من رحم تنظيم القاعدة في العراق ولد داعش، وفي غضون سنوات قليلة بات لهذا التنظيم دولته الممتدة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية، وبات يمتلك من القوة البشرية والعتاد العسكري والاقتصاد ما يهدد بإسقاط الدولة في هذين البلدين وبالتمدد نحو بلدان أخرى. ورغم صورته الدموية والوحشية، التي لم يتردد هو بالترويج لها عبر شبكات التواصل العالمية، استطاع داعش أن يجعل عامل الاستقطاب الأساسي لديه من خلال صراع الهويات وقتال العدو القريب المتمثل بالشيعة والحكومات العلمانية في المنطقة. ولكن بعد 3 سنوات من ظهوره، أصبح تنظيم داعش على وشك الهزيمة الكاملة، حيث حرر الجيش العراقي الموصل، أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم، في حين اخترقت ميليشيا سورية البلدة القديمة في الرقة، عاصمة الخلافة الزائفة. وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، رسمياً، عبر التلفزيون الحكومي، النصر على تنظيم (داعش) في الموصل، وقال العبادي في خطاب: "أُعلن من هنا وللعالم أجمع، انتهاء وفشل وانهيار دولة الخرافة والإرهاب الداعشي الذي أعلنه الدواعش من هنا من مدينة الموصل قبل 3 سنوات". بينما قالت مجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، "من المبكر جداً الاحتفال بهزيمة داعش، فمنذ صعود التطرف الجهادي قبل 4 عقود، تبين أن من سماته الأكثر ديمومة، من خلال تجلياته دائمة التطور، هي قدرته على إعادة تأسيس وإحياء الحركات التي بدا أنها قد هزمَت". وتضرب المجلة مثالاً بزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، الذي خرج من أفغانستان في عام 1989، بعد أن تسببت حساباته الخاطئة في مقتل الآلاف من المقاتلين العرب، وتم طرده من السودان، وفقد جنسيته السعودية في التسعينيات. وعاد مرة أخرى لتنفيذ هجمات 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاجون في أمريكا، إلا أنه اضطر للفرار من أفغانستان، ليختبئ. وبعد عقد من الزمان، قتل بن لادن في غارة قامت بها مجموعة من البحرية الأمريكية، وألقيت جثته في البحر، إلا أنه في كل مرة كان يبدو أن تنظيم القاعدة قد انتهى، كان يتعافى فعلاً ويعود أقوى مما كان عليه. وقد اتبع تنظيم داعش نمطاً مشابهاً، فأول ظهور له في العراق كان على وشك الانهيار عامي 2007 و2008، إلا أن زعيم التظيم الجديد أبوبكر البغدادي، وفي غضون 7 سنوات، أعاد تنظيم مجموعته وأعاد تشكيلها. وبحلول عام 2015، كان قد اجتذب أكثر من 30 ألف مقاتل، من 100 دولة، للقتال من أجل أول خلافة حديثة. وكان لداعش مخططاً واحداً وهو التآمر للاستيلاء على الأراضي، ومن ثم إرغام المسلمين قسراً على الانضمام إلى صفوفه، أو مواجهة الموت، إلا أن التنظيم وصل إلى طريقٍ مسدود في ظل مواقفه الطاغية المتنافسة، وكان من الواضح بشكل متزايد أن عالم الجهاد لم يكن كبيراً بما فيه الكفاية، واليوم، في ظل الانقسام بين تنظيم القاعدة وداعش، نشهد صراعاً داخل الخط الجهادي السلفي نفسه، وهو انقسام لا يدور حول الهدف النهائي، إذ إن كلا الجانبين يؤمن باستعادة الخلافة، لكن يدور حول سرعة الوصول لهذا الهدف. وتابعت "ذا نيويوركر" أنه بعد الزوال النهائي لحلم الخلافة، يواجه تنظيما داعش والقاعدة قرارات وجودية، وأكبر قرار هو ما إذا كانت لديهما رغبة في لم الشمل، ويعتقد أنهما قد يقبعان تحت سلطة النجم الصاعد لابن بن لادن المفضل، حمزة، الذي اعتقل مع والدته في إيران لعدة سنوات، حيث ظهر بن لادن الصغير في أول مقطع صوتي له عام 2015، وقدمه الظواهري على أنه "أسد من مقاتلي القاعدة"، ومن المؤكد أن داعش لم يعد قادراً على زعم التفوق في عالم الجهاد المسلح. وختمت المجلة بالقول إنه "لو عاد تنظيم داعش مرة أخرى بلا دولة، وعاد فرد من عائلة بن لادن مرة أخرى على رأس تنظيم القاعدة، سيعود جهاديو داعش إلى التنظيم الأم، وإلى الشكل العالمي للجهاد الذي كان يدعو إليه والد حمزة ، وبعبارة أخرى، فإن الهزيمة العسكرية لداعش قد تمهد الطريق لعودة تنظيم القاعدة في صورة أكثر قوة".