في منتصف اليوم الثاني عشر من أكتوبر عام 1992 ضرب زلزال عنيف البلاد بقوة 5.8 ريختر وكانت الشوارع مليئة بالمباني المتهدمة.. وكانت عمارة مصر الجديدة حديث الجميع. عدد الضحايا لا يُعد ولا يُحصى في أقوى هزة أرضية حدثت في القاهرة خلال المائة عام الأخيرة، لم يدم الزلزال أكثر من دقيقة تقريبًا، غير أنه أصاب معظم العقارات السكنية بتصدعات وبعضها تهدم في ثوان معدودة، الكاميرات وعدسات وسائل الإعلام كانت جميعها مُسّلطة على عمارة «الحاجة كاملة» التي انهارت بالكامل في قلب ميدان هليوبوليس بحي مصر الجديدة، وتحولت لأنقاض في أقل من دقيقة كأنها أوراق كوتشينة مُبعثرة، وفرق الإنقاذ تعمل بجدية، شعرة رفيعة تفصل بين الموت والحياة. بعد مرور 26 عامًا على ذكرى «الإثنين الأسود» والزلزال المُدمر، الذي ضرب القاهرة وخلف وراءه ضحايا -قتلى ومصابين- وجبالا من الذكريات الحزينة والأوجاع تجثم على صدور كل من عايشوا هذه الأيام، بينما ترتفع اليوم في نفس المكان بميدان هليوبوليس بناية جديدة قائمة على أنقاض عمارة الزلزال الشهيرة ب«عمارة الحاجة بعد مرور 26 عامًا على ذكرى «الإثنين الأسود» والزلزال المُدمر، الذي ضرب القاهرة وخلف وراءه ضحايا -قتلى ومصابين- وجبالا من الذكريات الحزينة والأوجاع تجثم على صدور كل من عايشوا هذه الأيام، بينما ترتفع اليوم في نفس المكان بميدان هليوبوليس بناية جديدة قائمة على أنقاض عمارة الزلزال الشهيرة ب«عمارة الحاجة كاملة». بلوكات خرسانية وحواجز ضخمة تطوق الميدان من جميع التجاهات، لاستكمال مشروع محطة مترو هليوبوليس الجديدة، الحواجز والأسلاك الشائكة تحيط ب«عمارة الزلزال» التي توقف مشروع بنائها لأكثر من عقدين، فالجميع كان يتخوف من فكرة السكن في بناية أقيمت على أنقاض الموت، بمرور الوقت آلت ملكية الأرض إلى كنيسة الشهيد مارجرجس والأنبا إبرام بمصر الجديدة، التي استكملت بناء العقار بعد ضم الفيلا الأخرى المجاورة إليها لتحويل العقار الجديد إلى مبنى خدمات طبية تابع للكنيسة الأرثوذكسية. «التحرير» كانت هناك في الذكرى 26 لأحداث الزلزال والأهالي والجيران ما زالوا يتذكرون أحداث ذلك اليوم بذاكرة حديدية «كنت فوق في الدور التاني في صيدناوي فجأة لقيت حاجة بتنزل مرة واحدة وهي واقفة ملأت الدنيا تراب».. يحكي أحد العاملين في محل صيدناوي المقابل ل«عمارة الموت» عن أحداث يوم الإثنين الدامي. في الدور الأخير، كانت تقطن شقيقة الشاب أكثم إسماعيل، وهي من بين الناجيات في الزلزال (للمزيد: شرب البول ليعيش وابنته ماتت وهي تطلب البيبسي.. «أكثم» معجزة زلزال 1992) وفي أثناء ذلك يروي العامل الخمسيني أن الانفجار كان هائلًا حتى اهتزت أقدامهم من وقع الحادث بصورة جعلتهم يظنون أنه وقع في كنيسة مارجرجس القريبة، وبعد لحظات كانت الصدمة.. جميع سكان عمارة الحاجة كاملة لقوا مصرعهم تحت الأنقاض، الكل كان في حالة انهيار تام والأعصاب متوترة لا يصدقون من هول المفاجأة. صدمة الأهالي كانت قاسية، ولكن الصدمة الأكبر كانت على قلوب ذوي الضحايا، بينما حملت كل أسرة ذكريات خاصة لها عن ذلك اليوم الحزين، التي لم تخلُ من رواية عن عمارة الموت ذات الطوابق ال14، والتي لم ينجُ منها سوى خمسة أشخاص فقط. في بدروم بناية مجاورة، كانت تودع الشقيقة الكبرى ل«عزيزة السيد أحمد» قبل الذهاب إلى عملها في المطعم الموجود في الدور الأرضي لعقار هليوبوليس، ذهبت إليها بالإفطار ثم انصرفت ولم تعرف أنه الوداع الأخير. تتذكر شقيقة عزيزة ذلك اليوم، بل تلك الساعة الثالثة والنصف عصرًا بكل تفاصيلها وفي كل مرة تشعر بالانقباضة ذاتها في قلبها: «طلعنا نجري كلنا كانت العمارة كلها تراب وأختي كانت قاعدة في السبع عمارات شافت الغبار من هناك». ثلاث شقيقات جئن من صعيد مصر إلى القاهرة، بحثًا عن فرصة عمل عادلة، تسقط أصغرهن الطالبة الجامعية في أحداث زلزال 1992، وكان هذا هو عملها الأول والأخير.. رحلت دون استئذان، وماتت دون حساب، وحتى الآن لم يحصل ذووها على جنيه واحد من التعويضات. «بطلت أعدي من جنب العمارة، عشان ما افتكرش اليوم ده».. تقولها الشقيقة الكبرى التي تنهمر دموعها كلما مرّ أمامها شريط ذكريات الزلزال الأليم، وجثة عزيزة تتكوم بين الأنقاض، الأوجاع تتكرر كل يوم والجميع في حالة انهيار تام تفوق بمراحل العمارة المنهارة، يبحثون عن جثث ذويهم لاستخراج تصريح الدفن.
لا تزال تحتفظ الشقيقة الكبرى بقصاصات الجرائد المصرية الصادرة في أثناء وقوع زلزال 92 التي حُفِرت تفاصيله في ذاكرتها، وهي تتمنى لو كانت شقيقتها حاضرة اليوم. «كان نفسي أختي تبقى موجودة ما بينا حتى لو دراعها أو رجلها مكسورة» ولا تنسى في نهاية حديثها أن تتوعد صاحبة العقار المنهار بقولها: «لو شفت صاحبة العمارة هاجيب كرشها قدامي.. ديتها ايه عشان أرواح الناس دي مش لعبة عشان تموت زي الفروج.. عملوا إيه معاها؟ اتحبست 20 سنة، هتعوض الناس والأطفال والأرواح اللي ماتت في ثواني.. حسبي الله ونعم الوكيل فيها ذنب الناس دي يطلع من عنيها يا رب.. حرام دي لازم تتعدم في ميدان عام». يعتبر زلزال أكتوبر عام 1992، تجربة استثنائية بالغة القسوة، إذ يصنف كأحد أقوى الزلازل التي عرفتها مصر، حيث ضرب القاهرة في الساعة الثالثة و10 دقائق من بعد الظهر وتراوحت قوته بين 5.5 و9.5 درجة بمقياس ريختر، واستمر دقيقة واحدة، ما أدى إلى مقتل 545 شخصًا وإصابة 6512 آخرين وشرد نحو 50000 شخص، وتدمير 350 مبنى بالكامل وإلحاق أضرار بالغة ب9000 مبنى آخر. تشمل المدارس والمباني الحكومية والمساجد والكنائس، وبين القتلى نحو 200 طالب ولا تزال ذكريات الخوف والفزع والحزن تخيم في قلوب المصريين حتى الآن.