يبدو أن فرنسا شعرت بفشل المعالجة الأمنية في الحد من الإرهاب، فبدأت باتخاذ خطوات لمكافحة ومحاربة التطرف الذي أصبح يهدد المجتمع الفرنسي، وذلك من خلال خطة حكومية بعيدة عن الإجراءات الأمنية. الوقاية خير من العلاج رئيس وزراء فرنسا إدوار فيليب أعلن منذ يومين، عن خطة من 60 بندًا لمكافحة التطرف في السجون والمدارس والوظائف العامة والأوساط الرياضية والإنترنت. وأضاف "فيليب" أن الخطة ترمي إلى منع انتشار التطرف في السجون، وذلك بإنشاء 1500 مكان جديد، بينها 450 قبل نهاية العام لعزل المعتقلين المتطرفين في أجنحة منفصلة بعيدًا عن باقي النزلاء، علما بأن 512 متهمًا أدينوا بارتكاب أعمال إرهابية من ضمن 70 ألف مسجون. وأوضح رئيس وزراء فرنسا أن الخطة تحمل اسم "الوقاية من أجل الحماية"، مشيرًا إلى أنها تعد الثالثة خلال السنوات الأربع الماضية والتي تهدف إلى توفير المتابعة اللازمة للقاصرين الذين عادوا من مناطق النزاعات في المشرق، والبالغ عددهم 68 فردًا في مقابل 500 ما زالوا هناك، وفقًا ل"الأرقام الرسمية". وتستهدف الحكومة الفرنسية فرض قيود صارمة على فتح المدارس الخاصة غير المتعاقدة مع الدولة والتي لديها استقلالية نسبية في نظامها التربوي والتعليمي، وبالتالي يمكن أن تشكل بؤرًا لنشر التطرف، فضلًا عن تعزيز آليات رصد التطرف عند الطلاب في المدارس. كما تتضمن الخطة فتح 3 مراكز جديدة لمتابعة العائدين من مناطق النزاعات في سوريا والعراق، مستوحاة من النموذج الدنماركي. وتشير أيضًا إلى تشديد المراقبة في الأجهزة الإدارية للدولة لاستبعاد الموظف المتطرف الذي يشغل منصبًا حساسًا أو يتيح له عمله التواصل مع الجمهور والتأثير عليه. حماية العلمانية وحسب صحيفة "لوفيجارو" تسعى الحكومة الفرنسية إلى التوصل لحل حازم لمشكلة الإرهاب الذى أصبح "العقبة والكابوس الوحيد"، وهو ما أدى إلى اتخاذ العديد من الإجراءات بجانب المساهمة الكبيرة في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية والمتشددة بمناطق الصراع في سوريا والعراق، من بينها خطة حماية النظام العلماني، وعدم إظهار أى توجه ديني على الصعيدين الحكومي والشعبي. وتقترح الخطة الجديدة إلزام طالبي الدعم بمن فيهم المواطنون ورجال الأعمال وأصحاب النشاطات التجارية أو الأهلية بالتوقيع على ميثاق التزام بالعلمانية، واشتراط متابعة تدريب خاص على قيم الجمهورية". كما تنص الخطة، وفقًا للحكومة، على إنشاء مركز قادر على تدريب جميع العاملين والموظفين الحكوميين على العلمانية بحلول عام 2020، وذلك من خلال تعزيز خطة التدريب القائمة بالفعل، والتي تقودها المفوضية العامة للمساواة القطاعية. نيات سيئة كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد صرح مؤخرًا لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش" بأنه يسعى إلى إعادة تنظيم هيكلية المؤسسات الإسلامية في فرنسا، وفي مقدمتها المجلس الإسلامي، وإجراء إصلاحات فيها، بما يسهم في إعادة تنظيم علاقاتها مع الدولة والمجتمع الفرنسي. لكن سرعان ما حذر رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي، أحمد أوغراش، من "نيات سيئة" خلف تصريحات ماكرون، بشأن المؤسسات التعليمية الإسلامية والأئمة والخطباء في فرنسا. وقال "أوغراش": "يوجد فهم خاطئ في فرنسا بخصوص المسلمين والإسلام"، مضيفًا أن ماكرون يريد طمأنة الشعب الفرنسي بخصوص الإسلام، بالتأكيد أنه الوحيد القادر على إجراء تعديلات وإصلاحات في بنية المؤسسات الإسلامية ومفهوم الإسلام، وفقًا ل"الأناضول". وتابع: "أما نحن فنقول إننا في دولة علمانية، ويمكن لماكرون بصفته رئيسًا للجمهورية أن يتقدم بتوصيات فقط في هذا الشأن وتسهيل مهامنا، فإجراء إصلاحات في المجلس الإسلامي مهمتنا ومسؤوليتنا نحن فقط". وأوضح أن ماكرون حينما يقول: إنه "سيصلح الإسلام"، فهو يعمل مع باحثين مناهضين للإسلام، بدلًا من العمل مع المجلس الإسلامي. وردا على سؤال بشأن نية ماكرون عدم جلب أئمة من خارج فرنسا، وضرورة تخريج أئمة من داخلها، شدد "أوغراش" على أنه من الإجحاف ربط أزمة الإرهاب بالأئمة الوافدين من خارج فرنسا، بل على العكس تمامًا فهذه المشكلة تظهر بين الأئمة الذين تتم تنشئتهم داخل فرنسا. ويبدو أن نية ماكرون إعادة هيكلة المؤسسات الممثلة لإسلام فرنسا تدخل في إطار خطته لمكافحة التطرف، بالإضافة إلى إبعاد كل الأئمة المتهمين بنشر الفكر المتطرف داخل المجتمع الفرنسي. ثلاثة تحديات وتعليقًا على خطة فرنسا لمواجهة التطرف، أفادت إذاعة "مونت كارلو" أن الرئيس الفرنسي يواجه ثلاثة تحديات أساسية في هذا الملف، يتوجب على الحكومة إيجاد معالجة لها بطريقة استعجالية. ويتضمن التحدي الأول: "طريقة التعامل مع ظاهرة العائدين الفرنسيين وعائلاتهم من مسارح القتال في سوريا والعراق وليبيا ومنطقة الساحل". والتحدي الثاني: "يكمن في العناصر المتطرفة المعتقلة في السجون الفرنسية بتهمة الإرهاب، والتي سيتم الإفراج عنها قريبًا بموجب انتهاء مدة اعتقالها.. حيث إن مصير هذه العناصر يثير مخاوف كبيرة وهو موضع تساؤلات قوية.. فهل أسهمت المدة التي قضوها في السجن بتخفيف حدة قناعاتهم الاٍرهابية وإعادتهم إلى الاعتدال والطريق الصحيح، وإبعادهم عن الفكر المتطرف العنيف عبر الإعلان عن توبة لا رجعة فيها؟ أم كما يخشاه البعض تحول السجن بالنسبة لهم إلى مسرح تطرف إضافي قد يحولهم إلى قنابل موقوتة تهدد أمن المجتمع الفرنسي. أما التحدي الثالث: "فله علاقة مباشرة بالسياسة التي ستتبعها الحكومة لمحاربة الخطاب المتطرف سواء عن طريق القنوات التقليدية التي تشكلها شبكات المساجد والجمعيات الدينية أو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت التي تُمارس استقطابًا قويًا على بعض الشباب، قد يصل إلى حد غسيل الأدمغة". وينطلق إيمانويل ماكرون من إقرار واضح بفشل السياسات التي اتبعتها الإدارات السابقة، والتي أطلقت مراكز محاربة التطرُّف بأن التحدي الكبير الذي يعترضه هو إيجاد سياسة وخيارات بديلة أكثر فاعلية.