كانت حياتنا فى حى شبرا مفتوحة على التعدد الدينى والاختلاف والتعايش فى سلام وأمن ومحبة، وذلك فى إطار بعض من سمات ثقافة المدينة الكوزموبوليتانية المفتوحة على عالمها من خلال التعدد فى أصول سكانها من بقايا اليهود المصريين، والأرمن، وبعض من الفرنسيين واليونانيين والإيطاليين من الجاليات الأجنبية التى تمصرت، وكان حضورها ووجودها تعبيرًا عن الغنى فى التعدد فى المكونات والروافد الثقافية التى شكلت خمائر حداثية فى إطار الخصوصية القاهرية والمصرية، وذلك على الرغم من وجود وافدين إلى شبرا من الأرياف، إلا أن منطق وقوة ثقافة المدينة كانت مسيطرة بحيث تؤثر على بعض من ذوى الأصول الريفية، لاسيما فى غلبة قانون التعايش فى إطار التعدد، وعدم التمييز الدينى. كانت حياتنا فى حى شبرا مفتوحة على التعدد الدينى والاختلاف والتعايش فى سلام وأمن ومحبة، وذلك فى إطار بعض من سمات ثقافة المدينة الكوزموبوليتانية المفتوحة على عالمها من خلال التعدد فى أصول سكانها من بقايا اليهود المصريين، والأرمن، وبعض من الفرنسيين واليونانيين والإيطاليين من الجاليات الأجنبية التى تمصرت، وكان حضورها ووجودها تعبيرًا عن الغنى فى التعدد فى المكونات والروافد الثقافية التى شكلت خمائر حداثية فى إطار الخصوصية القاهرية والمصرية، وذلك على الرغم من وجود وافدين إلى شبرا من الأرياف، إلا أن منطق وقوة ثقافة المدينة كانت مسيطرة بحيث تؤثر على بعض من ذوى الأصول الريفية، لاسيما فى غلبة قانون التعايش فى إطار التعدد، وعدم التمييز الدينى. من هنا كانت رؤية رجال الدين المسيحيين من الأقباط الأرثوذكس، والكاثوليك والبروتستانت من مألوف الحياة اليومية كرؤية مشايخ الأزهر، من خلال أنظمة الزى المتعددة، وبعض اللحى. من هنا دخل فى تكوين وعينا وخبراتنا التعدد الدينى والمذهبى كعلامة على الثراء الروحى والاختلاف، وكان من مألوف عديد من نساء الأسر المسلمة من هنا كانت رؤية رجال الدين المسيحيين من الأقباط الأرثوذكس، والكاثوليك والبروتستانت من مألوف الحياة اليومية كرؤية مشايخ الأزهر، من خلال أنظمة الزى المتعددة، وبعض اللحى. من هنا دخل فى تكوين وعينا وخبراتنا التعدد الدينى والمذهبى كعلامة على الثراء الروحى والاختلاف، وكان من مألوف عديد من نساء الأسر المسلمة الذهاب إلى بعض دور العبادة المسيحية مع جارتهن لمشاركتهن فى مختلف المناسبات، ويصحبن أطفالهن كجزء من علاقات الجيرة والأخوة والصداقة، ومن ثم كان حضور رجل الدين المسيحى– أيا كان مذهبهم فى المجال العام-، ومشاركة الأسر المسلمة من الجيران فى مسراتهم، وأحزانهم أمرًا مألوفًا فى الحياة اليومية فى شبرا، وفى القاهرة والإسكندرية فى ظل فائض ثقافة كوزموبوليتانية، استمرت حتى مع تغيرات السياسة والنظام من مصر شبه الليبرالية إلى مصر الناصرية، حتى أوائل عقد الستينيات من القرن الماضى. بعض التآكل فى ثقافة التعايش فى إطار التعدد، ظهرت مع تراجع ثقافة المدينة، والانفجار السكانى المستمر، وارتفاع معدلات الهجرة من الأرياف إلى المدن، فى ظل تهميش الريف، وضعف عمليات التحديث فى تكوينه، ونمط الإنتاج وعلاقاته فى الزراعة المصرية، وتحول إلى مصدر محورى لعمليات طرد العمالة إلى مدن المحافظات عمومًا، وإلى القاهرة والإسكندرية بحثًا عن الرزق، وخاصة مع مغادرة عديد من المتمصرين إلى المهاجر الأوروبية والأمريكية وأستراليا، ومعهم بعض أبناء المدن فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وبعد هزيمة يونيو 1967. عمليات ترييف المدن والقاهرة والإسكندرية أدت إلى تحولات فى قيم المدينة، وأنماط سلوكها وثقافة التعايش الدينى المتعدد. من هنا ظهرت التوترات الدينية الإسلامية– المسيحية، مع بعض الجماعات الإسلامية السياسية، والسلفية وتأسيس أيديولوجياتها على نقد الأديان الأخرى، والتمييز الدينى إزاء المؤمنين بها والسعى لبناء حوائط إدراكية نابذة للآخر الدينى وبناء صور نمطية نقلية مستعادة من بعض الموروث الفقهى الوضعى، الذى تشكل فى بعض المراحل التاريخية التى صيغت فى سياقاتها بعض المواقف العدائية التى تخالف بعض موروث التعايش. هذا الدور السلبى فى بناء الصور الذهنية العدائية التى روجتها بعض الخطابات الدينية والفقهية والدعوية والإفتائية، تزايدت منذ عقود منتصف السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حتى العقدين الأول والثانى من القرن الحادى والعشرين، على نحو أدى إلى شروخ عديدة فى الاندماج الوطنى الداخلى. فى ظل مناخات التغير فى أنماط التدين السائدة خلال عقد الثمانينيات، والتسعينيات، واتساع الفجوات بين أبناء الوطن والأمة الواحدة، ظهرت بعض المبادرات الساعية للحوار والتفاعل البناء، من أهمها اجتماعات ومحاضرات وندوات أسقفية الشباب بقيادة الأنبا موسى رجل الحوار والإنسان الجميل، والمركز القبطى للدراسات الاجتماعية فى إطار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وندوات ومؤتمرات اللجنة المصرية للعدالة والسلام فى إطار الكنيسة الكاثوليكية. شهدت هذه الأطر تفاعلات حوارية بناءة من أجل إعادة بناء الصور الصحيحة حول التعايش والاندماج الوطنى المشترك من خلال تبادل الروئ والأفكار حول مشاكل الوحدة الوطنية، وأسبابها، وأنماط التوتر الدينى وتغيراتها وتحولاتها الخطيرة، ودرس الظواهر من منظور ومقاربات تغلب عليها النزعة البحثية من بعض الشخصيات وعلى رأسهم أحمد عبدالله رزة، ونبيل عبدالفتاح، وسمير مرقس وآخرون، مع دور نشط وبارز للمرحوم جورج عجايبى الصديق الجميل الأخلاق، وجورج إسحق حيث شكل الصديقان حركة عمل نشطة فى رعاية الحوارات، وضم عناصر كانت تنتمى إلى الأيديولوجيا الإسلامية للمشاركة وتقديم تصوراتهم حول قضايا الوطن على تعددها وتعقدها. بعضهم تعرض لروئ ووجهات نظر مغايرة، وساهم الحوار فى تعديل بعض الآراء، وبعضهم الآخر استمر على وجهات نظره النقلية الأيديولوجية، والنمطية إزاء القضايا الوطنية. كانت السياقات السياسية والدينية تتسم بالاحتقان الاجتماعى والدينى، نظرًا لتركيز قوى الإسلام السياسى ومعهم السلفيون على التمدد فى المجالين العام والخاص، وتركيزهم فى الظهور العام على تديين وأسلمة المجال العام من خلال أسلمة نظام الزى للفتيات والنساء، وذلك للتمييز بين النساء المسلمات والمسيحيات فى المدارس والجامعات، وفى الشارع والحى والمنازل، وفى الكتابة على الحوائط، ووضع العلامات الدينية على المركبات العامة والخاصة.. كلها إشارات تنقل الإيمان وعمقه من قلب الضمير والوجدان الشخصى إلى طقوس شكلانية فى مواجهة الدولة وأجهزتها التى تمددت إليها هذه العلاقات التمييزية مع ترييف جهاز الدولة. كان بناء الحوائط الإدراكية وعلامات التمييز جزءا رئيسا من أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والسلفيين لاسيما فى المحافظات والمدن والقرى، وذلك من خلال الطقوس والممارسات الشكلانية الرامية إلى ربطها بالتدين والعقيدة من خلال تأويلاتها الأيديولوجية النقلية، كى تربك جهاز الدولة عن مواجهة هذه الأشكال من التدين الشكلانى. من هنا كانت مبادرات الحوار شجاعة ووطنية وتعكس روئ اعتدالية إسلامية ومسيحية لأطراف العملية الحوارية المستمرة، التى اعتمدت على المقاربات البحثية، والتحليل الموضوعى لكل قضايا الحوار بحكم تكوين الفاعلين الأساسيين فى القضايا المطروحة للحوار. من قلب هذه الحوارات، استطاع بعض الشباب وكبار السن من الأقباط رؤية نمط آخر من التدين الإسلامى المعتدل يغاير الصور النمطية التى كانت شائعة حول تدين مفرط فى غلوه وتشدده، ونبذه للآخر الدينى فى الوطن. فى ظل تفاعلات الحوار والأخوة المشتركة فى الوطن والإنسانية، تشكلت صداقات عمر تجاوزت جلسات الحوار وجدالاتها إلى التفاعلات الأسرية وآفاق الصداقة الرحبة والممتدة إلى آخر العمر. بعض الشخصيات الدينية المسيحية الجميلة لعبت أدوارا متميزة فى هذا الحوار وعلى رأسهم الأنبا موسى أسقف الشباب، وأبونا كريستيان فان نسبن أحد أبرز الرهبان اليسوعيين. الأب كريستيان نموذج للراهب الذى يمزج بين التبتل والتقشف، والإنسان المنفتح على جوهر ومطلق الإنسان أيا كان دينه ومذهبه وانتماءاته وتوجهاته. يستمع إلى الآخرين فى إصغاء تام واحترام فى إهاب من الخشوع الذى يعكس مطلق الاحترام، وعندما يبدى وجهة نظره، يظهر فورًا عقله الكبير الحداثى، وعقلانيته، وقدراته على الرصد وتحليل خطاب الآخر والإمساك بجوهره، ويبدى رأيه الذى يتسم بالعمق والتسامح، والبناء الخلاق على المشترك. بدا لى نموذجا مغايرا لرجل الدين الذى يبنى على ما هو إنسانى وكينونى ومشترك مع الآخرين أيا كانت انتماءاتهم الدينية أو السياسية أو انحيازاتهم. وجه بشوش ودمث ولطيف المعشر، صامت لا يتحدث كثيرا إلا فيما هو مثرٍ للحوار، ويتمتع بقدرة غير عادية على إثارة الضحك والفكاهة بما لا يخدش، بما فيها ترداد أحدث النكات التى تطلق على الفاتيكان وكبار الكرادلة والكهنة أيا كانت مصادرها بطول وجود وحضور الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فى أركان العالم، نكات كانت تصله من أقرانه، وكان يعيدها على بعض أصدقائه، ويضحك. راهب إنسان كانت الابتسامة العريضة سمت وجهه الصبوح المشرق بالإنسانية والإيمان والعقل من هنا كان حضوره قويا ومشعا وعميقا، على الرغم من أصوله الهولندية، وإجادته الفرنسية والإنجليزية ولغته الأم، وكانت عربيته سليمة وواضحة ويجيدها بطلاقة ومعها العامية المصرية التى كان ينطقها ببراعة من عاش شبابه وكهولته بين المصريين والقاهريين فى حى شبرا فى أحد أديرة الجيزويت. شخصية نادرة تخصص فى دراساته حول الإسلام حتى نال دكتواره الدولة فى فرنسا، وفى كتبه المهمة التى ترجم بعضها إلى العربية، وبعضها خصصه للحوار الذى كنا طرفًا من أطرافه فى مصر وخارجها، حيث سافرنا معًا إلى إندونيسيا لإلقاء محاضرات فى إحدى كليات اللاهوت فى أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضى، وتشاركنا فى الآراء. كان شخصية فريدة رحمه الله بعد أن أصابته أمراض الشيخوخة، وعاد إلى هولندا، وذلك لتوافر الرعاية اللازمة للمصابين بمرض فقدان الذاكرة، وهو المصرى الأصيل فى انتمائه ومحبته لمصر. شخصية متعددة الأبعاد والتكوين والثقافات، تركت ظلها فى الحياة من خلال المعرفة وروحها الإنسانية الرحبة، ودورها التعليمى والرعائى والحوارى الخصب الذى لا يمكن نسيانه، وهو ما سوف نشير إليه فى المقال القادم.