الثورة ليست نهاية فيلم «في بيتنا رجل». ولا نزهة قصيرة في شوارع وسط البلد. الثورة علم التغيير، وهذا ما يجعل العودة إلى الميدان ليس إنقاذا للثورة ولكنها الجولة الجديدة. الثورة في مصر لم يصنعها تنظيم سياسي لديه خطة وقيادة وجناح مسلح، ولا تنظيم عسكري له قوة وقيادة أيضا. الثورة المصرية صنعتها قوى جديدة من الشعب وجدت نفسها في الميدان ونحتت جسدها الكبير في الميدان، وأسقطت الرئيس من الميدان.. وهذا يعني أن الميدان هو الأداة السياسية لصناعة التغيير. إنها المرة الأولى في تاريخ مصر التي يصنع فيها الشعب جمهوريته. كل الأنظمة في مصر سقطت من أعلى، مثل الأقدار، يلتقي في هذا الملكية والجمهورية، أنظمة صنعها الاستعمار وأنظمة حاربته. الدولة في مصر صنعها آلهة أو أنصاف آلهة من الفراعنة وإلى الآن.. وهذا ما جعل المجلس العسكري يتصور أنه من الطبيعي أن يحتكر صناعة الجمهورية الجديدة، وأن يشكر الشعب ويطالبه بالعودة إلى البيت. ومن الطبيعي أيضا أن يستجيب قطاع كبير من الشعب لرغبة الجيش ويطالب بعودة الثورة إلى البيت والنوم على الكنبة في انتظار تنفيذ المجلس للمطالب. هذا ميراث ثقيل في مصر، وثقافة لها جذور عميقة تجعل من عبادة السلطة وجهة نظر. الثورة ستكتمل فقط عندما تنسف هذه الثقافة التي تعتمد عليها كل قوى في حصار وضرب الثورة. المجلس العسكري لم يغادر عقل النظام القديم، وتصور أنه انفرد بالمرحلة الانتقالية.. تعامل مع إرادة الثورة على أنها مطالب، مجرد مطالب سينفذها حسب إيقاع يضمن له السيطرة على إدارة البلاد، والعمل في هدوء لتجهيز مرحلة انتقال للسلطة، تحافظ على موقع للمؤسسة العسكرية في صلب الدولة، وتحجز الثورة عند حدود بعيدة عن المساس بالمصالح الكبرى للمؤسسة. في الفكرة بعد أخلاقي: الجيش يريد أن يدخل التاريخ، وينقل مصر إلى العصر الديمقراطي. إرادة من أعلى، وجمهورية أبوية تريد صك الشرعية من الثورة، وتريد أيضا أن تصنع شعبها في مواجهة شعب الثورة. يتصور أصحاب المصلحة في الانسحاب من الميدان، أنه يمكن اختصار الثورة في صراع بين وجهتي نظر. والحقيقة أن الثورة ليست وجهة نظر، لكنها إرادة انتصرت، ولم تهزم بعد. الثورة لن تدخل بيت الطاعة، وسينمو الوعي بها رغم كل محاولات وضعها في أقفاص حديدية من جديد. اليوم.. جولة جديدة للثورة، سيضاف إلى أهدافها هدف جديد، وهو إعادة الوعي بضرورة بناء دولة حديثة. وهذا يعني أن كل البكتيريا التي تكونت على جسد الثورة لا بد من مكافحتها بنفس القوة التي أسقط بها النظام. الثورة.. ثورة حريات، لا مطالب ينفذها المجلس الحاكم، ومن حقق الديمقراطية بالوقوف في مواجهة الآلة العسكرية لمبارك، لا ينتظر من أحد تنفيذ إرادته. هذا وعي لا بد أن ينمو، في مواجهة وعي آخر صُور فيه للبعض أن الثورة فرصة لاقتناص المساحة كلها، أو سرقتها بمعنى أوضح. الهدف مهم: جمهورية حديثة، تتحقق فيها الحريات العامة وتقدس حرية الفرد، وتخلق مناخا للتعايش لا للسيطرة من طرف واحد. هذه هي الثورة التي لن تقف في إشارات مرور تصنعها مؤسسات وصاية من أي نوع. الثورة تعيد هندسة الشوارع.. وهذا ما ستحققه الجولة الجديدة من الثورة ، وهي خطوة مهمة في عودة الوعي بالقوى الجديدة التي صنعت 25 يناير، من رغبة أكبر من الانتماء الضيق، قوى ترى مصر مشروع نهضة، لا أرض فراغ يقام عليها مشاريع دول من خارج اللحظة التاريخية. إنها جمهورية جديدة سيصنعها الميدان ولن تسقط من أعلى. ومرة أخرى: الثورة لن تدخل بيت الطاعة