أسرة الغريقين: «المفروض طقم الأتوبيس النهري كانوا ينزلوا ليهم طوق نجاة بس ماحدش منهم عمل كده هما سابوهم ومشيوا والولاد قعدوا 40 ساعة في الميه» لم يعرف كلاهما الآخر ولم تجمعهما حتى صدفة في الدنيا ولكن شاءت الأقدار أن يجتمعا في قاع النيل، بعد مرور 5 دقائق من اللقاء الذي جمع بين الطفل أحمد رجب والشاب محمد فتح الباب أو "حمادة" كما يلقبه أصدقاؤه بعدما نال لقبا آخر وهو «شهم الحوامدية» إذ قفز خلف الطفل أحمد في نهر النيل لإنقاذه فماتا معًا في ليلة بكت فيها الحوامدية على شاب خلوق، قرر في لحظة وبدون تفكير أن يضحي بنفسه لإنقاذ إنسان لا يعرف حتى اسمه، وفي الماء احتضنا معًا، بعدما أيقنا أنها النهاية. عيون لا تنام ودموع تجري كالنهر لم تتوقف لحظة عن البكاء، صوت مبحوح يخرج بالكاد لا لشيء إلا للصراخ والنحيب على فقدان ابنها، هذا هو حال والدة الطفل أحمد رجب الجالسة على حافة النهر تترقب خروج جثة نجلها بعد غرقه بينما غرقت هي الأخرى في دموعها والحزن يعتصر قلبها المسكين، يلتف حولها بعض الفتيات لإقناعها بتناول عيون لا تنام ودموع تجري كالنهر لم تتوقف لحظة عن البكاء، صوت مبحوح يخرج بالكاد لا لشيء إلا للصراخ والنحيب على فقدان ابنها، هذا هو حال والدة الطفل أحمد رجب الجالسة على حافة النهر تترقب خروج جثة نجلها بعد غرقه بينما غرقت هي الأخرى في دموعها والحزن يعتصر قلبها المسكين، يلتف حولها بعض الفتيات لإقناعها بتناول أي شيء تقتات به ولكن باءت محاولاتهن بالفشل، قرابة اليومين لم تتذوق سوى طعم المر ومرارة الفقدان وقلة الحيلة، حتى عُثر على جثة نجلها بعد جهد مضن من رجال البحث والغطاسين. انتشال جثة طالب غرق في نهر النيل بالحوامدية على شاطئ النيل، حيث أُسرتا الغريقين عاشت «التحرير» اللحظات العصيبة مع الأهالي والجيران في انتظار ظهور جثتيهما، والدة الطفل أحمد رجب، 13 سنة، يتقلب قلبها كموج المياه في انتظار رؤية فلذة كبدها للمرة الأخيرة، حكت بصعوبة تفاصيل اليوم الأخير «ابني فضل 5 دقايق في الميه بيغرق وبيقولهم الحقوني مفيش حد رضي يلحقه غير محمد اللي ضحى بعمره وشبابه ونزل عشان ينقذه وسواق الأتوبيس النهري سابهم ومشي وجالهم بعد ما ماتوا ليه مانزلش ليهم طوق نجاة، كان مستني حد ينزل ينقذ ابني وماتوا هما الاتنين الولاد بقالهم 3 أيام تحت الميه والغواصين كل شوية يقولوا المكان ده مانقدرش ننزل فيه وأول يوم نزل غواص واحد والاتنين اللي معاه مانزلوش». محمد فتح الباب.. لماذا بكت عليه «الحوامدية»؟ تلتقط الأم أنفاسها لتعاود الحديث «كان عندي 5 أولاد وأحمد مات خلاص ذنب ابني هيخلص من السواق معدوم الضمير اللي سابهم ومشي، حسبي الله ونعم الوكيل». التقطت عمة أحمد طرف الحديث «كان شاطر في المدرسة وطالع الرابع، بس الرحمة ماتت من قلب السواق لو ده ابنه كان هيسيبه يغرق ويمشي، لو نزل له حبل كان هيمسك فيه هو سابه ومشي». رجب محمد محمود الأمير، والد الطفل أحمد، جلس هو الآخر على شاطئ النيل لكن قلبه كان مع ابنه في القاع يقول «فيه ناس بلغوني إن ابني غرق وفيه شاب نزل ينقذه وغرق معاه وأنا ماكنتش أعرف إنه محمد الشاب المحترم اللي من بيت طيب اللي خلع هدومه لما شاف ابني أحمد بيغرق ونزل وراه علشان ينقذه والاتنين نزلوا ماطلعوش». وأضاف الأب «المفروض الطقم اللي على الأتوبيس النهري ينزلوا ليهم طوق نجاة بس ماحدش منهم عمل كده هما سابوهم ومشيوا الولاد ليهم 40 ساعة في الميه مطلعوش ومحمد اللي حاول ينقذ ابني في الجنة إن شاء الله ومات شهيد والمفروض كل مَرسى عليه اتنين بحارة للإنقاذ». «أنا جاي من بني سويف لما عرفت إن ابن أختي غرق في النيل ومات» بتلك الكلمات بدأ خال الطفل أحمد حديثه مضيفا «إحنا ماكناش عايزين غير جثة ابننا عشان ندفنه ويعوض علينا ربنا، أحمد كان شاطر في المدرسة عنده 13 سنة».
في الجهة القريبة تقف أسرة الشاب محمد فتح الباب تنتظر ظهور جثمانه ليحملوه لمثواه الأخير «محمد ابن أخويا والده متوفى وهو وأخوه رامي محاسبين وإسلام أخوهم التالت ويوم الواقعة محمد كان عند واحد صاحبه وراجع في الأتوبيس النهري ومعاه العجلة بتاعته لأنه كان رياضي ومعاه عجلة سبق وفجأة شاف طفل وقع في الميه وبيقول الحقوني خلع هدومه ونزل وراه ينقذه وغرقوا الاتنين سوا». وأضاف «لما عرفنا الخبر وكان يوم التلات بالليل فيه تلاتة غواصين واحد بس اللي كان بينزل لو فيه معاهم عدد أكبر من كده وأسطوانات أكسجين كتير هيلاقوهم بسرعة لأن النيل كبير». ابن عم الشاب محمد فتح الباب قال «يرضي مين بس إن الأتوبيس النهري مافيش عليه حد من الإنقاذ أنا مش عايز غير حق ابن عمي يرضي مين إن شاب عنده 31 سنة يموت بسبب الإهمال سواق الأتوبيس سابهم ومشي ومحمد لسه في الميه من يومين ماطلعش محمد كان أطيب خلق الله». أم محمد إحدى ركاب الأتوبيس النهري بالحوامدية وشاهد عيان للواقعة قالت ل"التحرير" «أنا باشتغل في مستشفى وأنا راجعة من الشغل وراكبة في الأتوبيس أحمد وقع في الميه وبعدين البطل محمد لما شافه بيغرق نزل وراه ينقذه ولقينا السواق بيلف من جنبهم افتكرناه هيجيبهم لقيناه سابهم ومشي، المفروض دول من الأول شافوا غريق ينزلوا ليه طوق نجاة على الأقل وكل أتوبيس أو معدية يكون عليها بحارة أو منقذ بس مافيش». وأضافت «محمد ده شاب رجولة نزل ينقذه مات معاه والواقعة كانت حوالي الساعة 10 بالليل». إسلام محمد رياض أحد شهود الواقعة هو الآخر يقول «كنت راكب في الأتوبيس وسمعت طفل بيقول الحقوني ولقينا محمد نزل وراه وسواق الأتوبيس سابهم ومشي.. ربنا يرحمهم ويصبر أهلهم». باهر المحمدي صديق محمد فتح الباب وزميله في العمل قال ل"التحرير" «لو حكيت عن محمد هحكي كتير هو شاب متدين لما ييجي موعد الصلاة بيسيب الشغل ويروح يصلي ومواقفه كلها معايا ومع باقي زمايله كانت كلها كويسة وكل الناس بتحبه واللي عمله ده هو المتوقع منه هو لا يمكن يشوف حد بيغرق ويسيبه هو بيعمل كل حاجة من وازع إيمانه وهو خلاص عند ربنا بس الجسد ده أمانة ولازم نكرمه ونبرد نار أمهاتهم لأن والدة محمد قاعدة بتندب عليه مستنياه يرجع، ووالدة الطفل أحمد قلبها محروق عليه». وأضاف «أول يوم كان فيه ناس غواصين وحاليا مفيش غير غواص واحد بيقول إنه مايقدرش ينزل يدور تحت المراكب عشان ده خطر على حياته وبيشتغلوا بإمكانيات ضعيفة جدا». وعن يوم الواقعة قال «أحمد كان راكب على الأتوبيس النهري ولما وقع محمد نزل وراه ينقذه في الوقت اللي الأتوبيس كمل فيه رحلته وكان فيه أتوبيس تاني جاي مانزلش ليه طوق وهما كانوا بيغطسوا وبيموتوا خلاص وماحدش كان شايف هما فين المكان كان ضلمة كل اللي كانوا سامعينه هو صوت أحمد وهو بيقول الحقوني ربنا يجمعنا على مكانهم ونلاقيهم». جثتان في قاع النيل.. الحوامدية تبحث عن غريقيها يشار إلى أن جهود البحث تمكنت من انتشال الجثتين تباعا بعد مرور 3 أيام على حادثة الغرق الأليمة.