العباسيون الذين يحلو لهم وصف أنفسهم بأنهم ممثلو «الأغلبية الخرساء» استمروا يوم الجمعة الماضى فى تحدى إعاقتهم وخرسهم المزمن ونطقوا مجددا هاتفين بهتافين اثنين لطيفين وطريفين جدا، لكنهما أثبتا بما لا يدع مجالا لأى شك أن إخواننا هؤلاء «عباسية» فعلا، بل عباسية تماما ونهائيا ولا أمل فى شفاء عاجل أو آجل، إذ يبدو أن العملية نجحت والمريض مات والطبيب كذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هتاف الخرس الأول كان «بالروح بالدم نفديك يا مبارك».. هل ضحكت؟ عيب كده.. أرجوك لا تضحك ولا تسخر من علة ومصيبة إخوة لك فى الإنسانية (رغم أى شىء) أو على الأقل أجّل الضحك قليلا، فهناك ما هو أظرف وأفكه وأشد مسخرة، أعدك بأنك لن تنتهى من هذه السطور قبل أن تظفر وتفوز به إن شاء الله. وبدل الكركرة تعالَ معى نتأمل فى معنى ومبنى الهتاف آنف الذكر.. ولنبدأ ب«المبنى»، فأنت لا شك تعرف كما الدنيا كلها أن العباسيين الخرس الذين سكتوا وانكتموا دهرا ونطقوا الآن فقط كفرا، ظلوا كل هذا العمر الطويل لا ينطقون ولا ينبسون ببنت شفة لأسباب لها علاقة بالنفاق والخوف وأشياء أخرى، ومن ثم فإن تعهدهم وادعاءهم بأنهم مستعدون لدفع الروح والدم فداء للمخلوع أفندى ليس إلا ادعاءً كاذبا ومحض كلام هجص وأونطة لن يصدقه المخلوع نفسه ولن يأخذه مأخذ الجد. فأما عن المعنى الكامن فى بطن الشعار المذكور فهو غريب ومثير للعجب حقا ويشى ب«عباسية» متأخرة ومتطرفة جدا.. لماذا؟ لأن إخواننا الخرس هؤلاء خرجوا إلى الشوارع وغالبوا إعاقتهم وعلتهم بهدف معلن هو النفاق وإظهار التأييد والمبايعة للمجلس العسكرى الذى ورث سلطة حكم البلاد من الأستاذ المخلوع حسنى مبارك، غير أنهم لما التأم جمعهم وترصص بعضهم بجوار بعض أخذتهم الجلالة وراحوا يصرخون مرددين شعارا ينافق المخلوع لا جنرالات المجلس الذين حبسوه فى المستشفى ووضعوا نجليه فى السجن.. حَوَل عقلى بعيد عنك، أليس كذلك؟! غير أن آية نادرة من الحَوَل العقلى الأصلى ستجدها مجسَّدة على نحو مدهش وبديع فى الهتاف الثانى الذى شق به خرس العباسية حناجرهم الصدئة أول من أمس، فقد أرادوا أن يذهبوا بعيدا فى إرضاء غرائز الست «وطنية» الرقاصة وحاولوا أن يظهروا أمام حضرتها امتعاضهم وزعلهم الشديد من أمريكا لأنها انتقدت مؤخرا عمليات القتل والقمع الوحشى التى تَعرّض لها المعتصمون السلميون أمام مبنى مجلس الوزراء، فإذا بهم يهتفون ويصرخون بحرقة وحماس قائلين: «يا أوباما يا جبان، يا عميل الأمريكان»! طبعا أنت تعرف أن «أوباما» عميل الأمريكان هذا هو نفسه باراك أوباما رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، بيد أنك لو كنت مثل هؤلاء العباسيين وتتمتع بالنباهة العقلية التى يتمتعون بها ما كنت استغربت أبدا ولا ضحكت حتى استلقيت على قفاك من اتهام الرئيس الأمريكى ومعايرته بأنه جبان وعميل للأمريكان، لأن عقلك «الفسفس النونو» كان سيصور لك أن رئيس أمريكا لا يجب أن يكون رعديدا وجبانا لدرجة أن يستجيب للمغريات ويهبط فى مستنقع الخيانة ويصير عميلا للأمريكيين الذين انتخبوه رئيسا، فالثابت علميا وتاريخيا أن رؤساء أمريكا جميعا كانوا يحصلون على أصوات ناخبيهم هناك فى الولاياتالمتحدة لكنهم يمارسون العمالة لصالح سكان العباسية هنا، والعكس بالعكس، بمعنى أن الرئيس العباسى قد يختاره العباسيون الخرس قائدا وزعيما لكنه يحتفظ دائما بالولاء لسكان القارة الأمريكية و... صباح الخير بالليل.