لا يبالى طالب الثانوية العامة المجتهد أو باللغة العامية «الدحيح» إلا بحضور الدروس التي أصبحت تكلفتها تفوق احتمال أغلب الأسر حاليًا، ليقضي العام كله منكفيًا على الكتب، ويتحمُل الضغوط النفسية، حيث لا يتسنى له أن يحصل على إجازة قصيرة ليتخلص منها، ويصل الأمر عند البعض إلى المرض، وذلك كله في سبيل الحصول على مجموع عالٍ، سواء إن كان له هدف منه أو لم يكن. ولكن ماذا بعد؟ على افتراض أحسن الأحوال، يحصل الطالب على المجموع الذي يتمناه، ويدخل به إحدى «كليات القمة» -كما تسمى- أو لم يستطع دخولها لفارق قد يكون بسيطًا.. وفي كلا الحالتين يكتشف أن سوق العمل له قواعده وقوانينه المغايرة لما كان يعرفه حين كان طالبًا، تتغير أهدافه، ويتيقن أن رعبه من الثانوية العامة ما كان إلا «وهمًا لا داعي له». ماريان داوود (23 عاما) والتي تخرجت فى كلية الهندسة، جامعة القاهرة بعدما حصلت على مجموع 98%، تقول إنها لم تكن تحلم عندما كانت في الثانوية العامة إلا بالالتحاق بهذه الكلية، لكن عندما تخرجت وعملت بإحدى الشركات الخاصة للاستشارات الهندسية، اكتشفت أن زملاء لها ليسوا من خريجي الكلية ويعملون في مناصب أعلى ويأخذون رواتب أكبر: «لو كنت أعلم ما حدث كنت عشت حياتي كفتاة طبيعية وقت الثانوية العامة». «كانت ليلة عصيبة للغاية».. يرد السيد سعد الدين (26 عاما)، صحفي، على سؤال حول شعوره ليلة إعلان نتيجة الثانوية العامة، متذكرًا كيف اجتمعت عائلته كلها في انتظار صدورها، وكيف كانت خيبة أملهم بعدها. السيد حصل على 97% في مجموع السنتين (الثانية والثالثة) للثانوية العامة، في شعبة علمي علوم، إلا أن تلك النتيجة لم تمكنه من دخول أي من كليات الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان، التي كان يفضل، وأسرته، أن يسجل في أي منها: «اخترت أن التحق بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، بدلًا من كلية الطب البيطري. كان العام الدراسي الأول صعبًا عليِّ، ولم أكن أحب الكلية، إلا أن وجهت نظري تغيرت بعد أن بدأت اختبر حياتي العملية». يكمل السيد: «بدأت أتدرب في عدة صحف مصرية، ومن هنا أحببت المجال الذي لم يكن خطر على بالي عندما كنت في الثانوية العامة.. ولم يكن هذا الشىء الوحيد الذي تغير في تفكيري وأهدافي، لكن أدركت أن حتى ما احببته في كلية الإعلام لن يفيدني كثيرًا في الخارج حين أبحث عن وظيفة، فالأهم في هذا المجال وغيره ليس الحصول على تقدير عال إنما صقل الموهبة هو الفيصل». أما أحمد حسين (27 عاما) فيعترف أنه لم يكن مجتهدًا كثيرًا وقت الثانوية العامة، وحصل على 70% في شعبة الأدبي، والتحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس، لكن ورغم ذلك عمل في مجال الإعلانات الخاصة بالشركات، يقول: «لم يكن مجموعي عائقا أمامي للوصول إلى هدفي بأن أعمل في منصب جيد وأحصل على راتب مناسب، وكانت دراستي ليست إلا خطوة لكي يصبح معي شهادة الليسانس، لكن لم أستفد منها شيئا في حياتي العملية». حسين يؤكد أن تجربته ليست دعوة إلى إهمال التعليم والدراسة إلا أنه يرى أن الأهم هو تعلم مهارات التي يتطلبها سوق العمل حسب المجال الذي يختاره الشخص لنفسه.