بدأت العشرية السوداء بعد نجاح القوى السياسية والجيش في إزاحة «جبهة الإنقاذ الإسلامية» عن السلطة.. وخلفت المواجهات 200 ألف قتيل.. ولم تفلح مبادرات 3 رؤساء في إنهائها شكلت المواجهات العسكرية بين الجماعات الإرهابية والسلطات الجزائرية، في التسعينيات، كابوسيا للجزائريين، بعدما خلفت ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وفقا للإحصائيات الرسمية، ودمرت كثيرا من المرافق الحكومية التي تحولت لأهداف لأعضاء هذه التنظيمات الظلامية، فضلا عن ممارسة كل أنواع القتل على سكان المدن الجزائرية، وظلت آثار هذه السنوات السوداء التي عرفت باسم «العشرية السوداء» عالقة في ذاكرة المواطن الجزائري، ماثلة أمام عينيه، يتوارث حكاياتها للأجيال الجديدة، بغية تحذيرهم من الانخراط أو اعتناق مثل هذه الأفكار التكفيرية التي كادت أن تنهي مستقبل بلد المليون شهيد. العشرية السوداء.. حرب الإسلاميين ضد الجميعبدأ الفصل الأول من مواجهات العشرية السوداء، في 26 ديسمبر 1991، حين فازت «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، أحد التيارات السلفية المعروفة بتشددها الديني، بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية، ليشكل هذا الصعود السياسي انقلابا على المبادئ الأساسية للجمهورية الجزائرية، العشرية السوداء.. حرب الإسلاميين ضد الجميع بدأ الفصل الأول من مواجهات العشرية السوداء، في 26 ديسمبر 1991، حين فازت «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، أحد التيارات السلفية المعروفة بتشددها الديني، بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية، ليشكل هذا الصعود السياسي انقلابا على المبادئ الأساسية للجمهورية الجزائرية، وتدخل الجيش بتوافق الأحزاب السياسية الفاعلة في الداخل لعزل جبهة الإنقاذ، وشكل مجلس أعلى من 5 أفراد لإدارة الدولة. أمام ذلك، شكلت التنظيمات المتطرفة التي انبثقت من جبهة الإنقاذ، مجموعات مسلحة داخل كل مدينة جزائرية، لتمارس أبشع أنواع التنكيل بالمواطنين، من أسر للنساء، وممارسة للقتل بحق مواطنين مسالمين بعد قطع الكهرباء عن أماكن تواجدهم، وتفجير المقاهي، وإرغام النساء على الزواج من العناصر الإرهابية تحت قوة السلاح، وشن حملة اغتيالات واسعة طالت عديد من الناشطين السياسيين والحقوقيين المناهضين لأفكارهم، لتدخل الجزائر في حرب أهلية دموية، لا تزال آثارها قائمة في العديد من القرى التي شكل أهلها فرقا لمقاومة المتشددين والدفاع عن قراهم. وخلفت المواجهات الدامية بين قوى الظلام والدولة الجزائرية خلال 10 سنوات نحو 200 ألف قتيل، بخلاف الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدتها الدولة الجزائرية. بوتفليقة.. مهندس المصالحة التاريخية خلال سنوات المواجهات، قدم رؤساء الجزائر محمد بوضيفا الرئيس الرابع، وعلى كافي الرئيس الخامس، واليامين زروال الرئيس السادس، أكثر من مبادرة تدعو لوقف أعمال العنف وفتح قنوات للحوار مع قيادات جبهة الإنقاذ، إلا أن مبادرات الرؤساء الثلاثة لم تؤدِ إلى جديد يتصل بالسيطرة على أعمال العنف، بعدما واصل الإرهابيون رفضهم لأي حوار مع السلطة، متمسكين بالاستيلاء على السلطة وحكم البلاد. وظلت المواجهات مستمرة، غير عابئة بمساعي الرؤساء الجزائرين، حتى وصل الرئيس الجديد للجزائر آنذاك عبد العزيز بوتفليقة؛ ليقدم طرحا جديا، ويرهن استمراره بإنهاء سنوات الدم والعنف، وينجح في إقناع تيارات العنف في وقف أعمالها، بعدما تعهد لهم بالإفراج عن مئات من القيادات المحبوسة منهم. وبدأ بوتفليقة هندسة مصالحة تاريخية، من خلال تقديم قانون الوئام المدني للاستفتاء الشعبي، في عام 1999، وذلك قبل أن يتبعه بميثاق السلم والمصالحة الوطنية في 2005، والذي تم بموجبه إطلاق سراح آلاف الاسلاميين من السجون، بعدما تعهدوا بإلقاء السلاح والعودة إلى الحياة الطبيعية مقابل العفو عنهم وعدم ملاحقتهم قضائيا. إلى جانب ذلك، عمل بوتفليقة بشكل موسع على توفير فرص عمل لآلاف الشباب الجزائري، ممن فقدوا مدخراتهم جراء هذه الحرب، ودعم الشباب الجزائري عبر سياسات تنموية في قطاعات مؤثرة كالتعليم، وإيجاد الوظائف، والتدريب الداخلي المدفوع الأجر، كمحاولة جدية من جانبه لنزع جذور التطرف والانتقام من المجموعات الشبابية بعد التهدئة التي قام بها. ولعل العامل الأساسي الذي شكل ركيزة أساسية في مشروع بوتفليقة للمصالحة هو تعزيز من قبضة الجيش، وتقويته ليشكل الضامن الأساسي أمام أي تراجع محتمل لهذه المجموعات المتطرفة عن تعهداتها بعدم حمل السلاح، إذ ركز جهوده على زيادة عدد أفراد الجيش وقوات الأمن، ليصل عدد أفراد الجيش الجزائري إلى أكثر من نصف مليون شخص فرد، كما تبلغ قوة الشرطة الوطنية نحو 210 ألف فرد، بخلاف قوات الدرك الوطني. وامتدت أدوار قوات الأمن لما بعد هذه المصالحة في إفشال أى تواجد محتمل لجماعات إرهابية على أراضيها بفضل حضورهم المستمر، وقبضتهم الأمنية القوية، خاصة بعدما أفشل أي محاولات لداعش في التواجد على أراضيه.