أكتب اليوم وتحت يدي دليل أظنه لا يقبل أي تشكيك، إذ يقطع بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يمسك الآن بزمام السلطة المطلقة، يتمتع برحابة صدر، وروح تنزع إلى التسامح الشديد، وإيمان بالديمقراطية صادق وعميق جدا وربما نادر المثال. وقبل أن تتسرع عزيزي القارئ، وترميني بالنفاق والمداهنة وتظنني انقلبت على نفسي ودخلت في زمرة الجماعات والحاجات التي اقتحم أغلبها مسرح السياسة فجأة وبالعافية بعد نجاح الثورة وهم متسربلون بعباءات الدين للتمويه والإرهاب، فإنني أسألك الصبر قليلا مسافة بضعة سطور سوف أشرح لحضرتك فيها دليلي، فتتأكد أنه لا نفاق ولا مداهنة في الأمر، بل مجرد اعتراف بحقيقة ألهمني إياها تأمل ما فعله الإخوة الخرس الذين أشرت إليهم في زاوية الأمس، واستغربت قيامهم بنشل وصف «الأغلبية» وتقديمهم أنفسهم تحت مسمى «الأغلبية الصامتة» التي نطقت أخيرا بالكفر، وتوعدتنا علنا بالخروج أول من أمس (الجمعة) لمواجهة ثوار التحرير وإعلان التأييد والمبايعة والدعم للمجلس العسكري الذي كانوا ألحوا عليه في الرجاء واستحلفوه بكل غال ورخيص أن يمنحهم فرصة «التطوع» في فرق قتالية تتولى قمع المعتصمين في ميدان التحرير وتقتلهم، إذا لزم الأمر. الجماعة الخرس هؤلاء نفذوا وعيدهم فعلا، لكن بدلا من أن يظهروا كما توقعت أمس على هيئة قناديل بحر سامة في شواطئ منتجع مارينا، رأيناهم على شاشات التلفزة، وقد هبطوا من المجهول على منطقة ميدان روكسي، وكانت المفاجأة صاعقة ومزدوجة أيضا.. فمن جانب، ورغم أنهم نعتوا أنفسهم بأنهم «أغلبية»، فإن منظرهم كان يصعب على الكافر وهم يحتشدون بأعداد هزيلة لا تزيد في أكثر التقديرات مبالغة على بضع مئات قليلة من الأشخاص + عدد (6) نظارات شمسية سوداء من ماركات مختلفة، ثم كان الله بالسر عليما!! أما الوجه الآخر للمفاجأة فقد تبدى عندما ردد الحشد الأخرس هتافات وشعارات تبين منها أنهم لم يخرجوا كما ادعوا لإعلان دعم وتأييد المجلس الأعلى، وإنما لتأييد أحمد شفيق والاعتراض على قيام المجلس بإقالته قبل خمسة أشهر، وهو خبر لم يسمعوا به أيامها، بل تسرب إلى مسامعهم الأسبوع الماضي فقط، لهذا سارعوا بالتحرك لاستعادة حكومة الأخ شفيق رغم أنف جنرالات الجيش. والحال أنني انتظرت طوال ساعات نهار الجمعة ثم صباح السبت، وأنا أتوقع بين لحظة وأخرى سماع نبأ أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر أوامره باعتقال كل أخرس يثبت مشاركته في هذه المسخرة «الروكسية» وإحالة الجميع إلى محاكمة عسكرية عاجلة، (فضلا عن تحريز ومصادرة النظارات السوداء الست) بتهمة ارتكاب جريمتين على الأقل، أولاهما إهانة الجيش المصري وقيادته عن طريق الادعاء الكاذب بأنه من بين 85 مليون مصري لا يناصر القوات المسلحة ومجلسها الأعلى سوى هذا العدد التافه. والتهمة الثانية هي الخداع والكذب الصريح، فقد أعلن الخرس، في بيان نشرته مواقع عدة بعضها تابع لجماعة الإخوان، أنهم سيتظاهرون دعما للمجلس العسكري، فإذا بهم يفعلون العكس وينتقدون قيام المجلس بإقالة شفيق وحكومته. غير أن ما حدث أنني زهقت من الانتظار الطويل من دون أن يأتي خبر القبض على «الأغلبية التعبانة» المذكورة، فشرعت في كتابة هذه السطور ولا شيء في رأسي إلا واجب الإشادة بسماحة وأريحية المجلس العسكري، الذي لو كنت مكانه وأتمتع بالسلطات التي في يديه حاليا، لأمرت بإعدام زمرة الخرس الكذابين هؤلاء فورا ومن دون محاكمة، عقابا لهم على قلة القيمة التي حاولوا تلطيخي بها.. فاحمدوا ربنا أنني لست مجلسا ولا عسكريا.