كتبت هنا يوم السبت (23-7) مقالا بعنوان «جريمة فى الشارع»، تحدثت فيه عما حدث فى مدينة نصر، فى المنطقة الحادية عشرة، عند نهاية مترو مصطفى النحاس، وتحت أبراج الضغط العالى، إذ تعرضت هذه المنطقة الهادئة لهجوم منظم، واحتلال سافر من بعض سكان عزبة الهجانة! وأخذوا فى إقامة سوق عشوائية فى مكان كان مفترضا أن يكون حديقة جميلة تفصل بين شارعين متعامدين على شارع مصطفى النحاس! والبداية كانت بناء عمارة على قطعة أرض تعد جزءا من موقف للأتوبيسات! أى على أرض الدولة، وعندما سكتت الحكومة، ولم يتحرك أحد، طمع آخرون فى هذه الأرض الواسعة، وظنوا أنهم بهذه الطريقة يمكن أن يستولوا عليها، ويصنعوا فيها ما يشاؤون، وبدأ العمل يجرى ليل نهار فى بناء هذه السوق العشوائية، وتقدم سكان العمارات المطلة على الأرض ببلاغات كثيرة إلى الشرطة، والجيش، والنيابة، والمحافظة، والحى، ووسائل الإعلام. حتى حضرت قوات من الشرطة العسكرية والأمن المركزى، وحاول عدد من كبار الضباط أن يقنعوا سكان العزبة بترك الأرض، لأنها جزء من الشارع، ولا يمكن أن تقام سوق عشوائية هكذا، لكنهم رفضوا تماما، بحجة أنهم فقراء، ويريدون أن يأكلوا لقمة عيش حلال. والعجيب أن القوات انسحبت بعد أن أمهلت المحتلين 48 ساعة ليخلوا المكان، فعاد كل شىء كما كان، واستمروا فى عملهم، وكأن شيئا لم يكن! ومضى زمن المهلة المحددة، ولم تحضر القوات المنتظرة، وأعلن المحتلون عن افتتاح السوق! وأخذ سكان العمارات فى البحث عن حل، ومن خلال ال«فيسبوك» بدأت المقاومة الإلكترونية لما يحدث على الأرض! وأقام سكان العمارات عددا من الوقفات الاحتجاجية أمام قسم مدينة نصر، وخرج لهم من القسم ضباط شرطة، وجاء إليهم ضباط كبار من الجيش، ليقنعوهم بالعودة إلى منازلهم، لأن المشكلة فى طريقها للحل. واستمر الأمر لأسبوع، كان الناس خلاله يتساءلون: هل ستعود القوات لطرد المحتلين أم لن تعود مرة أخرى؟ وهل يمكن أن يستمر وضع كهذا؟ وهل فى البلد الآن قانون يحترم؟ أم أن الأمور تسير على حسب الظروف؟.. وطبعا اختلفوا فى الإجابات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وقبل شروق شمس يوم الخميس، جاءت قوات ضخمة جدا، وأزالت العمارة والسوق العشوائية، واعتقلت عددا من البلطجية، وسعد سكان العمارات بما تحقق، وشعر الناس بهيبة الدولة، وهى تنفذ القانون على رقاب المخالفين، وبينما سكان العمارات يصفقون للقوات، وهى تعيد الأمن للمنطقة، كان ثمة ألم، ودموع، وآهات. فسكان عزبة الهجانة وغيرها من العشوائيات، هم أيضا مصريون، ولهم حقوق فى سكن آدمى، وتعليم، وعمل، وعلاج، و.. و..، وكل هذا لم يتوافر لهم، وهذا واجب الدولة الأول، وواجب المجتمع كله، وعلينا بعد ثورتنا النبيلة أن نسعى جميعا لتحقيق أهداف الثورة فى الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية