كتب – إسلام عبدالخالق «محدش حاسس بالغلابة».. كان هذا لسان حال أهالي القرى المُطلة على مصرف «بحر البقر» بمدينة الحسينية في الشرقية، بعدما طالت استغاثاتهم من المكان الموبوء الذي لم يتوقف عن استقباله للقمامة والصرف الصحي والصناعي السام طوال عشرات السنين، دون أدنى استجابة من أي مسؤول. تاريخ المصرف يمتد لأكثر من مائة عام؛ حيث شُيد عام 1914 وكان مُخصصًا في البداية للصرف الزراعي فقط، قبل أن تتدخل الحكومة المصرية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وتأمر باستقبال لمياه الصرف الصحي لسكان القاهرة الكُبرى، الأمر الذي انعكس على سوء حال معظم الزراعات المصرية التي ترويها مياه المصرف الممتد لأكثر من 190 كيلو مترًا، تبدأ من جنوبالقاهرة، مرورًا بمحافظات «القليوبية، والشرقية، والإسماعيلية» حتى تصل في النهاية إلى المصب في بحيرة «المنزلة» في الدقهلية. «محدش حاسس بينا» المكان تسبقه رائحته الكريهة، والتي يُميزها الأهالي من مسافات قريبة، وفق ما يؤكده سامح حسن، أحد أهالي قرية «سعود»: «الريحة صعبة هنا، وكمان المكان مليان حشرات وبلاوي ومحدش حاسس بينا». وأضاف سامح ل«التحرير» أن المصرف بات يُهدد حياة ملايين المصريين وليس أهالي القرى الممتدة بالقرب منه: «المياه بتاعة المصرف الناس بتروي منها الأرض، والمحصول اللي بيطلع بيبقى شبعان أمراض وبلاوي سودة.. والله ما في حد بيقدر حياة الناس، والأهالي هنا بيزرعوا ويبيعوا محصولهم وبعدها يروحوا قرى بعيدة عننا يشتروا حاجتهم من خضار وفاكهة علشان عارفين إن المحاصيل بتاعتهم مليانة أمراض ومش ممكن ياكلوا منها». يقترب أحد الأهالي من مراسل «التحرير» ليلتقط أطراف الحديث: «سمعنا إن فيه ناس مسنودة بيربوا سمك في مزارع قريبة من المصرف ويبيعوه للناس الغلابة.. يا ريت توصلوا صوتنا للمسئولين يمكن يحسوا بينا». وكر الأمراض «قصدك الغول».. يقولها النائب رائف تمراز، عضو مجلس النواب عن دائرة الحسينية ووكيل لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي بالمجلس ل«التحرير» مشيرًا إلى أن المصرف مشهور بين أهالي قرية «بحر البقر» والقرى المحيطة بهذا الاسم؛ نظرًا لما يُسببه من خطرٍ داهم وأمراض تُهدد حياة الإنسان والحيوان على حدٍ سواء. وأوضح تمراز، أن الجهات الحكومية بدلًا من أن تعمل على إيجاد حلول لمشكلات المصرف، وفرت طلمبات ومحطات رفع ثلاثي للفلاحين، ليتمكنوا من استخدام المياه الملوثة في ري أراضيهم، ما يؤدي في النهاية إلى محاصيل زراعية وفاكهة مليئة بالأمراض وترفض العديد من الدول صادرات المحاصيل المصرية بسببها. وشدد وكيل لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي بمجلس النواب، على أن وزارات «الري، والبيئة، والتنمية المحلية» جميعها تتحمل مسئولية تدهور حالة المصرف وما آلت إليه من مخاطر، حيث طوال الفترات الماضية كانت قرارات الوزراء بتكل الوزارات مجرد وعود زائفة ووهمية لم يتحقق منها شيئًا، مطالبًا بتوفير محطات لتنقية ومعالجة المياه بالمصرف مثلما يحدث في العديد من الدول المتقدمة، حيث أن هناك أكثر من مائة فدان في قرية «بحر البقر» فقط لا توجد مصادر مياه ري لها سوى المصرف. حالات فردية من جانبه، نفى المهندس علاء عفيفي، وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، وجود طلُمبات لري الأراضي القريبة من المصرف، مضيفًا: «معندناش الكلام دا.. فيه محطات تنقية خماسية وثلاثية وكمان محطات تحلية، ولو فيه تجاوزات حصلت وحد روى أرضه من مياه المصرف بيبقى فيه محاضر تقول الكلام دا». وتراجع وكيل وزارة الزراعة قليلًا عن نفيه: «ممكن تكون حالات فردية الفلاحين بيستخدموا فيها مياه المصرف في حالة عدم وصول مياه، لكن مياه النيل بتوصل بكل سهولة لكافة أراضي الفلاحين القريبة من المصرف في الشرقية». وفي نفس السياق حاولنا التواصل مع المهندس أمجد لبيب، وكيل وزارة الري بالشرقية؛ للوقوف على مُسببات الأزمة ومعرفة تعليقه على تصريحات الأهالي، إلا أنه لم يُجب على هاتفه الخاص لأكثر من مرة.