هل يشن مبارك الحرب على المشير؟ الصحافة انتظرت هذه الحرب، ونفخت فى أصغر شررها. لماذا؟ بحثا عن الإثارة.. تدعيم شعبية للمشير. خبر صغير عن مذكرة دفاع مبارك فى قضية قطع الاتصالات تحول إلى إشارة إعلان الحرب على المشير.. المذكرة يعترف فيها مبارك بأن قرار قطع الاتصالات اتخذ قبل الثورة بأسبوع ومن مجلس وزراء مصغر ضم المشير طنطاوى، باعتباره وزير الدفاع.. التفاصيل تناقشها المحكمة، لكن الخيال الذى التقط المعركة ونفخ فيها، خيال ذكى، ويلعب على أرضية قديمة ومتوارثة فى دراما السلطة. الرئيس سينتقم ويستخدم أسلوب «عليّا وعلى أعدائى».. ويريد توريط المشير.. الحرب بهذه الطريقة تعيد الإثارة إلى غرف القصور بعدما استحوذ الميدان على صناعة الحدث. تخيل الحرب قادمة بين الرئيس المخلوع والمشير الحاكم الآن، باعتباره رئيس المجلس العسكرى، اختصار يعجب السذج وعشاق الاستسهال.. الثورة لم تقم لينتصر الجنرالات على رئيسهم الذى سمح بأن تتحول عائلته إلى قوة سياسية.. تسمع حكايات عن زكريا عزمى رئيس الحاشية عندما كان يطارد كل من يتباسط مع علاء أو جمال، ويردد جملته المشهورة: «..العائلة لا بد أن تحترم...».. الثورة لم تقم ليحسم الجنرالات صراعهم مع الجناح العائلى فى السلطة، ولكنها قامت وبفعل «صحوة القوة المجبرة على النوم» فى كشف الانشقاق داخل سلطة مبارك.. الثورة وسعت الشق بين جناحى السلطة، وهذا ما يفسر تردد الجيش أو وقوفه بعيدا عن الاستخدام المباشر من مبارك.. ربما رفض الجيش تنفيذ أوامر مبارك، لأن القائد الفعلى للمعركة من داخل القصر هو جمال مبارك.. ولم تلعب الثورة لصالح طرف فى «حرب الأجنحة»، لكنها حركتها ودفعتها إلى مرحلة حسم تصاعدت حتى وصلت إلى 10 فبراير، يوم الذروة فى قيادة جمال لنظام أبيه إلى الهاوية. جمال دخل القفص فى أول جلسة بنفس شعور الليلة الأخيرة فى قصر الرئاسة. هو المدير والمسيطر، والحاكم الفعلى باسم العائلة، والأب الملتصق بالسلطة والقلق على استمراره على المقعد العالى، لم يكن يريد توريث ابنه، لكنه سمح لجناح العائلة يكبر ويكبر، ليرضى الإلحاح العائلى، وليصنع قوة أخرى تسنده بعد أن وصل إلى مرحلة شيخوخة غير مسيطرة. جمال تعامل فى السنوات الأخيرة على أنه حاكم من وراء الستار، حاكم بأمر الاقتراب العائلى. الوراثة لم تكن غريبة على نظام ما بعد 1952، لكنها وراثة القرابة العسكرية، جنرال يستدعى من الثكنات ليرتدى البدلة المدنية، ويتدرب على الحكم. وراثة جمال مختلفة، وهو لم يكن شيئا غير أنه «ابن رئيس»، يستغل سلطات الأب ويغتصب بها مزايا ليست من حقه.. ويظهر فى صور يصنعها مخرجون درجة عاشرة عن لقاءات غرام مصنوع مع الناس.. ولا توجد لديه فكرة واحدة لامعة تبرق وسط كل هذا الخراب المحيط بالسلطة وحزبها وحاشيتها فى الحكومة والصحافة. كل ميزات جمال أنه «عاش فى الدور»، واعتمد على نظرية «الحاج وأولاده» فى سند الأب لابنه، نظرية متخلفة أدخلت البلد كله فى متاهة انتهت بالثورة.. الثورة أسقطت جدران القصر وفتحت أسواره على الميدان... وفرضت قوة جديدة للمجتمع، شريكا فى صراع القوى الكبرى، وهذا هو عمق ما حدث منذ 25 يناير. الشعب تعلم السياسة لأول مرة ولم يعد ينتظر القرارات تسقط من «غرفة الأقدار» التى يتخذ فيها كهنة غامضون القرارات. السياسة وقتها كانت قدرا ليس أمام الشعب إلا محاولة تفسيره أو استراق السمع إلى ما يدور خلف الغرف المغلقة. الثورة أنهت هذه الحالة. لكنها لم تخلق حالة جديدة بعد. وهذا ما لعب عليه جمال مبارك بغريزته، تعامل فى القفص كأنه ما زال مديرا للجناح العائلى. عنجهية أربكت أطرافا متعددة: هل يفكر بأن ما يحدث فترة عارضة وستمر؟ الارتباك يزيد مع عودة الخيال الذى يتصور أن الثورة ستنتهى على صراع بين «الرئيس» السابق والمشير.. أين ذهبت قوة المجتمع؟ ... هل انتهى «الشعب» مع إخلاء الميدان واحتلال الكوكتيل الأمنى لموقع الاعتصام؟