يعد الأرز وجبة غذاء رئيسية للأسرة المصرية لا تكاد المائدة تخلو منها وهو الطعام الأكثر استهلاكا بعد الخبز، إلا أن قرار الحكومية بتقليص مساحته المزروعة واستيراده من الخارج بات يهدد استمرار الأرز كوجبة رئيسية على موائد المصريين، ويحتل الأرز المركز الأول عالميا في وفرة الإنتاج، والمركز الثاني على مستوى الجودة. وتطرح "التحرير" في هذا الملف كل ما يتعلق بالأرز المصري،من حيث أهميته وجذور الأزمة التى يعانى منها. زراعة الأرز في مصر يرجع تاريخ زراعة الأرز فى مصر إلى عصر الخلفاء الراشدين فى أواخر القرن السادس الميلادي، ويحتل المرتبة الثانية بعد القمح كغذاء رئيسي للشعب المصري، كما حققت مصر أعلى إنتاجية منه فى العالم بفضل جهود الباحثين المصريين على مدى عقود، حيث تم استنباط أصناف ذات إنتاجية عالية ومقاومة للأمراض وقصيرة العمر. متى ظهرت مشكلة زراعة الأرز؟ بدأت مشاكل زراعة الأرز فى مصر عام 2007، بسبب عدة عوامل من بينها: - استهلاك الأرز العالي للمياه، وهو ما بات يشكل عبئا كبيرا على الموارد المائية، يصل إلى حد تهديد الأمن القومي على حد تعبير المسئولين. - اعتماد الشعب المصري على الأرز كغذاء رئيسي، مع ارتفاع أسعاره عالميا، وهو ما أصبح يشكل تهديدا للأمن الغذائي، حال عجز الحكومة عن توفيره بسعر يتناسب مع معدل الدخل فى مصر. - عجز الدولة عن تحديد وضبط المساحات المنزرعة، وعدم استجابة الفلاحين لتوصيات الدولة المتكررة بالحد من المساحات المزروعة به، حيث تمت زراعة مليون و250 ألف فدان به عام 2016، رغم تحديد الدولة للمساحات المسموح لها بزراعته بمليون و76 ألف فدان في هذا العام. - يعد الأرز المحصول الصيفي الوحيد المجزي للفلاح، ويتميز بوفرة إنتاجه، كما يتيح الفرصة للفلاح لزرع بعض المحاصيل الأخرى في بداية الصيف في الأراضي المخصصة لزراعة الأرز. عدم وجود استراتيجية محددة للدولة حيث تتضارب القرارات من عام لآخر منها عدم التعامل مع الأرز باعتباره سلعة استراتيجية وتخزين كمية استراتيجية منه تجعل الدولة هي المتحكم الأكبر، وعدم تسعير المنتج قبل الموسم. ففي عام 2015 لم تسعر الحكومة الأرز، مما اضطر الفلاحين لبيعه للتجار بسعر 1500 جنيه، لتقوم الدولة بعد ذلك بتسعير طن الأرز ب2050 جنيها للطن، مما دفع التجار لتخزين الأرز للاستفادة من ارتفاع سعره بدلا من توريده لتعطيش السوق ورفع السعر ثم بيعه بأسعار أعلى، واضطرت الحكومة آنذاك إلى إصدار أمر لوزارة التموين باستيراد 80 ألف طن بشكل عاجل من الخارج بالأسعار العالمية. أزمة نقص المياه بلغت المساحة المنزرعة بالأرز فى مصر عام 2017 ما يقارب مليون ومائة ألف فدان، ووفقا لأرقام وزارة الزراعة، يستهلك فدان الأرز 7000 متر مكعب من المياه سنويا بإجمالي ثمانية مليارات متر مكعب سنويا، علماً بأن حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا، بينما تبلغ موارد مصر المائية الإجمالية 79 مليار متر مكعب سنويا. عام 2016 بلغ إنتاج مصر من الأرز 1.5 مليون طن، وهو ما يتجاوز حجم الاستهلاك البالغ 4 ملايين طن، بأكثر من مليون طن توجه للتصدير بعائد يتجاوز مليار دولار سنويا، قبل أن تقرر الحكومة فى 10 أغسطس 2016 وقف تصدير الأرز مع تحديد سعر الطن ب2300 جنيه للحبة الرفيعة و2400 جنيه لطن الحبة العريضة، وهو ما رفض معه المزارعون توريد الأرز للحكومة التي كانت تستهدف شراء 2 مليون طن لإعادة تصديره بسعر أعلى. كما قررت تخفيض المساحات المزروعة اعتبارًا من 2018 لتصبح 700 ألف فدان بنسبة 30% وفقا للبيانات الرسمية التى أعلنتها الحكومة أقل من العام السابق، الذي بلغت المساحة المنزرعة بالأرز فيه مليونا و76 ألف رسميا، مع حظر زراعة الأرز فى غير المناطق المصرح بها، طبقا للمادة 38 من قانون الري والصرف، مع توقيع الغرامة المنصوص عليها فى المادة 94 من القانون نفسه، وتحصيل قيمة المياه الزائدة عن المقررة لزراعة الأرز طبقاً للمادة 53 من اللائحة التنفيذية للقانون، كما قررت استمرار حظر تصدير الأرز لأجل غير مسمي. كما حددت خطة وزارة الزراعة المحافظات المقرر لها زراعة الأرز لموسم 2018 علي النحو التالي: هل يرفع الاستيراد أسعار الأرز المحلى؟ أكد نادر نور الدين، خبير الموارد المائية والمستشار الإعلامى لهيئة السلع التموينية الأسبق، أن قرار فتح الاستيراد خطوة ضرورية وهامة فقد تم تقليص المساحات المنزرعة من الأرز المحلى من مليون ونصف إلى 700 ألف طن أي يعادل 50%، مشيرًا إلى أن إجمالى استهلاك مصر من الأرز نحو 4 ملايين طن كل عام أى ما يعادل 40 كيلوجرامًا للفرد، وهذا يعنى أن الكمية التى سيتم استيرادها كبيرة، وهو ما سيؤدي إلى رفع السعر فى البورصات العالمية. وأضاف نور الدين، أن السعر العالمي لطن للأرز قصير الحبة التى تستورده مصر الآن نحو 350 دولارًا للطن، وقد يرتفع مسجلا ما بين 450 ل500 دولار للطن، وبالتالى سيصل سعر الأرز إلى 12 : 15 جنيهًا للكيلو، وهو ما سيتسبب فى رفع سعر الأرز المصرى فى المقابل. قرار تقليص مساحة زراعة الأرز يذكر أن قرار تخفيض المساحات المزروعة بالأرز قد تكرر فى أعوام 2016، قبل أن تتراجع الدولة عنه بسبب اختفاء المحصول وحدوث أزمة فى الأسواق واضطرت لرفع المساحة إلى مليون و76 ألف فدان. كما صدر قرار آخر في 2017 بتخفيض المساحات المزروعة بالأرز إلى 704.5 ألف فدان، ثم تراجعت عن القرار من جديد لتسمح بزراعة نفس مساحة العام السابق. إلا أن تعثر مفاوضات سد النهضة واحتمالات انخفاض حصة مصر من مياه النيل، دفع الحكومة لإعادة إصدار القرار ليطبق على موسم الأرز لعام 2018، في إطار خطة التوقف عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كمًا كبيرًا من المياه خاصة الأرز. حجم إنتاج العالم من الأرز تراجع إنتاج الأرز محليا توقع تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية أن يتراجع إنتاج مصر من الأرز لموسم 2018 بعد قرار الحكومة بتقليص المساحات المزروعة به، وأن يصل سعره إلى 15 جنيهًا، وكما جاء فى التقرير أن الأسعار قد شهدت زيادة بالفعل خلال فبراير الماضي من 3800 جنيه للطن إلى 4100 جنيه. يذكر أن سعر أقل الأنواع جودة في السوق العالمي قد بلغ 362 دولارًا ما يعادل 6500 جنيه، بخلاف تكلفة الشحن، وهو ما يضع عبئًا جديدًا علي ميزانية الدولة فى حال الاستيراد لسد العجز المتوقع. وحسب التقرير الأمريكى المدعوم بصور للأقمار الصناعية، فقد زادت المساحة المزروعة بالأرز في عام 2017 عن المساحة المقررة من الحكومة المصرية ب735.7 ألف فدان، رغم الغرامة التي قررتها الحكومة علي المخالفين بقيمة تقارب 7 آلاف جنيه للفدان، وأوضح التقرير أن ارتفاع المساحة المزروعة فى العام الماضي عن المساحة المقررة دفعت الحكومة لتقليل المساحات أكثر من العام السابق متوقعه استمرار المخالفات لهذا العام أيضًا. كما توقع التقرير انخفاضًا مصاحبًا للاستهلاك ليبلغ 4 ملايين طن بسبب ارتفاع الأسعار، وأن ارتفاع الأسعار سيدفع المواطنين لاستبدال الأرز بالمكرونة فى غذائهم، إضافة إلى الخضراوات، حيث يسمح نظام دعم السلع التمونية المطبق للمستفيدين بالاختيار بين السلع، وهو ما يتوافق مع تصريحات وزير التموين، التي أثارت جدلًا كبيرًا، حين دعا المواطنين لاستبدال الأرز بالمكرونة كمكون غذائي لهم. وتوقع التقرير أن ينخفض احتياطي مصر من الأرز إلى 424 إلف طن، وهو ما يكفي الاستهلاك لفترة لا تزيد على الشهرين. أدوات الخروج من الأزمة: البيوتكنولوجي الهندسة الوراثية قد تكون المخرج الوحيد للأزمة في رأي بعض الخبراء، ويمكن لعلم استخلاص الجينات أن يحدد الجين المسئول عن رفع قدرة الأرز علي مقاومة الجفاف، واستخلاصه ونقل تلك الجينات للنبات لاستنباط نوع جديد مقاوم للجفاف وأقل استهلاكا للمياه، وهو ما يعمل عليه بالفعل معهد الهندسة الوراثية التابع لوزارة الزراعة مع عدد آخر من المراكز البحثية بالجامعات. ويمكن لعلم البيوتكنولوجي أن يمثل حلا لمشاكل الزراعة المصرية باستخدام التكنولوجيا الحيوية في الزراعة، التي تستخدم 80% من استهلاك مصر من المياه، التي من المتوقع أن تصبح عملة نادرة في المستقبل القريب، خصوصًا بعد انخفاض منسوب الفيضان لهذا العام. الري الحديث يقدر بعض خبراء الزراعة كمية المياة المهدرة بالري بالطرق التقليدية بأكثر من 90% من المياه المستخدمة، واتباع طرق الري الحديثة قد يساهم في توفير جزء كبير من المياه المهدرة التي يمكن توجيهها لزراعة مساحات أكبر من الأراضي، وتقنية الري بالتنقيط يمكن أن تؤمن للنبات المياة اللازمة له بكميات قليلة في نقاط محددة مرشدة استهلاك المياه إلى حد كبير.