بعدما حلّ القطاع الخاص مكان القطاع العام في الإنتاج السينمائي مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، قرر الفنان نور الشريف، تبني مُخرجين جُددا، وشجعهم على تجربة الإخراج، وقال في أكثر من لقاء «تقديم موهبة الممثل سهلة، لكن إنك تقنع مُنتج يقدم مخرج شيء صعب، لذلك كان لازم أقف جنب مخرجين جدد»، فتجده البطل الأول في مسيرة مُخرجين أصبحوا كبارًا في تاريخ السينما المصرية، من بينهم على سبيل المثال، العبقري محمد خان، وكان نور بطل أول فيلمين له، وهما «الرغبة» و«ضربة شمس». وفي هذا التوقيت، قرر نور الشريف التعاون مع مُخرج آخر واعد، وهو عاطف الطيب، الذي خاص معه تجربة الإخراج للمرة الأولى من خلال فيلم «الغيرة القاتلة»، قبلها عمل كمساعد مخرج في العديد من الأفلام، من أبرزهم «إسكندرية ليه»، وكان الشريف يعلم وقتها أنه يتعامل مع مُخرج كبير، لذلك ورغم فشل التجربة الأولى لهما، استمرا في التعاون حتى أطلق عليهما التوأم الفني، وحتى وصل عدد الأفلام التي تعاونا فيها إلى 9 أفلام، من إجمالي 21 فيلمًا لعاطف الطيب، أي بمثابة نصف أعمال الأخير. الغيرة القاتلة عام 1982 مكث المُخرج عاطف الطيب في منزله يبكي من شدة الانتقادات التي وجهت لتجربته الإخراجية الأولى، وهو الفيلم الروائي "الغيرة القاتلة"، لكن نور الشريف وقتها شعر أنه أمام مُخرج جيد، بالفعل الفيلم لم يخرج بشكل يُعجب الجميع، لكن تشجع للعمل معه مرة أخرى، وفي وقت سريع استطاع الطيب أن يخرج من الأزمة بمساعدة محمد خان وبشير الديك ونور الشريف، وقدما في نفس العام فيلم «حطمت قيودي»، الذي قام نور الشريف وقتها باقتراح اسم آخر، وهو «سائق الأتوبيس» ليتم الاستقرار في النهاية على اسم «سواق الأتوبيس». «سواق الأتوبيس» سواق الأتوبيس هو الفيلم الأهم في تاريخ كل من شاركوا فيه، لأنه أعلن عن مُخرج سيغير من شكل صناعة السينما وبداية سينما الواقعية، إضافة إلى أداء نور الشريف، الذي ظهر بمستوى عال في أداء لم يقدمه من قبل، حتى إنه حصل على جائزة التمثيل من مهرجان نيودلهي السينمائي ليصبح نور الشريف أول مصري ينال جائزة دولية في سابقة لم تحدث من قبل. ومن المعروف أن المُخرج الناجح ليس هو المُخرج الذي يعطي كادرات وزوايا كاميرا فقط، إنما هو المُخرج الذي يظهر توجيهه الجيد للمثلين في إعطائهم الأداء المطلوب، الأمر الذي حدث مع نور الشريف في سائق الأتوبيس، لدرجة أنك تنسى في الفيلم أن هذا هو نور الشريف، وتجد نفسك أمام «حسن سلطان» سائق الأتوبيس، واستطاع عاطف الطيب إدراج الفيلم ضمن أفضل عشرة أفلام قدمتها السينما المصرية في تاريخها. الزمار وبعد نجاح سواق الأتوبيس في 1982، قرر الثنائي التعاون في 1985 من خلال فيلم «الزمار»، وهو فيلم مأخوذ عن مسرحية هبوط أورفيوس للكاتب تينسي ويليامز، وكتب له السيناريو والمعالجة الدرامية رفيق الصبان وعبد الرحيم منصور، تناول الفيلم حياة طالب الهندسة الشاب، الذي يقدم مسرحية تجعله مضطهدًا ومُطاردا من قِبل السلطة، ليتنقل من قرية إلى قرية إلى أن يستقر به الحال في قرية العرابة، ويعمل بائعًا في بقالة، في هذا الفيلم يتناول نور الشريف وعاطف الطيب الأفكار التي اتفقا فيها، وهي الثورة ضد الظُلم والقهر، لكن عكس فيلم سواق الأتوبيس كانت رؤيا الزمار سوداوية، حيث انتهى الفيلم بقتل حسن الزمار، وهو ما أخذه البعض إشارة منهم بانتصار الظُلم. ضربة معلم يغيب الثنائي بعد فيلم الزمار، ويعودان عام 1987، ويقدمان فيلم «ضربة معلم»، وعلى طريقة نور الشريف، التي كان يتبعها، وهي محاولة مزج مشواره الفني بين الأعمال التجارية والأعمال التي تُرضيه شخصيًا، وتُعبر عن أفكاره، وفي هذه الحالة كان يلجأ لعاطف الطيب. ضربة معلم محاولة أخرى من الثنائي لإعادة سواق الأتوبيس ومُناقشة الظُلم الواقع على المُجتمع، وهذا ما كانت تتميز به سينما عاطف الطيب، لكن لم يصلا خلال ضربة معلم إلى أداء سواق الأتوبيس، لكن هذه المرة قررا أن يعطيا جزءًا من الأمل بانتصار الحق في النهاية. كتيبة الإعدام وفي 1989 تعاونا الثنائي نور الشريف وعاطف الطيب في فيلم هو الأشهر في مسيرتهما، وهو فيلم «كتيبة الاعدام»، والفيلم قائم بالأساس على تيمة شهيرة، وهي تيمة الانتقام، لكن يقرر عاطف الطيب أن يقدمها في إطار وطني بتوقيع المؤلف الشهير أسامة أنور عكاشة في أولى تجاربه السينمائية. لكن لم يكن شخصية نور الشريف في الفيلم مضيئة، لكنه وحسب رأي النُقاد قدم الشخصية، كما هي مكتوبة، وكما هو متطلب الدور، فهي شخصية أحادية لا يوجد بها تفاصيل تجعل نور يُبدع، ونال الفيلم انتقادات على مستوى ضعف السيناريو، نظرًا للمعالجة غير المنطقية لبعض الأحداث. قلب الليل وفي نفس العام يقرر نور الشريف وعاطف الطيب تقديم فيلم "قلب الليل"، والمأخوذ عن رواية للأديب نجيب محفوظ، قام بوضع المعالجة السينمائية لها محسن زايد، ويقدم نور خلال هذا العمل شخصية "جعفر"، الذي يقرر التمرد، ويقوم بالزواج من راعية الغنم "مروانة" ليطرده جده من قصره، فلا يستطيع أن يُدبر معيشته هو وزوجته، يتركها ويتزوج من سيدة ثرية لتنفق عليه، فيجد نفسه أمام صراع لإثبات ذاته. أشاد النقاد وقتها بأداء نور الشريف، الذي استطاع بكل حرفية التنقل بالشخصية في مراحلها العمرية المختلفة، الشخص الذي يردد نظريات واهية وكلاما ربما لا يفهمه سواه، وليس من السهل تحويل رواية بهذا الحجم إلى نص سينمائي، لذلك وصف الكثير هذا الفيلم بالفلسفي، وتمت الإشادة بعاطف الطيب أنه استطاع الخروج سينمائيًا بالرواية بهذا المستوى. ناجي العلي عام 1992 قرر نور الشريف قرارا جريئا بإنتاجه فيلما يقدم فيه شخصية المناضل الفلسطيني «ناجي العلي»، واتفق مع عاطف الطيب لإخراجه، الفيلم كان يحمل همًا عربيًا من مُخرج ومُنتج وفنان يحملان هم الوطن العربي، التحديات كانت كبيرة على نور الشريف لتقديم شخصية ناجي العلي من محاولة إجادة اللجة والوصول لروح المناضل الحر، لكن لم يكن في حُسبانه أن الفيلم، وهو في مرحلة الصُنع سيواجه حملات شرسة إفشاله. كان الهجوم على نور الشريف وعاطف الطيب مُمنهجًا، وكانت موجة وقتها تصدرتها إحدى الصحف القومية، حينما كرست صفحاتها للهجوم على نور وعاطف، ووصل الأمر لاتهامهما بالخيانة، وتلقى أموال من منظمات فلسطينية لتقديم هذا الفيلم. الانتقادات الشديدة لم تمنع الفيلم من عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكن وفي واقعة غريبة ذكرها الفنان نور الشريف، وهو أن الرئيس الفلسطيني طلب من الرئيس مبارك عدم عرض الفيلم بمهرجان القاهرة، لكن مُبارك وقتها استشار أسامة الباز، الذي شاهد الفيلم ورفض طلب ياسر عرفات، وعُرض الفيلم بمهرجان القاهرة، ولاقى إشادات كبيرة من الحاضرين. دماء علي الأسفلت ثم يختار عاطف الطيب نور الشريف في فيلم دماء على الأسفلت في نفس العام 1992، لتجسيد شخصية الدكتور سناء الشقيق الأكبر لأبناء أبو الحسن باشكاتب وزارة العدل، الذي أنجب ثلاثة أبناء، وهم "سناء وعلاء وولاء"، سناء الشخصية التي يقدمها نور الشريف يعمل في مركز مرموق بإحدى المنظمات الدولية خارج مصر، ويصطدم بأن والده مُتهم بسرقة ملف إحدى القضايا الهامة، فيعود للوقوف بجواره ليفاجأ بأن الانحلال قد أصاب أسرته. يعتبر فيلم دماء على الأسفلت من أول الأفلام، التي دقت ناقوس الخطر حول التفكك الأسري والمخدرات، ويتناول الفيلم التغيرات التي طرأت على المجتمع، وقصدت الطبقة الوسطى منه، وهي الطبقة الأكثر تماسكًا، كما أنه ألقى الضوء على عالم تجارة الأعضاء. ليلة ساخنة فيلم ليلة ساخنة هو الفيلم الذي شهد عودة الثنائي عاطف الطيب ونور الشريف بقوة مرة أخرى، رُبما لم يكن يعلم الثنائي أن هذا الفيلم هو الفيلم الأخير، الذي سيجمعهما، فالفيلم هو صرخة مدوية منهما مرة أخرى بعد سواق الأتوبيس على الظلم والقهر، تحدثا فيه عن القاهرة، وما تحمله من فساد وقهر لسُكانها، من خلال ليلة واحدة وهي ليلة رأس السنة. مفارقة هذا الفيلم في قيام نور الشريف بدور سائق أيضًا كما في فيلمه "سواق الأتوبيس" مع عاطف الطيب، لكن وعلى الرغم من ذلك فسائق "سواق الأتوبيس" يختلف تمامًا عن سائق "ليلة ساخنة" بما لكل منهما من معطيات وظروف، لكن اختتم عاطف الطيب مسيرته مع نور الشريف بهذا الفيلم، ثُم رحل بعدها عام 1995، وهو نفس العام الذي قدم فيه ليلة ساخنة. يقول عاطف الطيب في أحد حواراته بأنه كان يستعين دائمًا بالنجم نور الشريف في أفلامه، لأنه الفنان الوحيد، الذي كان يصل إلى ذروة الأداء الفني الذي يتخيله، وهو يعمل على تحضير الفيلم.