صدرت قبل أيام؛ عن المركز الثقافى العربى (الدار البيضاء- بيروت)، طبعة جديدة من الترجمة العربية؛ التى قام بها سامى الدروبى (1921-1976)، لرواية "المزدَوَج"؛ العمل الثانى للكاتب الروسى فيودور دوستويفسكي (1831- 1881)، بعد عمله الروائى الأول والناجح: رواية "الفقراء". ولعنوان الراوية ترجمات أخرى؛ فتترجم أحيانا ب"الشبيه" أو "القرين"، وهى رواية قصيرة كتبها دوستويفسكى بين عامى 1845 و1846، ونُشِرت للمرة الأولى فى 30 يناير من العام 1846 فى مجلة "مذكرات الوطن"، ثمَّ نُشِرت مرة أخرى منفصلة فى 1866 بعد أنَّ نقَّح فيها دوستويفسكى. تُعدُّ هذه الرواية أكثر أعمال دوستويفسكى تأثرا بالكاتب الكبير نيقولاى جوجول (1809- 1852)، وعنوانها الفرعى "قصيدة من بطرسبورج" مقتبس من رواية جوجول "النفوس الميتة"، ويرى الكاتب الروسي الأمريكى فلاديمير نابوكوف (1899- 1977) أنَّ هذه الرواية "أعظم كتاب كتبه دوستويفسكي"، ويعتبرها محاكاة لقصة "المعطف"؛ وهى واحدة من أشهر قصص جوجول، وعنها يشاع الرأى النقدى المتداول "كل كتاب روسيا خرجوا من معطف جوجول"، بينما ذهب بعض النقاد إلى أنَّ دوستويفسكى كتب هذه الرواية فى مقابل قصة جوجول الأخرى "الأنف". وتطرح الرواية موضوع الجنون، وهو أحد المواضيع الأثيرة لدى دوستويفسكى فى رواياته الكبرى اللاحقة، تصوِّر "المزدَوَج" الصراع الداخلى الذى يعتمل فى نفس ياكوف بتروفيتش جوليادكين، الموظف فى إحدى الإدارات الحكومية فى مدينة بطرسبورج، بعدما صادف مرارًا شخصًا يُشابهه تمامًا فى المظهر، ولكنَّه يحمل شخصيَّة مناقضة للتى لديه، جوليادكين ضعيف الشخصية أمَّا قرينه فهو واثق وعدوانى ومنفتح، وبذلك انقلبت حياته رأسًا على عقب عند ظهور ذلك الشخص الذى بدأ يكيد له ويحتل شيئا فشيئا مكانه فى العمل والمنزل، إلى أن يدفع بحياته إلى الانهيار التام. ولعلّ أهم ما أثّر فى السيد جوليادكين وأثار دهشته أن الناس من حوله، وعلى رأسهم رئيسه فى العمل وخادمه بتروشكا، لم يبدُ عليهم أنهم صُدموا بظهور هذا الشبيه، واعتبروه مجرد رجل يشبهه وعاملوه على هذا الأساس. وعلى الرغم من أن رواية "المزدَوَج" ليست من أعمال دوستويفسكى الأكثر شهرة، إلّا أنها تُعتبر الحجر الأساس فى أسلوبه المتفرّد، فقد اعتمد على تقنية الحوار الداخلى فى شكلٍ مكثّف فى هذه الرواية ما مكّنه من أن يسبر أغوار شخصية بطله، وأن يتغلغل فى نفسيته التى غيّرها دخول هذا الآخر، مكرّسًا بذلك عبقريته فى تحليل النفس الإنسانية، ما جعل الفيلسوف الألمانى الأشهر نيتشه (1844- 1900) يقول عنه: "دوستويفسكى هو الكاتب الوحيد الذى تعلمتُ منه شيئا من علم النفس". يُنظَر إلى هذه الرواية كنسخة نفسية من أعمال دوستويفسكى الأخلاقيَّة النفسية اللاحقة، وتبرز فيها معالم الفكر الوجودى، ويُركِّز النُّقاد فى تناولهم للرواية على قضيَّة البحث عن الهوية، ويرى أحد النُّقاد أن الموضوع الرئيسى للرواية هو التأثير المُهلك للإرادة الإنسانية وبحثها المستمر عن الحرية المطلقة، بينما يبتعد بعض النُّقاد عن هذا التفسير ويرون أنَّ انكسار هويَّة الشخصية الرئيسية حدث بفعل البيروقراطية والأوضاع المجتمعيَّة الرديئة التى يعيش فيها.