العبد لله من الذين كتبوا وقالوا حتى بح صوتهم «فقط لم نغن ولم نعزف على الربابة» إن طريق الحساب الذى جرى السير فيه «اضطرارا وبالعافية»، لإقامة العدالة على رموز نظام الفساد والإجرام الذى شيده الأستاذ حسنى مبارك وأسرته وعصابته، وكبس به على أنفاس أهالينا ثلاثين عاما، كان طريقا خاطئا ومعيوبا وغير مناسب أصلا لهذا النوع من المجرمين ولا لطبيعة جرائمهم، لا سيما أن التجارب والفكر الإنسانيين أبدعا مسارات أخرى قضائية وتشريعية، تضمن كفاءة وفاعلية أكبر فى الحساب من دون إخلال بمعايير وضمانات المحاكمة العادلة. ورغم أن لدى عبد الله الفقير كاتب هذه السطور ثقافة قانونية متواضعة، لكنها تكفى لترجيح احتمال أن تنتهى محاكمة المخلوع أفندى وولديه الجارية حاليا إلى إدانتهم بتهم قتل المصريين وسرقتهم، حتى لو أجمع جيش شهود القضية «حوالى 600 شاهد»، على الشهادة بالزور باعتبار أن نسبة كبيرة من هؤلاء كانوا خدما مخلصين فى بلاط العصابة التى ثار عليها الشعب.. رغم هذا فإن احتمال الحكم ببراءة المخلوع أفندى وجوقته هذا الذى يشيعه بعضهم الآن ويصدقه أغلب الناس بما يعكس عمق الشعور العام بعدم الثقة، هذا الاحتمال وإن كان ضعيفا جدا، إلا أنه وارد وليس مستبعدا تماما لأسباب معروفة، غير أن عقلى لا يستطيع قبول حكم بهذه الشاكلة يصدر بغير أن يقدم الذين وقفوا خلفه إجابة فورية عن سؤال: من إذن المسؤول عن إزهاق أرواح نحو ألف شهيد من زهرة شباب الوطن؟ ومَن الذى أطفأ نور البصر وجرح وأصاب أكثر من 6 آلاف فتى وشاب آخرين؟! من جانبى أنفقت وقتا ليس قليلا فى البحث عن إجابات منطقية معقولة لهذا السؤال، وتوصلت بالفعل إلى ثلاثة أجوبة قد تستعصى على عقول أغلب الحمير، بيد أنها مناسبة جدا لحالة الاستحمار الراهنة: أولا: أن الشهداء جميعا ليسوا شهداء ولا يحزنون، وإنما مجرد كفار بنعمة الحياة أقدموا من فرط الحقد وسوء الخلق على ممارسة فعل الانتحار الجماعى العلنى، لا لسبب إلا إحراج المخلوع أفندى والكيد له ولأسرته وباقى أعضاء عصابته، وأن كل واحد من هؤلاء المنتحرين اشترى «رغم الغلب والفقر» بندقية آلية أو بندقية خرطوش «استعمال طبيب»، ثم نزل إلى الشارع وصوبها نحو نفسه، وأطلق منها عدد الذخائر والرصاص الكافى لإزهاق روحه، بدليل أن جثامينهم كلهم تقريبا كانت مخرمة بطلقات عدة، مما يؤكد أن الواحد منهم كان إذا أطلق على رأسه أو صدره النار مرة لا يتوقف ولا يشبع وإنما يعيد الكرة مرة واثنتين وثلاثا وعشرا حتى يطمئن قلبه تماما إلى أنه مات فعلا! ثانيا: أن شياطين استغلت أحداث الثورة وهبطت من الجحيم علينا، وهى التى قامت بقتل وجرح شبابنا، مستغلة أن قوات الشرطة عندما رأت الشعب المصرى ينزل إلى الميادين والساحات قررت أن لا تزعجه بوجودها وذهبت فورا إلى السينما. وإذا بدا لمن يريدون البراءة لمبارك أن إلقاء المسؤولية على الشياطين هو إجابة شافية عن سؤال من قتل الشهداء وجرح الجرحى؟ فإننى أتوقع خلافا شديدا يدب بينهم حول جنس ولون هذه الشياطين، فهناك فريق سيقول إنها شياطين من الجنس الأزرق، وفريق آخر قد يصر على أن لونها أحمر «حلاوسك»، وربما يظهر من يقول بحماس إن مرتكب هذه الفعلة النكراء شياطين من النوع البمبى بالذات، باعتباره اللون الذى صبغ حياة المصريين ثلاثين عاما بينما كانوا يظنونه أسود ومنيل بستين نيلة. ثالثا: بيد أن هناك إجابة أخرى ربما تكون أسهل وأقوى وأقل إثارة للمشكلات والخلافات من الإجابتين السابقتين.. إنها، ببساطة، نفى وإنكار وجود شهداء ومصابين من أصله، والزعم بأن هذه الحكاية من أولها لآخرها مجرد فرية وشائعة مغرضة اختلقها وروجها عملاء التحالف «الصربى الصومالى» المعادى والمتربص دائما بمصر الجديدة ومدينة نصر!