تعد القارة السمراء موطنا للاستثمارات الصينية الضخمة، كما أنها تضم أول قاعدة عسكرية صينية خارج البلاد، حيث من الممكن أن تشهد الفترة المقبلة تزايد نفوذ الصين في إفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بكين نفسها كوسيط في الصراعات السياسية. ومن المقرر أن يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينج جولة إفريقية، خلال الأيام القليلة القادمة، يزور خلالها، السنغال ورواندا وجنوب إفريقيا. وأشارت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، إلى أنه في الوقت الذي تستثمر فيه الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية الممتدة على مستوى إفريقيا، تقوم بزيادة جهودها الدبلوماسية لمضاهاة حضورها المتزايد على الساحة العالمية. وفي جميع أنحاء العالم النامي، كانت بكين تشارك في دبلوماسية الوساطة، وهو أسلوب لحل النزاع حيث تكون فيه الوسيط الوحيد أو الرئيسي، وذلك لحماية أصولها وكسب الاعتراف بها كقوة عظمى محترمة. وتعد إفريقيا، ساحة تدريب لجهود السلام الصينية، ففي عام 2007، عينت بكين أول ممثل خاص لها في دارفور التي ضربتها الإبادة الجماعية للمساعدة في تحقيق تسوية سياسية، وفي عام 2015، جمع المسئولون الصينيون الأطراف المتحاربة في جنوب السودان لإجراء مفاوضات. وخلال الأسبوع الجاري، عرضت الدولة الشيوعية التوسط في نزاع حدودي بين إريتريا وجيبوتي، حيث تستضيف الأخيرة القاعدة العسكرية الأولى للصين خارج أراضيها. اقرأ المزيد: الصين تنافس فرنسا في مستعمراتها الإفريقية السابقة ومن المفترض أن يسهم دور الوسيط الذي تلعبه بكين في زيادة نفوذها في الدول التي تستضيف الاستثمارات الصينية، مثل السنغال ورواندا وجنوب إفريقيا. وقال باحثون في مبادرة الصين إفريقيا للبحوث، وهي برنامج في جامعة جونز هوبكنز: "إن النظر إلى بكين كوسيط في النزاعات الإقليمية يساعد بشكل كبير في تلميع صورة الصين". وفي إفريقيا، أقامت إدارة شي روابط عسكرية أكبر، ومن الضروري أن تحمي بكين استقرار الدول التي تمتلك فيها مصالح اقتصادية. وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أن الكثيرين يعتقدون أن مخاوف الصين بشأن استثماراتها في زيمبابوي هي التي أسفرت عن الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق روبرت موجابي في نوفمبر من العام الماضي، وهو اتهام نفته إدارة شي. ووفقًا لرؤى الرئيس الصيني حول "مجتمع المصير المشترك"، وهي عبارة استخدمها مرارًا وتكرارًا في خطبه، فإن "نمو ورخاء الصين يصبح جزءًا من تجربة جميع الدول الأخرى"، مضيفًا أن هذا النوع من التفكير "يمكن أيضا أن يفسر على أنه نوع من السياسة الخارجية أو النفوذ السياسي المتزايد". وترى "سي إن بي سي" أنه تطور جديد في الفكر الدبلوماسي الصيني التقليدي، فمنذ عام 1954، أكدت الصين أنها تتبنى منهج عدم الاعتداء المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، لكن الطموحات السياسية للبلاد تضخمت بشكل كبير في عهد شي، وأدى ذلك إلى تغيير النهج. اقرأ المزيد: الصين في إفريقيا.. «يد تحمي السلام ويد تبيع السلاح» ومع المشاريع التجارية والاقتصادية الصينية التي تمتد الآن في جميع أنحاء العالم في إطار مبادرة الحزام والطريق، تكثّف حكومة شي الجهود لتأمين العمال والمصالح الصينية في الخارج. وفي عام 2017، استضافت بكين اجتماعا مع وزيري خارجية أفغانستان وباكستان، لإنهاء الأعمال العدائية الإرهابية بين البلدين، حيث سعى شي إلى دمج كابول في "ممره" الاقتصادي إلى إسلام أباد الذي تبلغ تكلفته 57 مليار دولار. وشهد العام الماضي أيضا احتمالية مشاركة شي في إجراء محادثات ثلاثية مع إسرائيل وفلسطين، كما اقترح خطة سلام لوقف عمليات التطهير العرقي في ميانمار، والتي تستضيف منطقة اقتصادية خاصة يتم بناؤها من قبل تحالف تقوده الصين. لكن محاولات الصين للتوصل إلى السلام في أنحاء العالم قد تكون محدودة، حيث إن هدفها الأساسي هو خلق مناخ مستقر لاستثماراتها العالمية، لذا من غير المحتمل أن تكون غير راغبة في فرض النتائج أو ممارسة الضغط. وكان وزير الخارجية الصيني وانج يي، قد صرح في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، في أكتوبر الماضي: "ستكتشف الصين بنشاط طرقا ذات خصائص صينية لحل القضايا الساخنة، وستلعب دورًا أكبر وبنّاء في دعم استقرار العالم". وكتبت آنجيلا ستانزل، الباحثة السياسة في قسم آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الرغبة في تقديم الحلول ذات "الخصائص الصينية" أمر مهم. اقرأ المزيد: لماذا توسع الصين وجودها العسكري في إفريقيا؟ وأضافت "أن الآثار الكامنة وراء هذا العرض هي أن الصين في وضع أفضل لحل المشاكل الإقليمية والعالمية من الدول الأخرى، وخاصة الولاياتالمتحدة". وأشارت ستانزل إلى أنه من المتوقع أن تسعى بكين إلى إثبات أنها، خلافًا للدول الغربية، لا تفرق بين الحكام الديمقراطيين والديكتاتوريين.