على شاطئ البحر فى طرابلس يقع فندق شيراتون الأندلس، وهو من الفنادق الجديدة التى لم تفتتح بعد، لكن القذافى ورجاله كانوا يقومون باستخدام كل المنشآت، التى لا يتوقع أحد أنهم يمكن أن يستخدموها كأماكن للاجتماعات، بينها مستشفيات ومبانٍ جامعية وبيوت عادية للمواطنين، وذلك بعد نجاح الثورة فى بنغازى ومدن أخرى، حيث كانت طرابلس هى القلعة الرئيسية للنظام، وقد تمكن ثوار طرابلس من اختراق المنظومة الأمنية المقربة من معمر القذافى وابنه سيف الإسلام، وكذلك رجل الاستخبارات القوى عبد الله السنوسى، وكان كثير من ضباط وزارة الداخلية فى أقسامها المختلفة متعاونين مع الثوار، يمدونهم بالمعلومات سواء حول تحركات السنوسى ورجاله، أو عن الشخصيات التى صدرت أوامر بالقبض عليها، أو عن المتعاونين من المرتزقة وخبراء السلاح، الذين جلبهم القذافى فى أيامه الأخيرة من دول مختلفة، حتى يساعدوه فى الحرب على الشعب الليبى، وأبلغنى د.محمد عميش المنسق العام لائتلاف 17 فبراير، أنهم كانوا يحصلون على معلومات كثيرة من داخل المنظومة الإدارية والأمنية لنظام القذافى، كما أبلغنى مصطفى نوح المنسق العسكرى، أن ضباطا يعملون فى القلم الخاص للقذافى وآخرين يعملون فى مكاتب الاستخبارات المختلفة كانوا يمدون الثوار بمعلومات وافية فى شتى المجالات، كما كان ضباط فى الجوازات يبلغونهم عن أى تأشيرات أو ترتيبات تتعلق باستقبال خبراء سلاح دوليين أو مرتزقة. وقد تمكنت إحدى مجموعات الثوار من الحصول على معلومات حول الاجتماعات التى كان يعقدها سيف الإسلام القذافى مع عبد الله السنوسى وقادة آخرين أمنيين وعسكريين آخرين فى إحدى قاعات فندق شيراتون الأندلس. ولأن الفندق لم يفتتح وكان بعيدا عن الأنظار والتوقعات، فقد كانوا يذهبون إليه دون حراسة مشددة، وبعدما تم رصد الاجتماعات من قبل بعض مجموعات الثوار قرروا أن يكون هجومهم على المكان فى 19 يوليو الماضى، وتم الترتيب للعملية بشكل دقيق، وشارك فيها ثوار من أماكن مختلفة من طرابلس، وقد بلغ عدد المشتركين فى العملية نحو عشرين شخصا مع عشرين آخرين تقريبا يقومون بعملية التأمين والمراقبة، وقد أخبرنى مصطفى نوح أنه حاول أن يثنى المجموعة التى قامت بالعملية، لا عن القيام بها، لكن لتأخير القيام بها عدة أيام، حيث كانت هناك ترتيبات لإدخال شحنات من السلاح من مصراتة وبعض الجبهات الأخرى إلى داخل العاصمة الليبية طرابلس عبر البحر، وكان تنفيذ العملية يعنى أن يكون هناك استنفار أمنى مما يعرض الشحنات التى من المقرر أن تصل إلى طرابلس للخطر، ولم يستطع نوح أن يفسر لهم سبب طلبه تأخير العملية لحساسية الوضع وسرية نقل السلاح، ولما وجد منهم إصرارا على تنفيذ العملية تركهم، وبالفعل كشفت إحدى شحنات السلاح وكانت أكبرها بعدما تم تنفيذ العملية. قامت المجموعة بالهجوم على الفندق قبل الظهر وأطلقت أول قذيقة «أر بى جى» على الصالة التى يجتمع فيها السنوسى مع باقى القيادات الأمنية، لكنها لم تصب المكان بشكل مباشر، مما دفع السنوسى ومن معه إلى الهروب من القاعة قبل قصفها بقذيفتين أخريين، نجح الثوار فى الهروب وكان سيف الإسلام القذافى فى طريقه إلى الفندق، لكنه عاد بعدما علم بأمر العملية، بسبب خطأ ما كشف خيطا قاد إلى القبض على مجموعة ممن شاركت فى العملية فى ما بعد، من بينهم مصطفى نوح المنسق العسكرى لائتلاف السابع عشر من فبراير. ومع انتشار خبر مقتل عبد الله السنوسى بعد هذه العملية، فقد اضطر للظهور على التليفزيون فى مرة من المرات القليلة التى أطل فيها على الناس ليؤكد أنه حى. وبسبب الجرأة الشديدة التى تمت بها العملية فقد استنفر السنوسى كل قوته، وتمكن بالفعل من القبض على بعض من شاركوا فى العملية. ورغم أن العملية لم تنجح فى تصفية أى من قيادات القذافى فإنها أصابتهم جميعا بالرعب، وأدت إلى تشديد الإجراءات الأمنية على السواحل، مما أدى إلى إفشال أكثر من عملية تهريب سلاح إلى طرابلس من خارجها، حيث كان البحر هو الطريق الأكثر أمانا لوصول الأسلحة. وبعد القبض على مصطفى نوح المنسق العسكرى لائتلاف السابع عشر من فبراير، فر كثير من الثوار خارج طرابلس، واختفى آخرون بينهم بعض ضباط الشرطة الذين كانوا يتعاونون بإمداد الثوار بالمعلومات. وكانت خطة الثوار قائمة على أن تكون الانتفاضة فى نهاية شهر يوليو وقبل بداية شهر رمضان، حتى يتم إعلان تحرير المدينة مع دخول شهر رمضان، غير أن عدم نجاح العملية فى تحقيق أهدافها فى التخلص من القيادات الرئيسية فى نظام القذافى آنذاك، أدى إلى تأخير الانتفاضة أكثر من مرة، فقد كان نقص السلاح، واستمرار العمليات الصغيرة فى الهجوم على تجمعات كتائب القذافى والنقاط الأمنية المنتشرة داخل طرابلس، ومحاولة زعزعة النظام من الداخل، علاوة على الانتصارات العسكرية الكبرى التى كانت تتم عبر تحرير مزيد من المدن كل يوم، من الأسباب التى ضغطت على النظام داخل طرابلس، وجعلت الانتفاضة التى وقعت فى العشرين من أغسطس الموافق العشرين من رمضان ناجحة بكل المعايير، حتى إنها فاقت تصورات الثوار أنفسهم وتخطيطهم للمعركة.