعرف واحدا منهم فقط.. هو الذى أتيت منه.. وتقريبا هو أطولهم.. لهذا.. اتخذت قرارى الحاسم بضرورة تجربة أحد الطريقين الآخرين على سبيل «التخريمة» و»اختصار الطريق».. وعلى أساس أنى أعرف جيدا طبقة الطين التى ينبغى عليّ أن أعبر خلالها من الطريق الذى أعرفه.. إذن..وطالما طين بطين.. تبقى مش فارقة كتير.. والتخريمة من طريق قد يكون مختصرا مش حتضر فى حاجة.. وهكذا اكتشفت أنه لا يختلف عن الطريق الذى أعرفه.. الحوارى المتقاطعة نفسها.. الطين نفسه.. صوت نباح الكلاب القادم من بعيد نفسه.. الاختلاف الوحيد أننى لم أصل فى الطريق الجديد إلى أى نهاية.. لمت نفسى.. وقررت الرجوع مرة أخرى لأسلك الطريق الذى أعرفه.. إنحنيت مع الحوارى المتقاطعة فى طريق الرجوع.. ولكننى لم أصل إلى منزل صديقى.. لاحظت أننى أعبر من الحوارى نفسها أكثر من مرة.. ثم اكتشفت إنى بالف وأدور حوالين نفسى.. ثم أيقنت فى النهاية أنى.. قد تُهت!مع الوقت بدأت قدماى تعتادان على السير فى طبقة الطين الكثيفة.. وبدأ جسمى يعتاد على الأمطار المنهمرة فوق دماغه.. لم يكن هناك أحد لأسأله.. لهذا.. لم يكن أمامى سوى مواصلة السير حتى أخرج للطريق الأسفلت.. واصلت السير حتيوجدت نفسى فجأة أمام مساحة شاسعة من الأرض الخلا الموحشة.. الآن.. الرؤية باتت أوضح.. الآن أستطيع أن أرى أضواء السيارات من بعيد على الطريق الأسفلت.. نظرت إلى الأرض من أمامى.. كانت طبقة الطين والزلق أضعافا مضاعفة وبدون أى جوانب للطريق أستطيع أن أعبر من عليها.. نظرت إلى الوراء.. إلى الشارع الذى خرجت منه.. وتساءلت بينى وبين نفسى.. هل أعود وأحاول مرة أخرى مع احتمال إنى أفضل ألف وأدور حوالين نفسى.. أم اخترق كل ذلك الطين وكل تلك الأرض الخلا الموحشة وأصل إلى الطريق الأسفلت الذى أراه أمامى على البعد بالفعل؟.. وبعد حوالى دقيقة من التفكير.. كنت قد اتخذت القرار.. وكنت قد بدأت أغوص بقدمى فى طبقة الطين الكثيفة.. تحت الأمطار الغزيرة.. عبر الأرض الخلا الموحشة.. متجها نحو أضواء السيارات البعيدة.. على الطريق!
عشت تلك الليله منذ حوالى ربع قرن وكتبتها منذ حوالى أربع سنوات وعادت لتسيطر على تفكيرى مع مذبحة ماسبيرو واستقرت تماما بجميع تفاصيلها فى مخيلتى عقب مشاهدة المؤتمر الصحفى الذى عقده المجلس العسكرى يوم الأربعاء الماضى لكى يخبرنا أنه كحاكم شرعى للبلاد ما يعرفش أى حاجه عن اللى حصل فى البلاد زينا بالظبط وهو ما يؤكد على أنه بالفعل الجيش والشعب إيد واحده فيما يخص عدم المعرفه ! عزيزى الشعب.. ها هى أضواء الطريق الذى نرجوه تلوح لنا من على البعد.. أى نعم أمامنا طبقه كثيفه من الطين الزلق التى ينبغى علينا أن نتخطاها أولا.. إلا أننا بعد أن نتخطاها ونصل للطريق بالفعل.. سوف ننظر وراءنا إلى ما قد تجاوزناه وكنا نظن أننا لن نتجاوزه.. وساعتها حنموت منالضحك.. مش من الرصاص أو الدهس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.