ارتفاع أسعار الجملة في اليابان بنسبة 0.7% خلال الشهر الماضي    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى "مشعر منى" الجمعة لبدء مناسكهم    مسؤولون إسرائيليون يعتبرون رد حماس على مقترح صفقة التبادل ووقف إطلاق النار سلبيا    مات كما يتمنى.. وفاة ثلاثيني بكفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 112 يونيو 2024    الأصعب لم يأت بعد.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة اليوم    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    هل يشترط صيام يوم عرفة بصوم ما قبله من أيام.. الإفتاء توضح    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    جدول مباريات اليوم الأربعاء.. الجولة الرابعة من الدورة الرباعية المؤهلة إلى الدوري المصري    هل توقفت المصانع عن إنتاج الذهب عيار 14؟ رئيس الشعبة يوضح    محاكمة عصام صاصا في اتهامه بتعاطي المخدرات ودهس عامل.. اليوم    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    ET بالعربي: "خطوبة شيرين عبد الوهاب على رجل أعمال.. وحسام حبيب يهنئها    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بزيادة الطلب    الجيش الأمريكي: تدمير منصتي إطلاق صواريخ للحوثيين في اليمن    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان الاقتصاد والإحصاء.. اليوم    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    عاجل- أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الأربعاء 12-6-2024    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    شولتس ينتقد مقاطعة البديل وتحالف سارا فاجنكنشت لكلمة زيلينسكي في البرلمان    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    حبس شقيق كهربا 4 أيام لاتهامه بسب رضا البحراوي    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    تحرك جديد من الحكومة بشأن السكر.. ماذا حدث؟    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    تفاصيل اصابة 8 اشخاص في حادث علي طريق بالدقهلية    عاجل.. محمود تريزيجيه: لا تفرق معي النجومية ولا أهتم بعدم اهتمام الإعلام بي    تريزيجيه: حسام حسن مدرب كبير.. والأجواء أمام غينيا بيساو كانت صعبة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوارة نجم تكتب : عن النشطاء غريبي الأطوار
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 06 - 2010

عندما قال لنا الضابط في معبر رفح: من الآخر.. إسرائيل هى التي توافق على من يدخل ومن لا يدخل
ميناء رفح البري
قافلة فك الحصار عن غزة التي خرجت في يوم 11 يونيو 2010، لم تكن الأولي ولن تكون الأخيرة. الفرق الوحيد أن خروج هذه القافلة جاء بعد كارثة قافلة الحرية التي وضعت الكثير منا في موقف محرج للغاية. بالأمانة يعني: أجانب وأتراك يخرجون في قافلة مساعدات بحرية، ويأتون من آخر الدنيا، ويقتلون، بل يتهمون بأنهم إرهابيون وأنهم استفزوا الجيش الإسرائيلي، واعتدوا عليه، ونحن هنا جلوس حولنا الماء وكأننا قوم جلوس حولهم ماء. وافهم الماء دي زي ما تفهمها.
كل مرة كنا نخرج فيها إلي قافلة لفك الحصار عن غزة، تقوم السلطات المصرية بمحاصرتنا في العريش. وأذكر فيما أذكر أن آخر قافلة خرجت فيها منذ حوالي عام، كانت السلطات المصرية تعترضنا في الطريق، وتعطلنا لمدد طويلة، ونجلس علي الأرض ونهتف والكاميرات تصورنا، ويجرون معنا لقاءات، وكانت بيننا سيدة كثيرة الهتاف، والتشجيع، لا تكف عن إطلاق صرخات مفاجئة ونحن نيام في الحافلة: لبيك يا فلسطين. وبعد أن صورت لقاًء تليفزيونيًا مع إحدي القنوات سألت المراسل: هي الفقرة دي حتتذاع علي أنهي قناة؟ أصل جوز أختي ما يعرفش إني طالعة القافلة ولو عرف حيسود عيشتي وما يخلنيش أشوف ولاد أختي تاني. ولا أعرف لماذا تحدثت طالما تخاف من زوج أختها! ومال زوج أختها بخروجها في قافلة؟ ثم إنها منقبة، يعني حتي لو شافها في التليفزيون مش حيعرفها. وأخيرًا بعد أن وصلنا إلي العريش وجدنا جحافل من عساكر الأمن المركزي وإذا بالأصوات تتعالي فزعة: لف وارجع تاااانيييي. وبهت منسقو القافلة وأمسك أحدهم - خالد عبد الحميد - بميكروفون الحافلة أثناء دوران السائق للرجوع وقال: بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة تونس.
ظلت هذه التجربة تجرح مشاعري كلما تذكرتها، وبعد ما حدث لأصحاب قافلة الحرية أردت أن أضرب نفسي بالقبقاب علي أم رأسي. يبدو أنني لست الوحيدة التي اجتاحتها هذه المشاعر، فقد انضم إلي القافلة أناس كثر، معظمهم مواطنون عاديون، وأبدي جلنا الإصرار هذه المرة علي الدخول، وعقدنا العزم علي المبيت حتي يفتحوا لنا المعبر، ولو موتونا يبقي كتر خيرهم بدل ما الواحد عايش بالإحراج كده. شارك في تنظيم القافلة تيارات وأحزاب عديدة، منها: حزب العمل، الإخوان المسلمون، الناصريون، حركة «كلنا مقاومة» التي أشرف بالانتماء إليها، حيث إنني - ولله الحمد - وجدت ضالتي في هذه الحركة التي تضم أناسًا كلهم في «البلالا» زيي بالظبط، بمعني إنهم بيقولوا كلام الستينيات اللي ما بيعجبش حد، وناس كده حلوة ووش بهدلة ومرمطة وانتحار إذا لزم الأمر، وسبحان الله بين كل أعضاء هذه الحركة توارد خواطر بشكل مبالغ فيه، وبالمناسبة، أمي وأبويا لأول مرة يعرفون أنني أنتمي إلي هذه الحركة أثناء قراءتهم لهذه السطور، مش حركة سرية، بس نسيت أقول لهم. كما شارك بعض من شباب حركة 6 أبريل، ومن الاشتراكيين الثوريين، إلي جانب عدد من المواطنين غير المسيسين كان أكثر من المعتاد. أي أن القافلة ضمت كل التيارات من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار، إلي جانب ممثلي الشعب اللي فاصل الفيشة من الحكومة والمعارضة في آن واحد.
حضرت الاجتماعات، واتنقطت كثيرا من بعض المناقشات، وجلسنا نرتب، ونعد قوائم المسافرين في القافلة. وجاء اليوم المشهود. قوائم مين يابا؟ حضر أناس لم يكونوا مدرجين في القوائم، بعضهم كان من الإخوان المسلمين، وبعضهم من تيارات أخري، وبعضهم ليس من تيارات، وبمجرد أن وصلت الحافلات إذا بمن هم غير مسجلين في القوائم يركضون مبرطعين نحو الحافلات ويركبون حتي امتلأت الحافلات عن آخرها بمشاركين معظمهم غير مسجل. خير، نحن لا نكره، بس يعني لو كان تلافون صغنن كده قبل الرحلة بيوم واحد ليخطرونا بمشاركتهم، كنا سنشكر لهم مساعيهم المحمودة، اعترض البعض علي هذا السلوك، بينما قال البعض الآخر: يعني حنطرد الناس وهم جايين قافلة لغزة؟ المهم يا سيدي ما أطولش عليك، جلسنا نحن المسجلون، وأغلبنا من المنسقين علي الرصيف أمام نقابة المحامين في انتظار حجز حافلات عاجلة أخري بينما انطلقت الحافلات الأولي ولا عبرتنا.
وأخيرا انطلقنا إلي جهتنا بعد عناء. حدثت بعض الخلافات في الطريق بيننا وبين الحافلات التي سبقتنا لأنها لا تريد انتظارنا. كان التوتر سيد الموقف خاصة أننا علمنا بأن الحافلات الأولي مرت بكوبري السلام وتركتنا. إيه كوبري السلام ده بقي يا سيدي؟ إنه بالنسبة لقوافل غزة كالثانوية العامة بالنسبة للأسر المصرية، إذا تخطيناه فقد تخطينا العقبة الكئود، وبما أن الحافلات الأولي أخذت معها الإعلام كله، فمن المتوقع أن يمروا من كوبري السلام بينما نحجز نحن علي هذا الكوبري، وبدون كاميرات الإعلام، لو قتلونا في عرض الطريق لما شعر بنا أحد. آه، ماهو حضرتك الإعلام دلوقتي أصبح يقوم بدور قسم الشرطة الذي تبلغ فيه عن شكواك، ودور ضابط الشرطة الذي يحمي وجوده المواطنين.
لكننا وصلنا لكوبري السلام، وما بعد كوبري السلام ولم يعترضنا عسكري واحد، حتي شعرنا بالقلق، وبدأنا نطلق العنان لخيالنا المريض في محاولة للتكهن بالمؤامرة التي تحكيها لنا السلطات المصرية، الدبوس فين ياربي؟ الدبوس فين؟ تفتكروا حندخل غزة ويقفلوا علينا؟ ياريت، أحسن ما نرجعش ويا سلام لو الحرب تقوم. تفتكروا حييجوا عند المعبر ويفجرونا؟ طاب يا جماعة إحنا شكلنا رايحين غزة، حنبات فين بقي؟ وحنحتاج فلوس قد إيه؟ أصل مش معايا فلوس.. ولا أنا.. ولا أنا.. لا أنا جبت شوية. أي نعم، لم نفكر في كيفية وتكاليف المبيت في غزة لأننا أساسًا لم نتوقع أن ندخل غزة، نحن ذاهبون لنثبت أننا لسنا أجبن ممن ماتوا في قافلة الحرية، وأننا سنظل علي المعبر ومستعدون لدفع الثمن. حقيقة لم نتوقع للحظة أن المعبر مفتوح أبدا، وهذا هو التوقع الصحيح الوحيد ضمن سيل عارم من التوقعات المرئية، وتصورات عن الخطط والمؤامرات.
أكبر دليل علي عدم تصديق الناس شائعة فتح المعبر أن الأغلبية من أعضاء القافلة لم يحضروا جوازات سفرهم. لكنني كنت من القلة التي أحضرت جواز السفر. وصلنا إلي المعبر ولم يفجرونا هناك، بل ابتسموا لنا وقالوا: يا سلام؟ تحت أمركو، والبطاقات كمان حتدخل، هو إحنا في ديك الساعة؟ بس ابعتوا حد يتفاوض مع حماس بقي.
يتفاوض مع حماس؟ آه، طيب وماله. ذهب الدكتور عبد الجليل مصطفي والمهندس عمر عبد الله، ثم عادا سويا وأخبرنا الدكتور عبد الجليل مصطفي أن «غازي حمد» شكر سعينا، وقال إننا حضرنا في وقت غير مناسب، وهم غير مستعدين لاستقبالنا اليوم حيث إن اليوم يوم جمعة، وياريت تبقوا حسيسين شوية وبلاش زيارات الجمعة دي أجازة وبنبقي قاعدين مع الأولاد، كما أنهم يستعدون لزيارة عمرو موسي وبيفرشوا له الأرض رمل وعايزين يلحقوا يلموا الرمل قبل ما ندخل علي اليوم الاثنين، لأنها أجازة حلاقين ومش حنقدر نحلق لكو. هذا الكلام أيضا لم يدخل في ذمة أي من أعضاء القافلة بثلاثة نكلة، توقعنا أن تكون السلطات المصرية ضغطت علي غازي حمد ليقول هذا الكلام، وإن كنت الآن، وبعد أن سمعت ما قاله الدكتور عبد الجليل مصطفي في العاشرة مساء، لست متأكدة تماما من أن غازي حمد قال هذا الكلام. علي كل حال، اتصلنا ببعض قيادات حماس، كما اتصل فوزي برهوم بنا وأكدت حماس عبر الهاتف وعبر القنوات الإخبارية أن هذا الخبر غير صحيح وأن حماس وغزة كلها علي استعداد لاستقبالنا في يومي الجمعة والسبت وحتي الأربع نفسه ممكن يستقبلونا فيه. فقلنا لمن علي الحدود: حماس كذبت الخبر، عدونا بقي. ابتسموا: سوري.. المعبر قفل. بعد أن قام الدكتور عبد الجليل مصطفي بإبلاغنا بهذه الرسالة نادي منادً: اجتماع عاجل يا جماعة. في البداية اقترح البعض أن نذهب ونعود في وقت آخر، لكن بعضا آخر أصر علي المبيت علي المعبر، فاقترح بعض ثالث أن نذهب إلي العريش، لنبيت في أحد الفنادق، ونرتاح سواد الليل، وناخد الشاور بتاعنا، ونفطر ونيجي الصبح نعتصم علي رواقة، فأصر البعض الثاني بتاع المبيت علي المعبر: لا.. إحنا بايتين في العراء. وعلي رأسهم مين؟ أيوووة، أعضاء حركة كلنا بهدلة/ كلنا مقاومة، التي أشرف بالانتماء إليها، وانبري كل رجل لا تسمعه زوجته في المنزل للحديث عن غزة، وحصارها الظالم، والمساكين الجوعي، ومشروعية المقاومة، ودور النظام المصري المخزي، ووحشية إسرائيل، والمؤامرة الصهيونية العالمية، والعولمة (وأقول رجلاً لأن معظم الرغايين كانوا من الرجال، قال ويقولوا الستات رغاية قال) المهم يعني أكلوا دماغنا لحد ما توصلوا للقرار المصيري: يا جمااااااعة، القرار هو اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد، تصويت علي هذا القرار، موافقة إجماع. بدأ الناس يركبون الباصات، وأثناء ركوبهم نادي منادٍ: يا جمااااعة، اجتماع عاجل. نسخة طبق الأصل العلقة الأولانية، ثم انتهي الاجتماع بالتصويت علي: اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد. موافقة إجماع.
بدأت الباصات في التحرك، فناد مناد باجتماع عاجل أخذ ما أخذ من الخطب، ثم انتهي إلي: اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد. حتي انفجر أحد أعضاء القافلة: «إيه حكاية اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد دي؟ ما اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد، هو اللي عايز يمشي حنقعده بالعافية؟ والا اللي عايز يقعد حنمشيه بالعافية؟ اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد».
وبعد أن انطلقت الباصات، ومر بعض الوقت، قرروا عقد اجتماع عاجل توصلوا فيه إلي قرار جديد تمامااااا: اللي عايز يقعد يقعد واللي عايز يمشي يمشي.
كان تعداد أعضاء القافلة حوالي 300 أو 400 بانضمام الأشخاص غير المسجلين. سافر البعض إلي القاهرة وسافر آخرون إلي العريش وظللت مع 150 معتصمًا علي الأسفلت أمام المعبر. تمددنا علي الأسفلت، كان الجو باردا، والأسفلت حارًا، فقررنا النوم في المقهي المجاور للمعبر. أما أنا فقررت ألا آكل حتي لا أضطر إلي الاحتياج للحمام، ولا أنام حتي.. حتي إيه؟ مش عارفة، لكنني لم أرغب في النوم، ولم أرغب في ترك الآخرين يخلدون للنوم، وظللت أتكلم مثل السيدة الرغاية في مسرحية «إلا خمسة»، حتي سقط المحيطون بي شبه مغشي عليهم من الرغي. لم أكن وحدي المزعجة في المكان، كان هناك أشخاص ما، لديهم ولاء شديد للقضية لدرجة أنهم فتحوا برنامج هيكل علي تلفاز المقهي ورفعوا الصوت، وآخر يطلق زفرات وشخيرًا يشبه أغنية عبد القادر يا بو علم ضاق الحال عليا، وثالث يسمع أغاني علي الموبايل، وحولي اثنان من القتلي يغطان في النوم، حاولت جاهدة يائسة أن أنام: غسلت أسناني، وغسلت وجهي ويدي بالمطهرات التي أحضرتها معي - آه ما أنا بامشي بديتول في الشنطة: أنظر عنوان المقال - بما أنني لن أتمكن من أخذ حمام يساعدني علي النوم، لكنني لم أستطع النوم، فطفقت أزن أزن أزن لأوقظ من حولي، ولا هم هنا.
صلينا صلاة الفجر علي المعبر، ودعا الإمام - الذي كان مع القافلة بالطبع - بدعاء القنوت فأبكانا جميعا. الليلة كانت ليلاء، لكنني كنت علي استعداد لأن أقضي ليالي أخري مشابهة، ليس فقط لأنني كان يحدوني الأمل - لأول مرة في حياتي - بالدخول إلي غزة، بل لأن عددًا كبيرًا من المعتصمين علي المعبر كانوا مواطنين غير مسيسين، جاءوا لأمل في الدخول إلي غزة، وعدد أكبر من المعتصمين كانوا يحملون البطاقات فقط، وبالرغم من أملهم في الدخول، فإنهم كانوا علي استعداد للمبيت في العراء حتي وإن جاءت النتيجة: دخول حاملي جوازات السفر فقط.
كان بين المعتصمين عدد كبير يحمل من الإخلاص والتفاني ما يجعلني أستطعم وأستلذ كل لحظة يقرصني فيها الناموس، ويلسع البرد ظهري. أحب الإخلاص والمخلصين حتي لو كانوا غريبي الأطوار.
أيها المواطنون، إن الليلة الليلاء التي قضاها المعتصمون أصحاب شعار: اللي عايز يمشي يمشي واللي عايز يقعد يقعد، قد قضت علي النذر اليسير مما تبقي من عقولهم. أشرقت الشمس، وارتفعت حرارة الجو، حيث إن اليوم علي معبر رفح يلخص فصول السنة، في الصباح يكون أبريل، في الظهيرة أغسطس، في العصر سبتمبر، في المغرب أكتوبر، في الليل ديسمبر، أما بعد منتصف الليل فيتحول الجو إلي يناير. الانتظار، والنوم كشكول، والشمس، أذابت قدرتنا علي التفكير: أولا، وبلا أي مبرر، قرر بعض الشباب الهجوم علي عربات القوات متعددة الجنسيات التي هربت فزعا وخوفا من وجه النشطاء. استاءت أغلبية المعتصمين من هذا السلوك، لكن سبق السيف العزل. ثم عاد ونادي نفس المنادي: اجتماع عاجل.. نعمل إيه لو فتحوا المعبر ودخلونا غزة؟
- نعم؟
- ماهو إحنا عايزين نخش بس إحنا خايفين نستغل سياسيا والنظام يفرج الناس علينا وإحنا داخلين ويدعي أن المعبر مفتوح وهو مش مفتوح ولا حاجة.
يا عم الله يكرمكم، المعبر غير مفتوح بدليل أننا بتنا في العراء ليلة كاملة لا نستطيع الدخول، والرسالة وصلت، بالرغم من التعتيم الإعلامي علي أحداث الاعتصام، ونشكر الله أن بيسان كساب الصحفية في «الدستور» اختارت أن تبيت معنا في العراء لتمر بالتجربة، لذلك جاءت تغطيتها الأفضل بين كل التغطيات.
المهم، بالطبع توصلنا إلي: اللي عايز يدخل يدخل واللي مش عايز يدخل ما يدخلش.. أكيد يعني إنت خلاص عرفت نتائج الاجتماعات دي.
لم يمهلنا النظام المصري كثيرا لننفذ خطة: اللي عايز يدخل يدخل واللي مش عايز يدخل ما يدخلش، فقد أخبر أحد الضباط المفاوضين من القافلة إن بصراحة و«من الآخر» إسرائيل هي التي توافق علي من يدخل ومن لا يدخل، ونحن ننسق معها، وقد تأخذ هذه المفاوضات ساعة يومًا شهرًا سنة، و«إحنا بنرحب بيكوا في أي وقت».
تحمست بشدة لاقتراح محمد وأكد - أحد منسقي القافلة - وطبعا عضو في حركة كلنا مقاومة وإلا لما كان اقترح أن نبيت ليلة أخري حتي يأتي عمرو موسي ليمر من المعبر ويرانا ونحن معتصمون. هيييييه.. طيب أنا موافقة.
- موافقة؟ إنت فاكرة إن اللي في القافلة حيوافقوا؟ ماحدش حيسمع كلام اتنين ملاحيس..
الله.. هو يعلم أنهم لن يوافقوا علي اقتراحه الملحوس الذي توافق عليه واحدة ملحوسة، طب اقترح هذا الاقتراح وكبرها في مخي ليه؟ أصررت علي محاولة إقناع الناس، وبالطبع لم يقتنع إلا ثلاثة آخرون فأصبحنا خمسة من أصل 150، وحين حاولنا الضغط ولو قليلا قالوا لنا: ده جاي الاثنين مش الأحد، يعني حنبات يومين؟ لكن الحقيقة أن عمرو موسي زار القطاع يوم الأحد، وأكاد أموت كمدا، لا لأن عمرو موسي ذهب للقطاع من المعبر، ولا لأنني لم أبت، ولكن لأن هذه الفكرة لم تخطر علي بالي - حيث إن بالي كان تائها مني بعد قضاء هذه الليلة - ولولا أن الاقتراح طرح لما كنت أنا في هذه الحالة المحبطة الآن.
مرت من أمامنا القافلة الجزائرية ودخلت من المعبر، ونحن جالسون علي الرصيف.
أخيرا، ركبنا الباصات ونحن حزاني، حاولنا أن نقوم بأي تغطية إعلامية، اتصلنا ببرنامج «العاشرة مساء» الذي استقبلنا فور عودتنا ووقوفنا علي سلم نقابة الصحفيين احتجاجا علي ما فعل بنا. قلنا كل شيء. كان أكثر ما جرح قلوبنا هو مقولة الضابط: كل حاجة بتمشيها أو توقفها إسرائيل. لكن التقرير حين أذيع تم قطع الأجزاء التي تحدث فيها بعض أعضاء القافلة عن الدور الإسرائيلي في منعنا من دخول غزة، والأعجب والأغرب والأبعد، أن الدكتور عبد الجليل مصطفي، الذي أخبرنا بخبر كذبته حماس، وسافر إلي القاهرة ولم يعتصم معنا، قال في برنامج «العاشرة مساء» إن الأمن المصري لم يمنعنا!
لا أعلم سر التعتيم علي حقيقة ما حدث علي المعبر وفي الاعتصام، كل ما أعلمه أننا قضينا ليلة صعبة، وصدمنا بكلام ما كنا نتوقع أن نسمعه من ضابط مصري، وعدنا بخفي حنين، ثم إذا بنا نجد أنفسنا متهمين بالهمجية، وبأننا نفتري علي السلطات المصرية التي كانت لطيفة آخر حاجة معنا.
حين وصلنا، أرسلت لنا الصحفية أميرة هويدي، صورة التقطها مجهول، حيث كان يبدو علينا الإرهاق، وكتب عنوانها: نشطاء غريبو الأطوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.