خلف جدران دور رعاية المًسنين والمشردين بلا مأوى، هناك آلاف الحكايات والقصص المؤلمة لعجائز لم تحن عليهم الحياة، ولن تجد إلا وجوها شاحبة انقطع بها دروب الأمل لم يكن يتخيل قبل 7 سنوات ذلك المصير القاتم بعد أن تحولت حياته إلى عكس ما كان مخططًا لها لتنقلب رأسا على عقب، ويجد نفسه بين ليلة وضُحاها ملقى فى الشارع شريدا بلا رفيق أو شريك، تجاوره الكلاب والقطط ويأكل من "الزبالة"، قبل أن تنتشله أيادِي الرحمة لينتهى به الحال داخل إحدى دور رعاية المشردين في محافظة الشرقية، ليصبح حبيس أربعة جدران، لا يعلم شيئا عن هويته وينتظر مصيره المجهول في أي لحظة. سنوات طويلة من الألم والعذاب عاشها عم "عبد العزيز"، ذلك الرجل الستيني، الذي كان يعمل مُحفظا للقرآن فى معهد العمرانية الابتدائي. انتقل "عبد العزيز" خلالها للعمل فى إدارة العمرانية التعليمية فى وظيفة كاتب رابع، ويستمر فيها لمدة 9 سنوات، حتى أصابه مرض السكر و"فيروس سي"، ويصبح طريح الفراش، ويتعرض لسرقة أوراقه الثبوتية ليعود لعمله ليفاجاً فى 2007 بفصله بسبب انقطاعه وتغيبه عن العمل بدون عذر، ليجد نفسه يقطن الشارع لمدة 10 سنوات قبل انتقل "عبد العزيز" خلالها للعمل فى إدارة العمرانية التعليمية فى وظيفة كاتب رابع، ويستمر فيها لمدة 9 سنوات، حتى أصابه مرض السكر و"فيروس سي"، ويصبح طريح الفراش، ويتعرض لسرقة أوراقه الثبوتية ليعود لعمله ليفاجاً فى 2007 بفصله بسبب انقطاعه وتغيبه عن العمل بدون عذر، ليجد نفسه يقطن الشارع لمدة 10 سنوات قبل أن يعثر عليه مسئولو دار "بسمة للمُشردين لكبار السن" بالزقازيق. حكاية "عبد العزيز"، جزء من مأساة إنسانية يعيشها الآلاف من المُسنين المشردين فى مصر، ممن لم تمنحهم الحياة فرصة الاختيار، إما لظروف بعضها يتعلق بقسوة الأبناء، أو نتيجة لقسوة الزمن، فيصبحون مُشردين بلا مأوى فى الشوارع، ليجدوا أنفسهم فى النهاية فى عزلة إجبارية يجلسون بين أربعة جدران، من هناك تنطلق صرخات مكتومة لكبار المُسنين والعجائز ينتظرون مصيرهم المحتوم فى أى لحظة. خلف جدران دور رعاية المًسنين والمشردين بلا مأوى، هناك آلاف الحكايات والروايات التى تحكي الكثير من القصص المؤلمة والقاسية لهؤلاء العجائز ممن لم تحن عليهم الحياة، ولن تجد إلا وجوها شاحبة انقطع بها دروب الأمل، حسرة على الأبناء، وأصبحت علامات اليأس والحزن ترسم تجاعيد الوجه. «مشردون بلا مأوى» أجرينا زيارات ميدانية لعدد من دور رعاية المسنين فى بعض المناطق، بعضها فى نطاق محافظة القاهرة، وبعضها فى محافظات أخرى، ودور لرعاية المشردين بلامأوى، للتعرف على حكايات كل مٌسن، إضافة إلى طبيعة حياتهم داخل تلك البيوت، والأنشطة التى يمارسونها، ونوعية الخدمات المقدمة لهم، والصعوبات والتحديات التى يواجهونها. البداية كانت داخل دار "بسمة لإيواء المُشردين من كبار السن" بالشرقية، حيث تواصل معد التحقيق مع مسئولي الدار، إضافة إلى عدد من المٌسنين ممن تجاوزت أعمارهم ال60 عاما، والذين تبين إصابة بعضهم بأمراض نفسية، نتيجة صدمات تتعلق بظروف أسرية، وآخرون مرضى ب"الزهايمر" و"فيروس سي" يقول محمود درج، أحد مؤسسي الدار ضمن فريق يضم عددا من المتطوعين، إن الدار استطاع إنقاذ 345 شخصا من المُشردين خلال الفترة الماضية، موضحا أن عدد المُشردين من كبار السن يبلغ 166 مُسنا حالياً، مشيرا إلى أن هناك 94 مُسنا عاد لأسرته بعد التعرف على هويته، منوها أن هناك دارا للرجال وآخر للسيدات، مشيرا إلى أن هناك 125 رجلا مُسنا في الدار حاليا، والباقي للمرأة. "أغلب الأشخاص الموجودين فوق الستين عاما، جميعهم بدون أوراق ثبوتية، كما أن هناك حالات تم العثور عليها لديها غرغرينا فى القدمين وأخرى مصابة بأمراض مثل "فيروس سي" و"الزهايمر"، يقول "درج"، موضحا أن هذا الآمر يتطلب إجراء تحاليل طبية لكل حالة يتم العثور عليها، ثم إخطار قسم الشرطة بطبيعة الحالة، ومن ثم إخطار النيابة العامة فى حالة تعرف ذويه عليه لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفى حالة وفاة المٍسن يتم دفنه فى مقابر الصدقة فى حالة عدم وجود أسرة له"، يقول "درج". يُكمل"درج"، أن الجمعية تخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي، لافتا أن الدار يقوم على تبرعات الأهالى، منوها أن المشردين من كبار السن ممن ليس لديهم مأوى جميعهم بلا أوراق ثبوتية، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات أكثر حماية لإخلاء مسئوليتنا فى حالة وفاة أي شخص منهم أو إصابته بأية أمراض أو ارتكابه أية جرائم أو غير ذلك من الأسباب. يضيف مدير الدار لمعد التحقيق، أن هناك اتجاها لإنشاء "مدينة الإنسانية" للقضاء على ظاهرة المشردين في مصر" لتحقيق حلم "وطن بلا مشرد"، منوها أن المدينة سيتم إنشاؤها على مساحة 2 فدان ونصف في الزقازيق، ويتم سداد أقساط الأرض حاليًا بقيمة مليون جنيه. وقال عبد الرحمن بدر، أحد المشرفين على رعاية المشردين بالدار لمعد التحقيق، إن حالات المُشردين من كبار السن تحتاج للتعامل بشكل خاص، نظرًا لكون أغلبهم مرضى نفسيين نتيجة ظروف حياتية قاسية تعرضوا لها سواء نتيجة جفاء الأسرة أو صدمة حادة جعلتهم ينعزلون عن الحياة ليصبح مكان إقامتهم فى الشارع. "تعاقدنا مع مستشفى العزازي للأمراض النفسية، ومستشفى جامعة الزقازيق من أجل علاج تلك الحالات، وكل المستشفيات داخل الزقازيق تتعاون معنا" يكمل بدر، لافتا أن كل الأنشطة تخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي، منوهاً أن الدار تتضمن غرف نوم، بعضها يوجد فيه سريران، والأخرى يوجد فيها ثلاثة، مشيراً إلى أن هناك رحلات للترفيه يقدمها الدار للنزلاء. "الحمد لله عايشين حياة طبيعية دلوقتي"، يكمل عبد الرحمن، مشيرا إلى أن الدار تقدم لهم وجبات متنوعة يوميا، ففى الصباح يتناولون "الفول واللانشون والبيض والجبنة والبطاطس، ويشربون الشاي بعد الفطار، وفى الغداء يتناولون لحوما أو فراخا أو خضروات أو أية أنواع أطعمة أخرى، وفى العشاء يتناولون أطعمة خفيفة تختلف من يوم لآخر". «حكايات العذاب خلف الجدران» "الزهايمر والصدمة" كانا عائقين للحديث مع المٌسنين النزلاء داخل الدار، بسبب الظروف الصحية والحياتية القاسية التى تعرضوا لها، والتى أجبرتهم على نسيان كل ما يتعلق بماضيهم الأليم والصمت إجباريًا، فلم يكن أمامنا سوى الاستفسار عنهم من مسئولي الدار، ممن أنقذوهم من الشوارع، للسؤال عن تفاصيل حياة كل منهم من واقع ما رصدوه من المقربين والمجاورين لهم فى محيط أماكن تواجدهم. "عم عطية"، البالغ من العمر 66 عامًا، وأحد المقيمين بالدار، كان يعمل مدرس لغة فرنسية، ثم سافر للعمل فى إيطاليا، وكان يرسل أمواله بصورة منتظمة لشقيقه من أجل استثمارها له فى شراء عقارات وأراضي، وحينما عاد من السفر فوجئ بقيام شقيقه بالاستيلاء على أمواله، ليجد نفسه فى النهاية شريدا فى الشارع لمدة تزيد على 20 عاما، لا ناقة له ولا جمل، يأكل ويشرب من الأرصفة ويصاحب الكلاب والقطط، إلى أن انتشله مسئولو الدار من أمام الكوبري الجديد بالزقازيق، ليجد نفسه من وقع الصدمة بين أربعة جدران، ومصابا بمرض "فيروس سي"، لا يسأل عنه شقيقه، للدرجة التى رفض خلالها أبناء عمه فى المرة الوحيدة التى قاموا فيها بزيارته باستلامه طالبين من الدار أن يمكث لديهم. وأيضا عم جعفر الشهير ب"أبو شوال"، كما يقلبونه بالدار بعد العثور عليه ممسكا بشوال فى يديه، وهو أحد من شاركوا فى حرب أكتوبر، وبعد تعرضه للنصب عليه فى شراء أرض من قبل أحد التجار، تعرض لصدمة تسببت فى انعزاله عن المجتمع، ليجد نفسه يستقل القطار من القاهرة إلى بلبيس، ويمكث فى الشارع لمدة 22 سنة، وبعد فترة إقامة داخل الدار، عاد لأسرته بعد التعرف على هويته بعد نشر الدار صورته. حكاية أخرى من وراء الجدران تتعلق ب"عبد الفتاح"، الذي كان يقيم فى ألمانيا، ويمتلك عدة شركات هناك، بعد استيلاء شقيقه على ماله، ليجد نفسه مشردا لمدة 7 سنوات فى الشارع، ليصبح مريضًا نفسيًا إثر الصدمة، وبعد سنوات من تواجده داخل الدار عثرت أسرته عليه بعد التعرف عليه من قبل صفحة الدار على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك".