إيه قصة ألف ليلة وليلة؟ حكاية شهرزاد وشهريار معروفة ومش محتاجة كلام، وكلنا فاكرين حكايات هارون الرشيد والوزير جعفر وجلنار وقمر الزمان والبنات والحمال. القصة الرئيسية بتحصل في زمن ومكان محدد، يعني الألف ليلة وليلة اللي بتقعدهم شهرزاد في قصر شهريار، بينما القصص الفرعية بتحصل في أماكن وأزمنة متعشّقة جوه الحواديت والحكايات اللي بتحكيها شهرزاد. إنما الواحد مايقدرش يفصل زمن القصة عن مكانها ولا مكانها عن زمنها، لأن قصة ألف ليلة وليلة لها "زمكان" محدد حسب تعبير المفكر الروسي ميخائيل باختين. الزمكان عبارة عن تعشيق الزمن والمكان في عالم القصة، ومالوش علاقة بالواقع اللي إحنا عايشينه، مثلاً بالوقت اللي بناخده في المرواح والمجي من مكان لمكان، أو بالمسافات اللي لازم نمشيها عشان نقضي مشاويرنا. الزمكان عبارة عن زمن ومكان في نفس الوقت، مكان وزمن في نفس الحتة، بيحدد إطار مميز للقصص في جميع أشكالها وأنواعها. الزمكان بيتكون من عنصرين: أولاً خصائص الزمن اللي بتحكم الشخصيات والأحداث ووقت الحكي، ثم خصائص المكان اللي بتحكم المناطق اللي الشخصيات والأحداث بيمروا بها. في قصة زي ألف ليلة وليلة، خصائص الزمن واضحة: مدة الألف ليلة بتحكم مدة القصة، من أول ما شهرزاد ابتدت تحكي حواديتها لغاية لما شهريار قرر يتجوزها. طبعًا الألف ليلة مش ليالي واقعية: مدة الحكي في حد ذاتها مش منطقية (تخيل يا عيني واحدة بتقعد تحكي أكثر من سنتين ونصف من غير ما تاخد يوم أجازة)، وأحيانًا القصص اللي بتتحكي جوة قصص ثانية مدتها أطول من إنها تتقال في ليلة واحدة. بالتالي زمن الألف ليلة وليلة بيفترض إن مفيش مدة واقعية للحكي، والحكايات اللي جوة الحكايات ممكن تستغرق شهور وسنين ببساطة. خصائص المكان متعددة بنفس الشكل. من ناحية فيه المكان الرئيسي للقصة الرئيسية، وهو قصر شهريار، ومن ناحية فيه الألف مكان ومكان اللي بننط منهم بين حكاية والثانية. الواحد بيطير من قصر لقصر ومن مملكة لمملكة، وكأن الشخصيات بتتقابل في فضائات وهمية بين بغداد وسمرقند، بين السماء والأرض، بين القصور والجبال. الحركة بين الأماكن دي مالهاش علاقة بالحركة الواقعية بين بغداد وسمرقند مثلاً، لأنها متمنطقة في سياق المقابلات والحوارات بين الشخصيات الرئيسية، أياً كان المكان اللي بتدور فيه الأحداث وبغض النظر عن الزمن اللي بتستغرقه. بالتالي الواحد مايقدرش يفصل مكان الحكاية عن زمن الحكي في قصص ألف ليلة وليلة، لأن الحركة بين مكان ومكان مبنية على فكرة إن أي شخصية ممكن تتحول لحاكي أو مستمع في أي وقت، سواء في حالة شهرزاد وشهريار، أو الوزير جعفر وهارون الرشيد، أو البنات والحمال. إذن نقدر نقول إن فيه مفارقة بين زمن الحكي ومكان الحكاية: كلما كان زمن الحكي ثابت، كلما الأماكن بتتغيّر في الحكايات المتوالية؛ وكلما كان زمن الحكي جاري، كلما ثبتنا في نفس المكان عشان نتابع الأحداث المتتالية. فمثلاً لما القصة بتدور بين شهريار وشهرزاد، زمن الحكاية بيجري بمقياس الألف ليلة وليلة في القصر، ولما الزمن بيثبت في حكاية ليلة من الليالي، الأحداث بتجري من مكان لمكان برة قصر شهريار. في الآخر نقدر نقول إن الألف ليلة وليلة مالهاش قصة مميزة، وإنما زمكان مميز. القصص الرئيسية والفرعية بتخللي الحاكي ينقل المستمع بين نوعين من الزمن والمكان: أولاً وقت جاري ومكان ثابت (زي الأحداث اللي بتحصل بين شهرزاد وشهريار في القصر)، وثانياً وقت ثابت وأماكن جارية (زي الأحداث اللي بتحصل لما شهرزاد بتحكي حواديت لشهريار). القصة الرئيسية اللي بتدور بين شهرزاد وشهريار مجرد مبرر سردي للقواعد الزمكانية دي. القارء مش هيتضايق إذا اكتشف فجأة إن قصة شهرزاد كانت جوة قصة ثانية من أساسه، زي ما هو مابيتضايقش من الحواديت اللي بتفتح في حواديت ثانية جواها. الأساس مش القصة في حد ذاتها، وإنما منطق الزمكان اللي بيخللي الحاكي والمستمع ثابتين والأحداث والحواديت بتجري. قصة زيادة ولا قصة أقل ماتفرقش، لأن الزمكان بيحدد عالم القصة زمبقولك كده.