يعتبر النقاد دومًا أن الأداء المسرحي في الأفلام سبب فشلها، إلا أن الممثلين في القائمة التي عرضها موقع Looper يثبتون خطأ هذا الاعتقاد، فأحيانًا كثيرة يتطلب الدور الدرامي أداء مبالغا فيه، يتطلب من الشرير نظرات مجنونة وصراخا متواصلا؛ فليست كل أدوار الشر تنبع من خبث ودهاء، فبكل بساطة أحيانًا الشرير في الفيلم يكون مجنونا هائجا لا يمكن لأحد أن يوقفه، وهنا تأتي براعة الممثل في تجسيد هذه المبالغة وجعل الجمهور يصدقه ولا يشعر أنه "مفصول" ويغرق في أسئلة من نوعية "هو بيعمل كدا ليه"!.. ولعل أكبر مثال على براعة تجسيد المبالغة هو الممثل إسماعيل ياسين فطوال مسيرته الفنية حافظ على ضحكته ودلدلة شفتيه كأسلوب كوميديا ولم يفشل يومًا بهذه المبالغة في إضحاكنا. 1- جاك نيكلسون عندما يتعلق الأمر بالمبالغة، يمكننا أن نقول بنفس مطمئنة إن جاك نيكلسون هو "أبو المبالغة في السينما الأمريكية"؛ فالممثل يمتلك حاجبين لا يتوقفان عن التحرك، وأسنان تصطك ببعضها طوال الوقت، وعينان مجنونتان تتحركان في كل الاتجاهات، لا يظهر ذلك فحسب في فيلمه الذي سنتحدث عنه هنا The shining وإنما في كل أفلامه، لدرجة انه أصبح مشهورا بفضل نظرات عينيه الجنونية، لكن دور نيكلسون في فيلم The Shining مختلف؛ فالمخرج ستانلي كوبريلك فرد له مساحة كبيرة لإظهار جنونه في دور جاك تورانس الكاتب الذي يعاني من أزمة إبداعية يفقد بعدها أعصابه ويتحول إلى مجنون يبحث عن عائلته ليقتلها؛ نيكلسون في الفيلم لديه مشاهد خالدة أبدع في إظهار جنونه المبالغ فيه مثل مشهد تحطيمه باب الحمام على زوجته بالفأس يحاول قتلها، وهو يقول: الآن يأتي جوني.. نيكلسون نجح في هذا الفيلم أن يخلد أداءه في قائمة أعظم الأشرار في تاريخ السينما الأمريكية. 2- آل باتشينو يمكننا رسم منحنى تصاعدي لأداء آل باتشينو على مدى الأعوام التي جسد فيها شخصية مايكل كورليوني في فيلم The God Father؛ ففي البداية كان أداؤه هادئًا حازمًا من النوع الذي يقتلك بهدوئه، ولكن كلما كبر آل باتشينو ازداد غضبًا وجنونًا، كما حدث معه في فيلم Scarface، حيث تحول إلى رجل غاضب صوته عال يصرخ في مشهده الشهير وهو يطلق الرصاص على الجميع: قولوا مرحبًا لصديقي هنا (في إشارة لسلاحه)، بنبرة تهديد ساخرة ومجنونة، والحق يقال إن أداء آل باتشينو في هذا الفيلم قدم واحدا من أقوى "وأشيك" أداء لرجل عصابة في تاريخ السينما، فلم يقع في فخ أكثر مما ينبغي فحتى أداؤه المسحري المبالغ فيه وصفه النقاد بالعبقري، فكلما "ضرب" كوكايين في الفيلم ازداد جنونًا وازداد إعجابنا به بالطبع. 3- دينيس هوبر أفلام المخرج الأمريكي ديفيد لينش دائمًا ما تشعرك أنك في حلم، لو كان هذا حقيقيًا فهو يعني أن دينيس هوبر في فيلم Blue Velvet وحش قادم من أبشع كوابيسك، فهوبر في هذا الفيلم استطاع تجسيد شخصية القاتل الإجرامي في دور فرانك بوث، الذي لا يمتلك أي قيم أخلاقية ولا يخشى إطلاق العنان لجنونه، عندما يرتدي ماسك الغاز يتحول إلى مخلوق مختلف تمامًا، حتى الممثل دينيس هوبر نفسه لم يكن يتوقه أنه يمتلك كل هذا الرعب بداخله، فهدفه الوحيد هو ألم الآخرين، واحد من أهم مشاهد دينيس في الفيلم هو عندما يستنشق بعض الغاز من الماسك ويثور على المغنية في الملهى الليلي دون أي ذرة إنسانية في مشهد احترافي مذهل. 4- ويسلي سنايبس استطاع ويسلي سنايبس في فيلم Demolition Man أن يقدم شيئا فريدا لم يفعله ممثلو الشخصيات الشريرة في الأفلام من قبل، وهو أن يصبح شريرا رائعا؛ فمن خلال شخصية سيمون فينيكس القاتل المتسلسل الذي تجمده الشرطة ليستيقظ في المستقبل عام 2030 في عالم الشرطة فيه ضعيفة مثل القطط، والمجرمون أكثر ضعفا؛ ليثور هو مستغلًا هذا الضعف متوليًا مهمة تدمير الأرض، إلى أن يستيقظ سلسفتر ستالون الضابط الذي ألقى القبض عليه في الماضي، محاولًا أن يكرر نفس المهمة من جديد، مبالغة ويسلي في تقديم شخصية المجرم "الروش" كانت مضبوطة بالمللي، فشعره الأشقر وذكاؤه الإجرامي وحسه الكوميدي الساخر، كل هذا جاء ليجعل أداءه المبالغ فيه مثاليا للدور. 5- جيمس مكافوي عادة لا تترشح أفلام الرعب للفوز بجوائز سينمائية كبيرة مثل الأوسكار أو السعفة الذهبية، الأمر قد يكون مخيبا للآمال، خاصة عندما يكون هناك فيلم بجودة Split وأداء بطله جيمس مكافوي الممتاز، جيمس في هذا الفيلم وحش حرفيًا، وليس مجازًا عن دوره الشرير فيه، فهو يلعب دور شخص مصاب بفصام شخصية ويلعب عقله دور 23 شخصية مختلفة يخطف ثلاث فتيات يحاولن الهرب منه طوال الفيلم بدون أمل، براعة مكافوي لم تتمثل فقط في تمثيله 23 شخصية مختلفة في فيلم واحد وإنما في إجادته لكل منها، فمرة هو المدرسة المخيفة المسيطرة، ومرة طفل صغير لا يتجاوز الثانية عشرة، ومرة شاب يرغب في إسعاد الآخرين، وأخيرًا يتحول إلى وحش قاتل بكل ما يتحمله الجملة من مبالغة غير واقعية، لكن هذا أقل ما تتوقعه من فيلم Split. في مصر اشتهر كثير من نجومنا في أدوار الشر بسبب خلفيتهم المسرحية، فمثلا الممثل محمود المليجي "أشهر شرير في السينما المصرية" أتقن كثيرا من أدواره، لأن بدايته كانت في المسرح، ومثله الفنان أحمد زكي الذي أكسبته مبالغة المسرح ثقلا وإتقانا لأدواره في السينما وغيرهما كثيرون.