تنسيق المرحلة الأولى 2025.. أمكان الحصول على خدمة التنسيق الإلكترونى    أمين "مستقبل وطن" بأسيوط يُهدد في مؤتمر جماهيري: "إحنا دولة مش حزب واللي هيقف ضدنا مالوش حاجة عند الدولة"    تنسيق الجامعات 2025.. "التعليم العالي" تعلن القوائم المُحدثة للمؤسسات المُعتمدة    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    مصر ترحب بإعلان الرئيس الفرنسي اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية    "حماس" و"الجهاد الإسلامي": نحرص على مواصلة المفاوضات للتوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار    مدير الوكالة الدولية الذرية: على إيران أن تكون شفافة بشأن منشآتها النووية    تسجل 44 درجة.. بيان مهم يحذر من ذروة الموجة شديدة الحرارة وموعد انكسارها    القبض على شاب أنهى حياة والده بسبب خلافات أسرية بالمنيا    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    منة عدلي القيعي تروي معاناتها مع المرض خلال تحضيرات زفافها (فيديو)    إصابة عضو بلدية الضهيرة بجنوب لبنان بإطلاق نار إسرائيلي    ريبيرو يحاضر لاعبي الأهلي قبل مباراة البنزرتي    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    عبد الحميد معالي ينضم لمعسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    سعر الذهب يرتفع 10 جنيهات اليوم الجمعة وعيار 21 يسجل 4630 جنيها للجرام    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حفر 3 آبار لتوفير المياه لري الأراضي الزراعية بقرية مير الجديدة في أسيوط    تنفيذ 85 ألف حكم قضائي وضبط 318 قضية مخدرات خلال 24 ساعة    بعد تكرار الحوادث.. الجيزة تتحرك ضد الإسكوتر الكهربائي للأطفال: يُهدد أمن وسلامة المجتمع    الداخلية تنفي شائعات الاحتجاجات داخل مراكز الإصلاح والتأهيل    مصرع عنصر شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع القوات بأسيوط    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مهرجان «ليالينا في العلمين» بمشاركة واسعة من قطاعات «الثقافة»    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    عرض أفلام تسجيلية وندوة ثقافية بنادي سينما أوبرا دمنهور ضمن فعاليات تراثك ميراثك    شقيقة مسلم: «معمله سحر.. واتجوز مراته غصب عننا»    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    «إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    «التأمين الشامل» توقع عقد اتفاق تقديم خدمات مع كيانات طبية بالإسكندرية (تفاصيل)    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    في عمر ال76.. سيدة أسوانية تمحو أميتها وتقرأ القرآن لأول مرة (فيديو وصور)    مسئولو جهاز العاشر من رمضان يتفقدون تنفيذ مدرسة النيل الدولية وامتداد الموقف الإقليمي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    أسعار البيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    لتنمية وعي الإنسان.. جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا حول الذكاء العاطفي    رونالدو يصل معسكر النصر في النمسا    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    «100 يوم صحة» تقدم 14 مليونا و556 ألف خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    طريقة عمل بلح الشام، باحترافية شديدة وبأقل التكاليف    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طين الطريق
نشر في التحرير يوم 14 - 10 - 2011

ليل مظلم.. سماء قاتمة وملبدة بالغيوم.. أمطار تنهمر بدون توقف.. شوارع خالية من المارة.. أصوات كلاب تنبح فى خلفية المشهد البعيدة.. شبابيك مغلقة تنبعث من خلف الشيش بتاعها إضاءات خافتة وباهتة.. أرضية «مزليقة» تماما بسبب انتمائها إلى منطقة عشوائية وغير مسفلتة من تلك المناطق الممتلئة بالحوارى المتداخلة والمتقاطعة والتى إذا أمطرت السماء فيها لمدة ربع ساعة تحولت إلى بركة طين كبيرة.. بنى آدم عنده 12 سنة – دا اللى هو أنا – ينظر من خلف زجاج شباك غرفة صديقه ثم فى ساعة الحائط ثم يتخذ قراره.. «أنا حامشى.. سلام».. يتوقف ممسكا بكتاب «المعاصر» فى «الرياضيات».. ينصحه صديقه.. «يا بنى استنى لما تبطل مطرة».. فينظر له البنى آدم اللى عنده 12 سنة – اللى هو أنا – نظرة ثاقبة.. يلقى بعدها بتساؤله الحاسم والحاد والقاطع والذى يحتوى على إجابته بداخله.. «ولو مابطلتش»؟.. ويعقبه باتجاهه ناحية باب الأوضة.. ويفتحه متجها إلى باب الشقة.. تلك كانت مفردات الموقف فى تلك الليلة الليلاء.. تلك كانت بداية المغامرة.
قد لا يكون من المنطق الخروج إلى الشارع فى جو مزفت مثل هذا الجو.. ولكن الانتظار أيضا ليس من المنطق فى شيء.. على أساس أن الأمطار قد تتوقف وقد لا تتوقف.. وكل ما سيكسبه المرء من جراء انتظار توقف الأمطار.. هو زيادة كتلة العجين الطينية التى سوف يكون عليه أن يعبر من خلالها حتى يخرج للشارع الرئيسى المتسفلت.. لهذا.. وطالما كده كده حامشى.. إذن.. فلأمشى الآن.. قبل أن تتدهول الشوارع أكثر.. تلك كانت خلفية تفكيرى أثناء اتخاذ قرارى بالمرواح رغم الجو اللى زى الزفت فى تلك الليلة الليلاء.
وقفت أمام باب العمارة لأرى أى الطرق أخف وطأة على مستوى الطين والزلق لأسلكها.. أمامى ثلاثة طرق.. أعرف واحدا منهم فقط.. هو الذى أتيت منه.. وتقريبا هو أطولهم.. لهذا.. اتخذت قرارى الحاسم بضرورة تجربة أحد الطريقين الآخرين على سبيل «التخريمة» و»اختصار الطريق».. وعلى أساس أنى أعرف جيدا طبقة الطين التى ينبغى عليّ أن أعبر خلالها من الطريق الذى أعرفه.. إذن..وطالما طين بطين.. تبقى مش فارقة كتير.. والتخريمة من طريق قد يكون مختصرا مش حتضر فى حاجة.. وهكذا اكتشفت أنه لا يختلف عن الطريق الذى أعرفه.. الحوارى المتقاطعة نفسها.. الطين نفسه.. صوت نباح الكلاب القادم من بعيد نفسه.. الاختلاف الوحيد أننى لم أصل فى الطريق الجديد إلى أى نهاية.. لمت نفسى.. وقررت الرجوع مرة أخرى لأسلك الطريق الذى أعرفه.. إنحنيت مع الحوارى المتقاطعة فى طريق الرجوع.. ولكننى لم أصل إلى منزل صديقى.. لاحظت أننى أعبر من الحوارى نفسها أكثر من مرة.. ثم اكتشفت إنى بالف وأدور حوالين نفسى.. ثم أيقنت فى النهاية أنى.. قد تُهت!مع الوقت بدأت قدماى تعتادان على السير فى طبقة الطين الكثيفة.. وبدأ جسمى يعتاد على الأمطار المنهمرة فوق دماغه.. لم يكن هناك أحد لأسأله.. لهذا.. لم يكن أمامى سوى مواصلة السير حتى أخرج للطريق الأسفلت.. واصلت السير حتيوجدت نفسى فجأة أمام مساحة شاسعة من الأرض الخلا الموحشة.. الآن.. الرؤية باتت أوضح.. الآن أستطيع أن أرى أضواء السيارات من بعيد على الطريق الأسفلت.. نظرت إلى الأرض من أمامى.. كانت طبقة الطين والزلق أضعافا مضاعفة وبدون أى جوانب للطريق أستطيع أن أعبر من عليها.. نظرت إلى الوراء.. إلى الشارع الذى خرجت منه.. وتساءلت بينى وبين نفسى.. هل أعود وأحاول مرة أخرى مع احتمال إنى أفضل ألف وأدور حوالين نفسى.. أم اخترق كل ذلك الطين وكل تلك الأرض الخلا الموحشة وأصل إلى الطريق الأسفلت الذى أراه أمامى على البعد بالفعل؟.. وبعد حوالى دقيقة من التفكير.. كنت قد اتخذت القرار.. وكنت قد بدأت أغوص بقدمى فى طبقة الطين الكثيفة.. تحت الأمطار الغزيرة.. عبر الأرض الخلا الموحشة.. متجها نحو أضواء السيارات البعيدة.. على الطريق!
عشت تلك الليله منذ حوالى ربع قرن وكتبتها منذ حوالى أربع سنوات وعادت لتسيطر على تفكيرى مع مذبحة ماسبيرو واستقرت تماما بجميع تفاصيلها فى مخيلتى عقب مشاهدة المؤتمر الصحفى الذى عقده المجلس العسكرى يوم الأربعاء الماضى لكى يخبرنا أنه كحاكم شرعى للبلاد ما يعرفش أى حاجه عن اللى حصل فى البلاد زينا بالظبط وهو ما يؤكد على أنه بالفعل الجيش والشعب إيد واحده فيما يخص عدم المعرفه ! عزيزى الشعب.. ها هى أضواء الطريق الذى نرجوه تلوح لنا من على البعد.. أى نعم أمامنا طبقه كثيفه من الطين الزلق التى ينبغى علينا أن نتخطاها أولا.. إلا أننا بعد أن نتخطاها ونصل للطريق بالفعل.. سوف ننظر وراءنا إلى ما قد تجاوزناه وكنا نظن أننا لن نتجاوزه.. وساعتها حنموت منالضحك.. مش من الرصاص أو الدهس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.