«أزمة كوبرى الدقي» تكشف المسكوت عنه فى «الطرق والكباري»

أزمة كوبري الدقي الأخيرة كشفت الإهمال الذى انتشر بالعديد من المحافظات، حيث لم يسلم الكوبرى المنشأ حديثا من عوامل التعرية، ولم يتم صيانته أو ترميمه منذ فترة بعيدة، وحينما تشاهد الكوبري من أسفله تشعر بفزع من عدم استقرار حديده المسلح، وهكذا هو الحال بعدد كبير من كباري المحروسة بغالبية محافظات الجمهورية.
وقد تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث انهيار الكباري، مما يدق ناقوس الخطر نحو شرايين حيوية ورئيسية بالنسبة للمواطنين.
2370 كوبريا في مصر
إحصائيات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن إجمالي عدد الكبارى بمصر تخطى 2370 كوبريا وإجمالى أطوال الطرق المرصوفة أكثر من 155 ألف كم حتى النصف الأول من عام 2014.
وأوضحت بيانات الجهاز أن 1530 كوبريا تابعة للهيئة العامة للطرق والكباري بنسبة 64,6 %، 586 كوبريا تابعة للهيئة القومية لسكك حديد مصر بنسبة 24,7 %، 208 كبار تابعة لمديريات الطرق بالمحافظات بنسبة 8,8%، 40 كوبريا تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بنسبة 1,7%، 6 كبار تابعة للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق بنسبة 0,2%.
وفقا لجهاز التعبئة والإحصاء بلغ إجمالى أطوال شبكة الطرق المرصوفة والترابية 163 ألف كم، منها 155 ألف كم طرق مرصوفة بنسبة 95,2%، 8 آلاف كم طرق ترابية بنسبة 4,8%، وأن إجمالى الطرق المرصوفة على مستوى الجمهورية بلغ 155 ألف كم، منها 123 ألف كم تابعة لمديريات الطرق بالمحافظات بنسبة 79,3%، 25 ألف كم تابعة للهيئة العامة للطرق والكبارى بنسبة 15.9%، 7 آلاف كم تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بنسبة 4,7%.
"النقل": العمر الافتراضى للكبارى انتهى
بشير عدد من الإحصاءات التي أصدرتها وزارة النقل قديمًا، إلى أن 40% من كباري مصر تخطى عمرها الافتراضى ومضى عليها نصف قرن، وأكدت الوزارة وجود 700 كوبر معرضة للانهيار، بسبب الحمولة الزائدة وإهمال الصيانة التي زادت خلال فترة الانفلات الأمني، وذلك بناء على تقرير هيئة التعاون الدولى اليابانية (الجايكا) بعد إعداد برنامج فحص وإدارة صيانة الكبارى في مصر.
كبارى القاهرة والجيزة فى خطر
رصد "التحرير" تردى أوضاع عدد من الكباري الواقعة فى نطاق محافظتى القاهرة والجيزة، من بينها كوبرى قصر النيل والجلاء والساحل وأكتوبر والجامعة وعباس والدقي، حيث تعانى تلك الكبارى من إهمال شديد على مدار سنوات عدة، إلى أن وصلت لمرحلة أصبحت فيها الصيانة الدورية الروتينية غير مجدية مع كم الأضرار التي لحقت بها نتيجة عوامل الاستخدام والتعرية والتآكل، فضلًا عن عوامل بشرية وأخطاء قائدي السيارات والحمولات الزائدة التي ألحقت أضرارا بالكباري وتسببت في اتساع حجم الفواصل والمطبات، فضلًا عن التصدعات التي لحقت بالجسم الهيكلي للكباري.
هل تخضع الطرق والكبارى للسيطرة الأمنية؟
قال مصدر بالهيئة العامة للطرق والكباري: لدينا أكثر من 26 كوبريا مقامة على النيل، وحاليا يتم إنجاز مجموعة من الكباري لإقامة محاور طولية وعرضية، مشددًا على أن المحور على النيل يكلف الدولة أكثر من 1.5 مليار جنيه، لافتًا إلى أن الطرق حاليا تخضع بالكامل للسيطرة الأمنية التى تؤمنها بواسطة العواكس الأرضية وتمهدها من أجل السير الآمن للمواطنين والحفاظ على سلامتهم كطريق (شبرا- بنها).
وأضاف أنه مع تطبيق المنظومة الجديدة للطرق ITS التعامل سيكون من خلال الأجهزة الإلكترونية بأسلوب مرن لضبط كل المخالفات الجنائية والمرورية، وتحديد الأماكن التى بها خطورة نتيجة الوقوف العشوائى فى أماكن ممنوعة، كما ستساعد المنظومة الجديدة فى التقليل من وجود العنصر البشرى، وبالتالي تقل معها المواجهات غير الآمنة وتزيد درجة استعداد القوات الأمنية لملاحقة الجناة المخالفين والسيطرة عليهم.
الطرق والكبارى تتحجج دائما!
هيئة الطرق والكباري كل ما تفعله عقب انهيار أي كوبر، هو إصدار قرار يتضمن فحواه "لقد اتخذنا ما يلزم من إجراءات للحفاظ على شبكة الطرق والكباري، ومنع تعرضها لمزيد من الانهيارات"، وتكرر هذا التعليق عقب انهيار كل من كباري بركة السبع عام 2011، وكوبري السيدة عائشة في نوفمبر 2012، وكوبري الشيخ منصور بعزبة النخل في عام 2014، وعدد كبير من الكبارى بالمحافظات، ليظل السؤال: هل تقوم الهيئة بدورها المطلوب بما يتناسب مع حجم الأضرار التي تقع بالكباري، أو أنها تقصر في صيانتها الدورية، ما يؤدي في النهاية لإهدار أرواح المصريين وأموالهم؟
خبراء: سوء الاستخدام وعدم الصيانة سبب انهيار الكباري
الدكتور أسامة عقيل أستاذ الطرق والمطارات بجامعة عين شمس، قال إننا بصدد أزمة تخطيط عامة للكباري المصممة والطرق التي يتوالى هبوطها في أكثر من مكان، لأن الحقيقة هى عدم توفير ميزانية صيانة بعد إنشاء الكوبري، فحينما تريد الدولة إقامة كوبر بمنطقة ما تكتفي فقط بدراسة ميزانية إنشاء الكوبري، وتغض البصر عن مدى استمرارية الكوبري بجودته الإنشائية، لعدم توافر ميزانية صيانة وتطوير، والتي لا بد أن تحدث كل 6 أشهر على الأقل لدراسة الكوبري المنشأ، فمن ثم نجد أنه مع عدم وجود ميزانية لصيانة الكوبري لا توجد صيانة دورية، ولكن الصيانة المتاحة هي الصيانة الطارئة التي ترتبط بحدوث الكارثة.
وأضاف عقيل ل"التحرير"، أن فواصل الكباري لم يتم رصد مبالغ صيانة لها، فمع إنشاء الكوبري تقع صعوبة في تطوير تلك الفواصل الحديدية التي هي الأخرى ذات تصميم خاطئ، والفواصل يجب أن تكون مطاطية لكي تمتص قوة تخبط وحمل السيارات أعلى الكوبري، بالإضافة إلى حفاظها على عملية التمدد والانكماش الحراري.
من جانبه يرى رئيس الجمعية المصرية للنقل محمد شحاتة، أن سوء حالة الكباري المصرية من هبوط وانهيارات واتساع رقعة الفواصل المعدنية أعلى الكوبري نتيجة سوء التخطيط واتباع القواعد في طرق الإنشاء، حيث إنها لم تراع المعايير العالمية ولا المتفق عليها في الكود المصري الخاص بإنشاء الكباري وصيانتها، الذي صدر 1996، والذي حدد خامات خاصة لإنشاء الكباري، مما يجعل استمرار بقائها وجودتها حتى 100 عام، كما أن المثير للدهشة أن صيانة الكباري تتم كل خمس سنوات، كخطة خمسية لهيئة الطرق والكباري أو الصيانة الطارئة التي ترتبط بحدوث الكارثة.
وأضاف "شحاتة" أن الكباري لم تسلم من سوء الاستخدام فأثناء السير أعلى كوبري أكتوبر في وقت الذروة، حيث خروج الموظفين وازدحام الكوبري في الاتجاهين من الدقي وحتى مدينة نصر، نجد سائقي الميكروباص يصعدون الأرصفة الجانبية للكوبري للسير بسرعة، وتجنب الازدحام، مما يؤثر بالتأكيد على سلامة الكوبري، لافتا إلى أن المسافة الفاصلة أسفل الكوبرى حتى منسوب الطريق يجب أن لا تقل عن 5.5 متر وذلك لمرور سيارات الإطفاء أسفله، مؤكدًا أن الحالة السيئة التى وصل إليها بعض كباري المشاة يرجع إلى طرق إنشاء الكبارى التى لم تراع المعايير العالمية.
وأوضح أن عمليات الصيانة لا تتم بشكل علمي لأنها لا تتم عن طريق إزالة القشرة الأسفلتية، بل يتم الرصف فوقها مما يحول الكبارى إلى طرق مقلوبة بمعنى أن سمك طبقة الرصف تكون أكبر من الأساس لتظهر بذلك الارتفاعات المختلفة فى الكوبرى، مشيرًا إلى أن مشكلات كباري المشاة فى مصر تراكمية، ولا توجد إدارة خاصة للإشراف عليها، فبمجرد تسليم الكوبري إلى المجلس المحلي أو مجلس المدينة أو المحافظة ينتهى دور الهيئة، وبالتالي المجالس المحلية ومجالس المدينة ليس لديها ما تقدمه للصيانة والمتابعة لحالة كباري المشاة، خاصة أن هناك مشكلات تراكمية على أجساد الكباري فى مصر والأقاليم، لافتا إلى أن العيوب الشائعة فى الكباري المعدنية للمشاة هى الصدأ والشروخ والإجهادات الزائدة نتيجة مرور حمولات ثقيلة عليها بكثافة دون مراعاة ظروف الكوبري الإنشائية، وكذلك الشروخ وهى عادة تنشأ عند الوصلات بمناطق نهاية اللحام أو الأماكن المؤكسدة المتآكلة من العنصر.