الرواية السعودية الرسمية التي أعلنت عنها النيابة العامة بالمملكة، بشأن مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بالمملكة، يبدو أنها لن تكون نهاية المطاف.. الجدل لم ينته، والحقيقة الكاملة لم تعلن، ونتائج التحقيقات حتى الآن ليست شافية، الأسئلة تزداد بلا إجابات يقينية، وحدها فقط الروايات المتضاربة تتقدم المشهد كل لحظة بزوايا جديدة، تثير الشكوك والألغاز أكثر وأكثر.. هذا هو الحال في قضية الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، الذي اعترفت السعودية يوم السبت الماضي، بمقتله داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، على أثر "شجار واشتباك"، إذ قررت النيابة العامة توقيف 18 مواطنا سعوديا ضمن إطار التحقيق في الحادث، بعد أكثر من أسبوعين على نفي الرياض التام. وفي ظل هذا الوضع المعقد بشأن قضية جمال خاشقجي، رغم الانفراجة من الجانب السعودي، مع اعتراضات دولية على الرواية التي أعلنت عنها التحقيقات الداخلية بالمملكة، والمطالبة بالمزيد من المعلومات الوافية، جاءت رواية جديدة قدمها مسؤول سعودي كبير، رفض الكشف عن هويته ل"رويترز"، كشف عن بعض الخيوط وأجاب عن عدد من وفي ظل هذا الوضع المعقد بشأن قضية جمال خاشقجي، رغم الانفراجة من الجانب السعودي، مع اعتراضات دولية على الرواية التي أعلنت عنها التحقيقات الداخلية بالمملكة، والمطالبة بالمزيد من المعلومات الوافية، جاءت رواية جديدة قدمها مسؤول سعودي كبير، رفض الكشف عن هويته ل"رويترز"، كشف عن بعض الخيوط وأجاب عن عدد من الأسئلة الغامضة، بداية من رصد تحركات خاشقجي حتى تهديده وقتله. ساعة الصفر بدأ التخطيط لعملية اغتيال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، بإرسال رئيس المخابرات العامة أحمد العسيري، فريقًا مكونًا من 15 سعوديا، للقاء الكاتب المعارض يوم 2 أكتوبر بالقنصلية، في محاولة لإقناعة بالعودة إلى المملكة، مع صلاحيات كاملة للفريق الأمني بالتصرف خلال العمليات "دون الرجوع للقيادة". خطة الفريق كانت الخطة محددة بمهام واضحة للفريق الاستخباراتي، وهي احتجاز جمال خاشقجي في مكان آمن خارج إسطنبول لبعض الوقت، ومحاولة إقناعة بالعودة إلى السعودية، وفي حال رفض العرض المقدم إليه وفشل إقناعه، يتم الإفراج عنه. ماذا حدث؟ تم توجيه خاشقجي، لمكتب القنصل العام، وبادر ماهر مطرب، أحد أفراد الفريق الاستخباراتي، بمهمة إقناعه، وبعد بدء الحديث بلحظات رفض الصحفي السعودي، العرض تمامًا وأبلغ "مطرب"، بأن شخصًا ما ينتظره بالخارج، وسيبلغ السلطات التركية في حال عدم ظهوره خلال ساعة. شد وجذب وتخويف الأمور سارت إلى نحو سيئ منذ بدايتها، وانتابت خاشقجي حالة من الغضب، وقال لمطرب، إن ما يحدث معه مخالف للأعراف الدبلوماسية والأنظمة الدولية، متسائلًا: "ماذا ستفعلون بي هل لديكم نية لخطفي؟".. مطرب لم يكذب خبرًا، ورد على خاشقجي سريعًا، مؤكدًا: "نعم سنخدرك وسنقوم باختطافك" في محاولة لتخويفه على عكس هدف المهمة. تطور مفاجئ المشادات اتخذت من هذه النقطة، مسارًا أكثر تصعيدًا، إذ بادر خاشقجي، برفع صوته، ما أصاب الفريق السعودي بذعر شديد، ثم حاولوا تهدئته وإسكاته بلا جدوى، قبل أن يلجأوا للعنف سريعًا، وتحولت المشادات إلى عراك بينهم، مع إصرار جمال على رفع صوته ومغادرة المكتب، ليضطروا إلى "تقييد حركته وكتم أنفاس.. لكنه مات، ولم تكن هناك نية لقتله". أين الجثة؟! لم يكن القتل مخططا له، لكن الفريق قرر التصرف لتغطية الجريمة، ولفوا جثة خاشقجي في سجادة، وأخرجوها، في سيارة تابعة للقنصلية، ثم سلمت ل"متعاون محلي" يقيم في إسطنبول (لم يُكشف عن جنسيته) للتخلص منها بمعرفته، ولا يعرف أي أحد من الفريق الاستخباراتي مكان الجثة. وبعد ذلك تولى صلاح الطبيقي خبير الأدلة الجنائية والطب الشرعي، مهمة إزالة أي أثر للحادث داخل القنصلية. خدعة بدائية حتى لا تنكشف الجريمة، لجأ الفريق إلى خدعة تبدو بدائية وغير محترفة، إذ ارتدى أحد أفراد الفريق ويدعى مصطفى المدني ملابس خاشقجي ونظارته وساعته الأبل، وغادر من الباب الخلفي للقنصلية كحيلة لإظهار أن خاشقجي خرج من المبنى، وتوجه المدني، إلى منطقة السلطان أحمد حيث تخلص من المتعلقات، ثم غادر الفريق تركيا سريعا قبل اكتشاف أمرهم. 6 أسئلة وجهت "رويترز" للمسؤول السعودي، عدة أسئلة شائكة في قضية مقتل خاشقجي، ورد على معظمها. • هل خنق الفريق الاستخباراتي خاشقجي؟ إذا وضعت شخصا في سن جمال في هذا الموقف سيموت على الأرجح. • هل عذب خاشقجي وقطع رأسه وجثته؟ النتائج الأولية للتحقيق لا تشير إلى ذلك، فقط تم لف جثة خاشقجي في سجادة وتسليمها ل"متعاون محلي" للتخلص منها. • لماذا أصرت السعودية على نفي الجريمة؟ رواية الحكومة الأولى استندت إلى معلومات خاطئة قدمتها جهات داخلية في ذلك الوقت، والفريق الاستخباراتي كتب تقريرا مزورا لرؤسائه، وقال فيه إنه سمح لخاشقجي بالمغادرة بعد أن حذر من أن السلطات التركية ستتدخل، وبمجرد ما تبين أن التقارير المبدئية كانت كاذبة، بدأت الرياض تحقيقا داخليا وتوقفت عن الإدلاء بالمزيد من التصريحات، والتحقيق مستمر. • لماذا سعت المملكة لعودة خاشقجي؟ الحكومة السعودية أرادت إقناع خاشقجي، الذي انتقل للإقامة في واشنطن قبل عام خوفا من الانتقام بسبب آرائه، بالعودة إلى المملكة كجزء من حملة للحيلولة دون تجنيد أعداء البلاد للمعارضين السعوديين. • من أعد خطة عملية خاشقجي؟ شكل نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري، فريقا من 15 فردا من الاستخبارات والأمن للذهاب إلى إسطنبول ومقابلة خاشقجي في القنصلية ومحاولة إقناعه بالعودة، والمستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني شارك في إعداد العملية. • لماذا هذا العدد الكبير؟ ولماذا ضم الفريق ضباط جيش وخبراء تشريح؟ جميع أفراد الفريق ومجموعهم 15 شخصا اعتقلوا ويجري التحقيق معهم إضافة إلى ثلاثة مشتبه بهم آخرين، وننتظر التحقيقات. وقال المسؤول السعودي، إن هناك أمرا دائما بالتفاوض على عودة المعارضين بطريقة سلمية، مضيفا أن "أمر العمليات يمنحهم سلطة التصرف دون الرجوع للقيادة". وقدم ل"رويترز" ما قال إنها وثائق مخابرات سعودية تكشف فيما يبدو عن خطة لإعادة المعارضين، بالإضافة إلى الوثيقة التي تخص خاشقجي. كما عرض شهادة من أشخاص ضالعين فيما وصفها بتغطية الفريق الذي ذهب للقاء خاشقجي على ما حدث والنتائج الأولية لتحقيق داخلي، ولم يقدم دليلا لإثبات نتائج التحقيق والأدلة الأخرى.