أكتب هذه السطور (صباح الجمعة) بينما الآلاف يتقاطرون على ميدان التحرير تلبية لدعوة بالمشاركة في مليونية «الإنذار الأخير» التي أطلقها طيف واسع من الأحزاب والجماعات والائتلافات الشبابية لدعم ومساندة مطالب الاعتصام السلمي الراقي المستمر في الميدان منذ أسبوع كامل. ولا ضير من التكرار وإعادة التذكير بالمطالب والشعارات التي يرفعها النبلاء الأنقياء المنخرطون في الاعتصام وهي: أولا: تحويل أغنية «العدالة الاجتماعية» التي يغنيها أهل الحكم الحالي آناء الليل وأطراف النهار، إلى قرارات فعلية وإجراءات عملية (هل تذكرون غنيوة الفقر والفقراء والألف قرية الفقرية التي كان يغنيها جمال مبارك وقطيع الحرامية بتوعه؟!). هذا المطلب ما كان له محل لو لم تكتف الحكومة على مدى شهور طويلة بالتغني بحلاوة ولطافة الست «عدالة» اجتماعية، وكيف أن عيونها كعيون المها الشاردة، وقدها ممشوق فارع وشعرها سايح نايح.. إلخ، ثم بعد كل هذا الغناء والغزل صنعوا موازنة عامة تبز في السوء والغباوة أسوأ موازنات نظام النشل الوطني الذي أسقتطه الثورة!! ثانيا: تشكيل حكومة جديدة تتمتع بالقوة والكفاءة والإخلاص لأهداف الثورة مع تمكينها من اختصاصات وسلطات حقيقية، بدلا من المشهد المزري الذي تسكنه حاليا حكومة الدكتور شرف، إذ تبدو وكأنها تشحت الاختصاصات والسلطات شحاتة من المحسنين أمام ضريح ستنا نفيسة (رضي الله عنها)، بينما أغلبية أعضاء هذه الحكومة مشتتون وموزعون على ثلاثة أجناس، جنس الغلابة التعبانين، وجنس الفلول الهربانين، وجنس الذين لم يكملوا تعليمهم. ثالثا: الإسراع بعملية تطهير مبرمج ومدروس لمفاصل الدولة ومؤسساتها المهمة من الفاسدين ومخلفات النظام المدحور، خصوصا مؤسسة الشرطة، والجامعات، ومرفق العدالة، وأجهزة إعلام الدولة. رابعا: عدم التلكؤ والمراوغة في إقامة العدالة الناجزة على القتلة واللصوص أعضاء عصابة مبارك، والكف عن الإخلال بمبدأ العلانية في محاكمتهم. خامسا: إعلان التزام واضح بوقف الإحالة العشوائية للمدنيين للمحاكم العسكرية، والإفراج فورا عن مئات الأبرياء الذين تعرضوا لمحاكمات جائرة انتهت بإدانتهم بتهم باطلة ومعاقبتهم بعقوبات قاسية ستسقط حتما إذا أعيدت محاكمتهم أمام القاضي الطبيعي المدني. سادسا: إسقاط القوانين والتشريعات المعيبة التي صدرت مؤخرا بمراسيم أشبه بفرمانات السلاطين، ويقع على رأس القائمة قانون الأحزاب الذي يمنح الأغنياء وحدهم إمكانية الدخول إلى ساحة المنافسة الحزبية (الحزب الواحد يحتاج إلى نحو مليوني جنيه لإنهاء إجراءات ترخيصه) وكذلك قانون تجريم بعض صور ممارسة حق الاحتجاج السلمي. هذه أهم مطالب الشعب العاجلة التي يعتصم لأجلها النبلاء في ميدان التحرير، لكن هناك من اختار أن يعارضهم وينأى بنفسه عن نضالهم، وأبرز هؤلاء النائين «جماعة الإخوان» وبعض الإخوة السلفيين الذين ما زالوا مخلصين لجهاز مباحث أمن الدولة المنحل الذي كان يسرحهم، وقد انضم للقائمة مؤخرا شيء مجهول يسمي نفسه «الأغلبية الصامتة» أو الخرساء، أو حاجة زي كده.. هؤلاء الخرس لو ضربت صفحا حضرتك عن قيامهم بنشل صفة «الأغلبية» ومنحها لأنفسهم، وأنهم «استحلفوا المجلس العسكري بالله»، في بيان بثوه من خلال مواقع إلكترونية تابعة لجماعة الإخوان، أن يمنحهم فرصة «التطوع» لتنفيذ مهمة قتل الثوار في ميدان التحرير بذريعة أنهم «عملاء وخونة» (!!) فلا بد أنك ستتوقف أمام إعلانهم اختيار ميدان روكسي ليكون مسرح تحركهم بعدما خرسوا دهرا ونطقوا كفرا، ثم تراجعهم بعد ذلك عن الوجود في الميدان، وإعلان أنهم سيكتفون بالسير في الشوارع الخلفية المجاورة له.. ورأي العبد لله أن الخرس كذبوا في المرتين من باب التمويه، وإعمالا لقاعدة «الحرب خدعة»، وأرجح ظهورهم اليوم (أمس) في منتجع مارينا على هيئة «قناديل البحر».