بدأت تفاصيل الواقعة كما يرويها "طبيب الشرقية" يوم 20 مارس الماضي، حين كان يعمل الدكتور محمد حسن، طبيب العظام المقيم «نبطشي» داخل غرفة الاستقبال بمستشفى العاشر من رمضان للتأمين الصحي، في وجود ثلاث ممرضات يعملن معه بالاستقبال، ففوجئ بوكيل نيابة العاشر يحضر إلى المستشفى ومعه ضابط من القسم في السابعة مساء أثناء نوبتجية الطبيب، للاطلاع على بعض التقارير التي لم يُفصح عن هويتها لطلب بيانات خاصة بقضية تبحثها النيابة، وطلب الضابط المرافق من الطبيب الحضور معه للنيابة لأخذ أقواله في القضية. محمد حسن إمام، طبيب عظام "نوبتجي" بقسم الطوارئ في مستشفى التأمين الصحي بالعاشر، كان الطبيب المقيم الوحيد الموجود بالمستشفى ولم يكن له بديل في ذلك التوقيت، هو طبيب الاستقبال، وفي نفس الوقت النائب الإداري، أي الطبيب المسئول عن أي بيانات مطلوبة من المستشفى في هذا الوقت. نظرًا لعدم وجود بديل اعتذر له الطبيب بأنه لا يستطيع أن يترك "النوبتجية" لما سيترتب عليها من كوارث طبية في حالة وقوع حادثة أو حالة طارئة، وغادر وكيل النيابة. يتذكر الطبيب المتهم تفاصيل ذلك اليوم جيدًا، والحوار الذي دار بينه وبين وكيل النيابة والضابط المسئول، قائلًا: «إن وكيل النيابة قال لي في ذلك اليوم بلهجة حادة تعالى معايا كأنه يقبض على متهم، فتمالكت أعصابي وسألته عن هويته ورحبت به، فيجيبه ضابط الشرطة المرافق له: ده فتح الله بك وكيل النيابة، فيسأله: طيب حضرتك قولي عاوز إيه أنا تحت أمرك، وكيل النيابة: باقولك تعالى معايا، الطبيب: آجي معاك فين، أنا النوبتجي الوحيد في المستشفى وزي ما أنت شايف فيه مرضى بتيجي وإحنا مستشفى على الطريق، وبتيجي حالات حوادث، وما أقدرش أسيب المستشفى، ولو إنت عاوز حاجة اتفضل (مشاورا على الكرسي)، وقل لي وأنا أعملها». هنا قال الضابط للطبيب محذرًا: «لما البيه يقولك حاجة تنفذها، فتدخل وكيل النيابة مقاطعا: سيبه أنا هاعرف أجيبه إزاي». لم ينته الأمر عند هذا الحد، وبمجرد مغادرة وكيل النيابة المستشفى فوجئ طبيب العظام بطلب استدعاء للحضور إلى سراي النيابة، وبعد ساعات قليلة تم توفير البديل المناسب له، وتوجه الطبيب إلى النيابة في الحادية عشرة مساءً من اليوم ذاته، وانتظر قرابة ساعة كاملة لأخذ أقواله في الواقعة، إلا أنه تم صرفه من سراي النيابة دون أخذ أقواله، مدعين أنه لم يعد مطلوبا وأن الأمر انتهى. بعد أقل من 4 أيام، تم استخراج قرار ضبط وإحضار له من النيابة، ويفاجأ الطبيب الشاب ببحث الأمن عنه وتتبع هاتفه الشخصي، وصدور قرار بضبطه وإحضاره، يتحرى الأمر فيعرف أن ثمة تهمة موجهة له بتعطيل عمل النيابة وإهانة وكيل النيابة وتعطيل سير العدالة، ينصحه البعض لتأجيل الحضور إلى النيابة لحين الإنتهاء من انتخابات الرئاسة حتى لا يهمل في أثناء غياب النيابة والقضاء في لجان الانتخابات. وأرسل المحامي العام الأول بالدقهلية، خطاب إلى النائب العام بمذكرة فيها شكوى وكيل النيابة بإهانة الطبيب له وعدم احترامه والجهة القضائية التي يمثلها عند حضوره للمستشفى، لأخذ بيانات عن مريض حروق بالمستشفى. وأرفق وكيل النيابة بشكواه شهادة إثبات واردة من قبل ثلاثة أفراد (ضابط حرس النيابة، سكرتير النيابة وأمين شرطة نقطة المستشفى)، رغم تأكيد الطبيب المقيم على عدم حضور الشخصين الأخيرين للواقعة من الأساس، بعد ذلك تطلب تحريات المباحث فيرفض رئيس مباحث العاشر لعلمه بكذب الواقعة، وكل الشهود فى المستشفى شهدوا بكيدية التهمة وأن الاتهامات غير صحيحة، وأن بعض الشهود لم يحضروا الواقعة من الأساس، حسبما يروي الدكتور محمد حسن، فتحال لمباحث الزقازيق لتأكيد الواقعة في تحرياتها. بوتيرة متسارعة تطورت القضية إلى إلقاء القبض على طبيب العظام يوم 9 إبريل الماضي وحبسه 4 أيام على ذمة القضية، ثم أخلي سبيله بعد دفع كفالة 10000 جنيه، وتم تحديد أولى جلسات المحاكمة بصورة عاجلة في يوم 18 إبريل الماضي، أجلت إلى جلسة 2 مايو الجاري بناءً على طلب دفاع الدكتور محمد حسن للاطلاع على أوراق القضية، واستخراج المستندات اللازمة والاستماع إلى شهود الإثبات والنفي وتم تأجيل القضية إلى جلسة 9 مايو الجاري للنطق بالحكم في الواقعة. محاولات للصلح في المقابل كثفت النقابة العامة للأطباء والنقابة الفرعية بالشرقية من جهودها من أجل دعم طبيب الشرقية عبر كل الطرق السلمية، ومحاولة الوصول إلى حل وسط وصلح بين الطرفين، وإغلاق القضية بشكل ودي، والتقى وفد من الأطباء كلا من وزير الصحة، والنائب العام الذي أكد احترامه وتقديره لأطباء مصر، كما وعد بالسعي لحل هذه الأزمة بكل الطرق الممكنة. بعد تأخر الوصول إلى حل ودي دخل الأطباء في اعتصام تبادلي بمقر النقابة العامة في "دار الحكمة" وذلك تنفيذا لقرارات مجلس النقابة العامة، والتى جاءت للتضامن مع الدكتور محمد حسن الذي قرر تنظيم اعتصام (تبادلي) لأعضاء مجلس النقابة العامة ومجلسي القاهرة والجيزة بمقر النقابة العامة، وتنظيم اعتصام (تبادلي) مواز لأعضاء مجالس النقابات الفرعية ومن يرغب من الأطباء كل بمقر نقابته، وذلك حتى حل المشكلة أو لحين انعقاد الجمعية العمومية. الحبس والعزل من الوظيفة في تطور سريع في أحداث القضية التي لم يكن يتوقع تبعاتها أحد، فوجئ الأطباء أمس بصدور قرار من نيابة العاشر من رمضان بالحبس سنة والعزل من الوظيفة لطبيب الشرقية المتهم بإهانة القضاء وتعطيل سير العدالة. ومن جانبها أعلنت نقابة الأطباء أنها ستقوم بإجراءات الاستئناف على الحكم، معلنين دعمهم ومساندتهم الكاملة لطبيب الشرقية بجميع الإجراءات القانونية والنقابية. وطالبت النقابة العامة جموع أعضائها بأهمية حضور الجمعية العمومية الطارئة يوم الجمعة القادم في مقر النقابة العامة ب"دار الحكمة"، لاتخاذ ما يلزم من قرارات لدعم ومساندة الطبيب المتهم، واتخاذ موقف حاسم لحماية مهنة الطب أثناء ممارسة عملهم، وحماية مرضاهم، وأن التسجيل سيبدأ من الساعة العاشرة صباحا. حملة توقيعات كما أصدرت النقابة العامة 12 قرارا لدعم الطبيب المتهم مع حملة توقيعات جماعية من جميع الأطباء بمختلف أنحاء الجمهورية، لمطالبة النائب العام بسرعة التحقيق فى الوقائع التى شابت التحقيقات والتحريات فى القضية التى اتهم فيها الطبيب محمد حسن بتعطيل عمل النيابة وإهانتها، لا سيما أن المؤشرات والقرائن وشهادة الشهود، تؤكد أن الطبيب كان ملتزما بالوجود في مكان عمله بالطوارئ، وهو مكان لا يمكن تركه دون طبيب، مطالبين بسرعة التحقيق فى الشكوى المقدمة من نقيب أطباء الشرقية ضد وكيل النيابة. عمومية طارئة تقول الدكتورة منى مينا، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء إن الجمعية العمومية الطارئة ستناقش 3 موضوعات هامة، أبرزها دعم الدكتور محمد حسن، طبيب العاشر من رمضان، المتهم بتعطيل النيابة دون أن يقترف أي إثم، إلا أنه رفض أن يترك المرضى، خاصة أنه كان الطبيب الوحيد بقسم الطوارئ بالمستشفى والذهاب لسماع أقواله فى النيابة. أما الموضوع الثاني، الذي ستناقشه الجمعية هو مناقشة الإجراءات التى يجب اتخاذها تجاه من يدعون أنهم إخصائيو العلوم الطبية، وهو لقب لا يمنح إلا للأطباء، وبالتالي فإن منحه لغيرهم سيؤدي إلى الفوضى في ممارسة المهنة، وكذلك رفض عملهم دون إشراف طبي، وآخر الموضوعات هو التعسف المتكرر ضد الأطباء. حملة للتشويه وأكد الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، أنهم واثقون من براءة الطبيب محمد حسن، ولذلك تم دعوة الأطباء وأعضاء المهن الطبية لحضور الجمعية العمومية الطارئة ظهر الجمعة القادم، حيث إن الجمعية هي أعلى سلطة للأطباء والمفوضة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوضع قواعد واضحة، لاستدعاء الأطباء، واتهمت المحكمة "طبيب الشرقية" بتعطيل أعمال النيابة وإهانة وكيل نيابة العاشر من رمضان، رغم أنه لم يرتكب أى جُرم وهناك حملة قوية ضد الأطباء لتشويههم. الطاهر دعا جميع الأطباء لحضور الجمعية العمومية الطارئة لبحث الإجراءات ومناقشة القرارات التى سيتم اتخاذها، وذلك لعدم تكرار هذا الأمر مستقبلا. حبس مع إيقاف التنفيذ وتأتي "عمومية الأطباء" لحمايتهم في أثناء ممارسة عملهم والدفاع عن كرامتهم جميعًا، وصولًا لاستخدام الحق الدستوري فى الإضراب والاستقالات الجماعية المسببة. "بلغونا بحكم الحبس عبر سكرتارية النيابة".. يقول الدكتور أيمن سالم، نقيب أطباء الشرقية الذي سدد الكفالة المقدرة ب 5 آلاف جنيه حتى لا يتم تنفيذ الحكم القضائي الصادر بشكل عاجل ويمنح الطبيب المتهم الفرصة للاستئناف على الحكم. وعلى ضوء حالة الغضب العام والهياج عند جموع الأطباء بسبب الحكم القضائي الصادر بحبس الدكتور محمد حسن أعلن نقيب أطباء الشرقية أن كل الخيارات مفتوحة أمام الأطباء في أثناء الجمعية العمومية القادمة. 3 خيارات للتصعيد أول الخيارات المطروحة كانت من قبل الأطباء بالمطالبة بالإضراب العام الكُلي، ولكن مجالس النقابات العامة والفرعية رفضت هذا المقترح لأنه إجراء من شأنه الإضرار بالمرضى الذين لا ذنب لهم في القضية وأيضًا يضعهم تحت طائلة القانون. أما الخيار الثاني المطروح كان في تنفيذ الإضراب الجزئي داخل المستشفيات الحكومية، وهذا الإجراء أيضًا كان عليه تحفظات عدّة، حيث إنه يضر مواطنين بسطاء يعتبر الأطباء أملهم الوحيد في العلاج ما يزيد من المشاكل أكثر بينهم وبين المواطنين. الاقتراح الأخير الذي لاقى ترحيب قطاع كبير من جموع الأطباء كان الإضراب عن العمل في المستشفيات والعيادات الخاصة، على أن تغطي مستشفيات الحكومة علاج المواطنين لتوصيل رسالة هامة حول حجم الدور الذي يقدمه الأطباء من عمل، وفي نهاية الأمر يتم اتهامهم باستغلال المواطنين وتقديمهم للمحاكمة وصولًا إلى حبسهم. رسالة أخيرة يتفق نقيب أطباء الشرقية بشكل كبير مع الخيار الأخير الذي يختلف عن التصعيد القديم الذي نفذه جموع الأطباء عقب "عمومية الكرامة" في فبراير 2016، ردًا على واقعة التعدي على أطباء المطرية من قبل أمناء الشرطة، حيث أعلنت الجمعية العمومية ضمن أحد قراراتها الصادرة الامتناع عن العلاج بأجر داخل المستشفيات الحكومية، ولكن في الواقعة الجارية "مش عايزين نشتغل خالص". وأوضح سالم ل"التحرير" أن الامتناع عن تقديم خدمة العلاج الخاص يحمل رسالة قوية للدولة، ويكشف للجميع الحجم الحقيقي للأطباء والجهد المبذول وحجم العوار داخل المستشفيات الحكومية، خاصة أن الضغوط الممارسة ضد الفريق الطبي كثيرة والتعسف على أشده في كل مكان. إلغاء التعاقد مع القضاة كما أن حضور الجمعية العمومية الطارئة أصبح فرض عين على كل الأطباء حسب نقيب أطباء الشرقية والاختيارات بين الإضراب العام في المستشفيات الحكومية وهذا أيسر الحلول، والإضراب عن العلاج الخاص (إغلاق العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة) وهذا أقوى وأصعب الحلول، وإلغاء التعاقد مع القضاة. هذا في حال احتشاد الأطباء وانتفاضتهم لكرامتهم يوم الجمعة القادم، وإلا فالدعوة لاجتماع طارئ لمجالس النقابات والاستقالة الجماعية المسببة. وعن الواقعة يقول نقيب أطباء الشرقية، بأن الدكتور محمد حسن لو نفذ الأمر وترك نوبتجيته وعاد للمستشفى لوجد نفسه معرضا للمساءلة القانونية أيضا، بسبب ترك نوبتجيته وتعريض حياة مرضى الطوارئ للخطر الذي ربما يصل لحد الوفاة وتوجه له وقتها تهمة أكبر هي "القتل العمد".