تستمر فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي لليوم الرابع على التوالي في العاصمة الألمانية برلين، حيث افتتحت الدورة ال68 من المهرجان العالمي في الخميس الماضي وتواصل فعالياتها حتى يوم الأحد المقبل، وتشتد المنافسة كل يوم في المهرجان الذي يُعرف عن تدقيقه في اختيار الأعمال التي تعرض أو تنافس في المهرجان وتدقيقه في المفاضلة بين الأعمال المشاركة، ويشهد هذا العام حضورا وتمثيلا عربيا قويا بعدد من الأعمال التي تُعرض خلال الفعاليات ومن بينها الفيلم المصري «الجمعية» الذي ينافس كأفضل فيلم وثائقي ويصور حياة البسطاء في منطقة «روض الفرج» بالقاهرة. حضور عربي قوي في مهرجان برلين يمثل مهرجان برلين السينمائي هذا العام فرصة كبيرة للكثير من المخرجين لعرض أعمالهم خلال فعالياته وإن لم تكن في نطاق المنافسة، فقد عُرض حتى الآن أربعة أفلام عربية وهي أفلام: «عديم الجنسية» للمخرجة المغربية نرجس النجار، و«قرابة برية» للمخرجة الفلسطينية جُمانة، و«جاهلية» للمخرج المغربي هشام العسري، بالإضافة إلى الفيلم المصري «الجمعية» للمخرجة اللبنانية ريم صالح، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي ينافس على جوائز «الدب الذهبي» في قسم البانوراما هذا العام. ومن المنتظر أن يستمر خلال الأيام المقبلة عرض أفلام عربية أخرى تم اختيارها لتشارك في المهرجان خارج نطاق المنافسات على الجوائز، وهي 9 أفلام مختلفة تحمل جنسيات لبنانية وسورية وأردنية وإماراتية، بالإضافة إلى فيلم مصري آخر وهو «الأيدى الخفية» من إخراج كل من مارينا جيوتى وجورج سلامة، كإنتاج مشترك بين مصر واليونان. «الجمعية» يقترب من الجائزة استطاعت المخرجة اللبنانية ريم صالح الوصول إلى مهرجان برلين بفيلمها الوثائقي «الجمعية» الذي يعتبر نتاج سنوات طويلة من العمل الجاد والانخراط وسط الطبقات المصرية الفقيرة لتصوير هذا الفيلم كأول أعمالها الإخراجية، وليس من الغريب أن يتميز هذا الفيلم الذي يحظى بتمويل عربي عالمي مشترك، فهو فيلم مصري بإخراج عربي لبناني وبدعم لبناني يوناني قطري سلوفيني. حياة البسطاء تم تصوير أحداث الفيلم بالكامل في إحدى المناطق الشعبية، وهي منطقة «روض الفرج»، أحد الأحياء القديمة بشمال القاهرة، فبدلًا من التنقل بين المناطق القديمة والفقيرة في مصر أو حتى داخل القاهرة اختارت مخرجة الفيلم التركيز على «روض الفرج» وحدها لتتمكن من تمثيل الصورة الكاملة لأشخاص لا تتوقف معاناتهم وصراعهم اليومي من أجل الحصول على «لقمة العيش»، وتتجول الكاميرا داخل حارات وبيوت المنطقة الشعبية الفقيرة لتجسد تلك المعاناة اليومية التي يشارك فيها كافة أفراد الأسرة بلا استثناء؛ رجال ونساء وشيوخ وأطفال، فعلى الجميع أن يجتهد طوال النهار لكسب قوت يومه، في عمل روتيني لا يتوقف أبدًا. وثائقي أكثر من الواقعي يختلف فيلم «الجمعية» كثيرًا عن الأفلام الوثائقية التقليدية التي لا يرتفع فيها صوت فوق صوت الراوي وحده، فأطلقت المخرجة الكاميرات لتصور أشخاصًا عاديين يمارسون حياتهم اليومية بصورة طبيعية دون التأثر بوجود الكاميرات وطاقم العمل الذي لا يرغب إلا في نقل الصورة كما هي بدون أدنى تغيير أو تمثيل، وامتاز الفيلم أيضًا بابتعاده عن القضايا المعتادة بخلفياتها السياسية وأحداثها المتلاحقة ليتابع إحدى أهم القضايا الإنسانية، ألا وهي الحياة في الأماكن الفقيرة التي تبدو غير متصلة بعالمنا اليومي من قريب أو بعيد ولا تتأثر بالأحداث السياسية التي يرونها ليست أكثر من «تفاهات». مُسكّن لمشكلة الفقر لا ترتبط فكرة الفقر هنا بالبطالة.. فلا يوجد بطالة في «روض الفرج» التي لا تكف عن العمل منذ الصباح وحتى حلول الظلام، لكن غياب التوازن بين ما يقدمه المواطن من مجهود وما يجده من مقابل هو ما يترك أكثر الناس كدًا وهو أفقرهم على الإطلاق، ويلجأ سكان «روض الفرج» - كما يصورهم الفيلم- إلى الجمعية كحل مؤقت للحصول على مبلغ قليل من المال (وهو الكثير بالنسبة إليهم) لقضاء حاجاتهم المُلحّة إلى المال مقابل تخصيص أغلب ما يحصلون عليه لتسديد «أقساط الجمعية» على مدار شهور طويلة.