عمرو دياب في النهاية بشر، يمكن أن يُخطئ، خاصةً في الفترة الأخيرة، لكن نجاحاته وبقاءه على القمة هو من يُمرر تلك الأخطاء في سلام وإن كان لا يشفع له. قبل نحو 3 عقود كان الوضع على الساحة الغنائية المصرية مختلفًا تمامًا، شباب موهوبون يحاولون تقديم أعمال خارجة عن نص الأغنية الطويلة، والزي الرسمي المألوف، بموسيقى حديثة تعتمد على آلات جديدة، على رأسهم محمد منير، حميد الشاعري، عمرو دياب، بينما الأصوليون في الجانب الآخر يوجهون لهم اتهامات بأنهم يُساهمون في تدمير ذوق المستمع العربي، مرّت السنوات وتغير الحال، وأصبح هؤلاء رموزًا، خفت بريق أول اسمين لتقدُمهم في العمر، ولكن نجح الهضبة في أن يصبح رمزًا كذلك في القدرة على الاستمرارية والصدارة. على الرغم من معاناة كل نجوم هذا الجيل الوليد في بداياتهم، إلا أن عمرو دياب واجه حربًا أشرس، وكانت الرواية الرسمية المطروحة في كل وسائل الإعلام المقروة والمسموعة والمرئية تؤكد حتمية الزوال السريع للظاهرة الغنائية لهذا الشاب، يكفي للإشارة لذلك مقطع فيديو سجله المخرج جميل المغازي، ونُشر تحت عنوان "مواجهة على الرغم من معاناة كل نجوم هذا الجيل الوليد في بداياتهم، إلا أن عمرو دياب واجه حربًا أشرس، وكانت الرواية الرسمية المطروحة في كل وسائل الإعلام المقروة والمسموعة والمرئية تؤكد حتمية الزوال السريع للظاهرة الغنائية لهذا الشاب، يكفي للإشارة لذلك مقطع فيديو سجله المخرج جميل المغازي، ونُشر تحت عنوان "مواجهة عنيفة بين عمرو دياب ومفيد فوزي"، يواجهه الأخير ببداية الحوار برأي الموسيقار الكبير الراحل محمد الموجي، في الجيل الجديد، ويقول: "أنتم ولاد عاقين وأبناء غير بررة، ومفيش حاجة بتقدّموها تسعد الأذن المصرية والعربية، جيل بلا أساتذة ويملأكم الغرور ومش بتحترموا القديم"، فيرد عمرو ويبدو عليه التوتر: "أنا دارس في أكاديمية الفنون، واتولدت على القديم، وكون إننا عاقين فاعتقد إن ده افتراء". يقاطعه مفيد فوزي، محاولًا فقط مواصلة المزيد من الضغط على المطرب الشاب، ويقول: "هل أنتوا كمطربين شُبان لكم مستقبل ولا مجرد موضة وهتزول؟"، فيرد: "أتمنى إني أبقى موضة ومبقاش موضة، إني أعمل موضة فده يعني إني ليّا وجود، لكن لو الموضة دي انطفت على طول يبقى مليش أي لازمة"، يتابع مفيد: "جمال سلامة بيقول عليكم عندكم قيمة علمية، وأنا معترض ومذهول، هو أنت سعيد إنك من جيل محمد فؤاد وعلاء عبد الخالق؟ هل أنتوا بتقدّموا فن حقيقي مؤثر ويعيش؟"، فيرد عمرو: "أنا بشتغل وبتبهدل وبتعب ومش باخدها من ضرب الحظ، الافتراءات عليّا كتير أوي وملهاش أي لازمة، وأنا بحاول أعمل أغاني تعيش، حللوا أغانيّا هتلاقوها مش هقول كويسة، لكن مش بطالة".. يستمر الحوار على هذا النهج العنيف كما وصفه ناشره. قرر عمرو دياب التركيز على ما يُقدّمه فقط، وألا يعبأ بهذه الاتهامات، الكاتب بلال فضل يروي عن ذلك، في "الموهوبون في الأرض"، ويقول إنه جمعه في السابق جلسات عمل بعمرو دياب، بدافع أنه سيكتب فيلمه "الشهرة" الذي لم يخرج إلى النور بعد، لذا حكى له دياب الكثير عنه، ويقول فضل على لسان عمرو حول ما أثر على قراراته الفنية: "طول الوقت حاسس إني جاي في زيارة بس طوّلت، حاسس إني على طول مستني حاجة هتحصل، طول الطريق كان كل واحد عايز ياخدني لاتجاه وفي الآخر اللي نجحني حاجة مختلفة تمامًا، وهي مزيكة الشارع، اللي بيقول إني حصلي طفرة أغبياء جدًا، أنا بس بشتغل، مابعرفش أفكر بكرة فيه إيه بس بعرف ألّم الأحداث". راهن عمرو دياب بالفعل على بقائه ومبيعاته المذهلة التي بدأ يُحققها بمثل هذه النوعية من الأغاني، وقاد موجة جديدة من الأغنية العربية لا تعتمد على قوة الصوت فحسب، ولكن على الحس الجيد الملائم لذوق الشباب، وفي وسط هذا المناخ تعلم عمرو دياب الكثير من تجربته الوليدة، فغيّر من شكل الفيديو كليب، وشكله نفسه، وأولى اهتمامًا كبيرًا بتوزيع الأغنية، وأصبح الموزع نجم له حجم يوازي الملحن، أصبح يراهن على حداثته وتطوره، وأن "اللي تغلب به العب به" كما يقول المثل الشعبي، وأن الرهان على الجديد لا يخيب، وأن المهاجمين سيصمتون عنه طالما أنه يتقدم للأمام، وأنه لن تضره الأقلام المعارضة طالما أنه محتفظ بعوامل نجاحه. تلك القناعات لم يكتسبها عمرو دياب من فراغ ولا ما بين يوم وليلة، لعل أهم تلك المعارك التي خاضها في هذا الصدد وغيّرت من تفكيره، عام 1998، حينما نُشر له تسجيل يسخر فيه من "أم كلثوم"، ويتحدث عن أنها تُغني للشذوذ حينما قالت: "والنواسي عانق الخياما"، وسخر أيضًا من كلمات أغنيات لعبد الحليم حافظ، مثل "زي الهوا" وشاعرها محمد حمزة، ثم ازدادت الأمور سوءً حينما هاجم الموسيقار حلمي بكر، وقال: "ده ملحن فاشل"، وهاجم أيضًا مجدي العمروسي، وقال إنه يعيش على أشلاء الماضي، وقال أيضًا "أنا مايشرفنيش أغني في ليالي التليفزيون"، وفي نفس العام خاض معركة مع حكيم بسبب البوسترات، وأخرى مع المستشار الثقافي للسفارة الجزائرية. هذه التصريحات سبّبت لعمرو دياب العديد من الأزمات، فمُنع مثلًا من دخول الجزائر، ورُفعت ضده دعاوى قضائية، وأُلغي تكريمه في مهرجان الأغنية، وتعرض لهجوم واسع من الصحافة والإعلام، وانتهى ذلك بعد تدخلات منتجه آنذاك محسن جابر، وأخذه لبيت حلمي بكر، وقدّم له اعتذارًا رسميًا، وأصّر بكر أن لا تمر الواقعة سرًا، وخرج غلاف مجلة "الكواكب" في العدد التالي، حاملًا لمانشيت: "عمرو دياب: أنا موهوب 1000% لكن ذكائي محدود"، بعد تلك التنازلات أدرك عمرو أخطائه، وثبت له أن التركيز على ما يُقدّمه فقط هو الباقي له، وتجنب أية صراعات، وعزز بذلك انتصاراته المتكررة. في السنوات الأخيرة، تبدو تلك المنهجية التي اتبعها عمرو دياب جليةً في العديد من المواقف، فمثلًا حينما ثار عليه "فريق عمله" من كتاب وملحنين، مثل عمرو مصطفى وأيمن بهجت قمر، لم ينطق هو بكلمة واحدة حتى مرّت الأيام وقدّموا جميعهم اعتذارات له حتى يعاود العمل معهم، وحينما خرجت شيرين عبد الوهاب لتُهاجمه التزم الصمت تمامًا، بينما هي نالت نصيب وافر للغاية من هجوم محبيه وغيرهم باعتباره قيمة كبيرة، وحتى مع أخطائه كان يلتزم الصمت، فمثلًا مؤخرًا لا يمر له حفل إلا بأزمة، بدءً من ضربه أحد حراسه ب"القفا"، مرورًا بحفلته الأخيرة والتي هاجم فيها مُحب بضراوة لمجرد أنه طلب منه غناء "قال فاكرينك" لشاعره السابق المغضوب عليه بهاء الدين محمد. حتى في أزمة علاقته بالفنانة دينا الشربيني، فطوال عامين يتعرض الثنائي للشائعات، وسط تأكيدات مستمرة بزواجهما سريًا، إلا أنه لم ينطق بكلمة رغم صورهما المتداولة، حتى أظهرها على مسرحه في حفله الأخير دون التصريح أيضًا بطبيعة علاقتهما، فقط أراد إسكات الألسنة المُهاجمة لدينا بالفترة الأخيرة، يلتزم الصمت حتى وإن كانت معظم هذه الوقائع المتعلقة بأخطائه المتكررة مؤخرًا، وإخفائه لطبيعة علاقته بدينا لمدة عامين، يُعرضه للكثير من الهجوم، آخذًا درسًا كبيرًا من تجربته السابقة في حقبة التسعينيات تحديدًا. عمرو دياب في النهاية بشر، يمكن أن يُخطأ، خاصةً في الفترة الأخيرة، لكن نجاحاته وبقاءه على القمة هو من يُمرر تلك الأخطاء في سلام وإن كان لا يشفع له، يُمرر تلك الأخطاء رُغمًا عنك كناقد لهذه الأخطاء، يُمررها بالاستمرارية والبقاء والصدارة على مدار 35 عامًا منذ أن بدأ مشواره في نهاية الثمانينيات، ولا يزال.