انطلقت اليوم أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في العاصمة الكازاخية أستانا بحضور قادة وزعماء الدول الأعضاء، وهي روسياوالصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ووفقا لتقاليد هذه المنظمة، يلتحق زعماء وممثلو الدول المراقبة في المنظمة، في أعقاب اجتماع مجلس قادة الدول الأعضاء، بجلسة موسَّعة. والدول المراقبة هي أفغانستانوبيلاروسيا ومنغوليا، وسينضم إليهم في هذه القمة وزير الخارجية الإيراني ورئيسا وزراء الهند وباكستان. هذه القمة مهمة من حيث المبدأ بسبب انعقادها على خلفية الأزمتين السورية من جهة، والخليجية من جهة أخرى، وكذلك القمة "العربية – الإسلامية – الأمريكية" من جهة ثالثة. ورغم التجاهل الغربي، والدولي عموما لهذه القمة، فإن وسائل الإعلام الروسية تدشن حملة إعلامية "جبارة" لإظهار قوة ونفوذ منظمة شنغهاي للتعاون، خاصة في ما يتعلق بضم الهند وباكستان، وأن هذه المنظمة ستكون بديلا لمجموعة "الثماني الكبار" التي أصبحت "السبع الكبار" بعد تجميد عضوية روسيا فيها، وفي أسوأ الأحوال، ستكون هذه المنظمة مساوية للثماني الكبار، وربما لحلف الناتو كله. وتركز وسائل الإعلام الروسية، في حملتها الإعلامية الغريبة، على أن انضمام الهند وباكستان لمنظمة شنغهاي للتعاون سيعمل على نقل المنظمة نوعيا وكميا، لأن مجموع السكان فيها سيشكل 44 في المائة من مجموع السكان في العالم. هذا على اعتبار أنها دول متجانسة وقادرة على الوجود في مركب واحد! مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف استبق هذه القمة ليؤكد بأن زعماء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون سيبحثون في اجتماع القمة في أستانا، يومي الخميس والجمعة، الأوضاع في الشرق الأوسط وأفغانستان وسيتبنون بيانا مشتركا حول مكافحة الإرهاب الدولي. إضافة إلى موضوع تفاقم الوضع الأمني في أفغانستان وتوسيع نشاط تنظيم "داعش" هناك. وذهب المسؤول الروسي الكبير إلى أن روسيا تؤيد انضمام إيران هي الأخرى إلى منظمة شنغهاي للتعاون، لأنها قدمت طلبا بذلك في عام 2008. في الحقيقة، إذا كانت روسياوالصين تؤيدان انضمام إيران لمنظمة شنغهاي، فإن طاجيكستان تواصل رفضها لذلك، بسبب دعم طهران منظمة إرهابية تعمل على الأراضي الطاجيكية. ومن الواضح أن بكينوموسكو تتلاعبان بالورقة الإيرانية، ولكن اعتراض طاجيكستان يعمل على تأجيل هذا الموضوع، على الرغم من تكرار الطلبات الرسمية الإيرانية طوال السنوات التسع الأخيرة للانضمام إلى هذه المنظمة. وكانت طاجيكستان تؤيد انضمام إيران لمنظمة شنغهاي حتى عام 2015، ولكنها غيرت موقفها نظرا إلى دعم إيران لحزب الصحوة الإسلامية في طاجيكستان، وهو حزب تصنفه طاجيكستان في خانة المنظمات الإرهابية. وقالت صحيفة "إزفستيا" إن طاجيكستان ستظل تعترض إلى أن تعلن طهران هذا الحزب منظمة إرهابية. في أبريل 2017، ناقش ممثلو الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في لقاء أستانا ما وصفوه ب"النجاحات" التي تم تحقيقها في محاربة الإرهاب، ومسألة تنسيق عقيدة جديدة لمحاربة التطرف. وقال المراقبون العقلاء آنذاك إنه من الصعب أن تتوصل روسياوالهند وباكستان والصين إلى رأي موحد مهما كانت المنظمة التي تضمهم. وحسب رأي كبير الباحثين في مركز دراسات شرق آسيا ومنظمة شنغهاي للتعاون في معهد موسكو للعلاقات الدولية إيجور دينيسوف، فإن الهند، وفق رأي العديد من خبراء الصين، دولة أكثر "غربية" من بقية الأعضاء، ما قد يؤثر سلبا عند اتخاذ القرارات. والصين تريد أن تكون المنظمة مستقرة وموحدة. وإذا كان انضمام الهند وباكستان سيعزز -نظريا- إمكانيات المنظمة في محاربة الإرهاب، فإن الخلافات بين البلدين قد تذهب بجميع فوائد توسيعها. إذ إن المشكلة الرئيسية هنا عدم وجود ثقة متبادلة بين البلدين، لذلك من الصعب الحديث عن تبادل المعلومات بينهما عندما يتهم كل منهما الطرف الآخر بدعم الإرهابيين. قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في يونيو 2016، كانت تشكيلة المنظمة كما هي (روسياوالصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، بالإضافة إلى منغوليا والهندوإيران وباكستان وأفغانستان بصفة مراقب، وبيلاروسيا وتركيا بصفة الشريك في الحوار. في تلك الدورة رفضت بيلاروسيا تغيير وضعها، ولم يشارك أردوغان الذي كان حريصا على المشاركة في السنوات السابقة، وتم تجاهل طلب إيران للمرة الثامنة، واعتبار تركيا غير حاضرة أصلا، على الرغم من وجود ممثلين لأنقرة. وأعلن سكرتير عام المنظمة رشيد عليموف آنذاك عن وجود 5 طلبات مقدمة للشراكة في إطار المنظمة. وقال إنها لدول تنتمي إلى شرق أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا لن يكون التوسيع الاخير الممكن للمنظمة، مشددا في الوقت نفسه على أنه لا يرى وجود أي تناقض أو خطر في انضمام الهند وباكستان المقبل إلى المنظمة، إذ تمتعت الدولتان وعلى مدى 11 عاما بصفة مراقب في المنظمة، وقرار انضمامهما إلى المنظمة قد تمت دراسته بشكل عميق وعلى مدى سنوات. وفي الوقت الذي خيَّبت فيه بيلاروسيا آمال الجميع بعدم انتقالها من صفة الشريك في الحوار إلى صفة المراقب، كان تردي العلاقات الروسية - التركية عاملا آخر في إظهار تفتت هذه المنظمة وتشرذمها، وتأرجحها بين الأهواء السياسية العابرة. وفي إطار التضخيم والحملات الإعلامية والدبلوماسية، أشار السفير الروسي لدى الصين آنذاك أندريه دينيسوف إلى أن هناك 18 دولة ضمن المنظمة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع أشكال التعاون. وهذا كلام غير دقيق يهدف في الأساس إلى بروباجندا قصيرة النظر لإقناع الرأي العام بأن كل شىء على ما يرام، وأن هناك منظمات واعدة ستواجه المنظمات والهيئات والتشكيلات الغربية. أجندة قمة شنغهاي في طشقند، في يونيو 2016، تضمنت عدة محاور أساسية، وفقا لمقال كتبه الرئيس الصيني شي جين بينج: - توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف والجريمة المنظمة. - تعزيز التعاون العملي في المجال الاقتصادي - التجاري، ومجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والزراعة والشؤون الإنسانية. - بحث التحديات الأمنية الدولية والإقليمية الجديدة، وكيفية مواجهة المخاطر الناجمة عنها. وبالطبع، ترافقت هذه المحاور مع بروباجندا أخرى ركَّزت على بحث علاقة منظمة شنغهاي بكل من مجموعة "بريكس" (البرازيلوروسياوالهندوالصين وجنوب إفريقيا) ومجموعة العشرين والأمم المتحدة. وبالطبع لا يوجد أي شىء من هذا القبيل. أما قمة اليوم، في العاصمة الكازاخية أستانا، فهي امتداد لقمة طشقند 2016. أي من الممكن أن تقر هذه القمة وثيقة حول "عقيدة جديدة لمحاربة التطرف". وهذا كلام قديم للغاية يجري الحديث فيه طوال السنوات الثماني الأخيرة. وحسب مصادر قريبة من القمة، فإن المواد الأساسية للوثيقة الجديدة ستنقل من الوثيقة القديمة، التي أقرت عام 2001. ولكن سيضاف، بإصرار من موسكو، إلى تفسير مكافحة التطرف، بند تغيير السلطة الشرعية بالقوة، ليس فقط في سياق المخاطر الإرهابية، بل بصورة أوسع. ولا أحد بالطبع يعرف ما هو المقصود بكلمة "أوسع"، إذ ربما يتعلق الأمر بانتفاضات الشعوب والمجتمعات ضد الأنظمة الاستبدادية، أو ما تصفه روسيا ب"الثورات الملونة" أو "ربيع الشعوب"! في كل الأحوال، من الصعب أن تخرج قمة منظمة شنغهاي للتعاون بقرارات "جبارة" تغير وجه العالم والتاريخ. ومن الأصعب أن تنفذ أي قرارات جدية يمكن اتخاذها في هذه القمة، وذلك على خلفية الأزمات والمشكلات الحادة ليس فقط في سوريا ومنطقة الخليج، ولكن أيضا في أوكرانيا ودول البلقان التي تنضم تدريجيا إلى حلف الناتو، وتوسع الحلف شرقا نحو الحدود الروسية، ونشر عناصر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا وكوريا الجنوبية. أي ببساطة، ستكون مساحة البروباجندا حول نتائج هذه القمة أكبر بكثير من مساحة الجدية والفعل، لأن هناك خلافات شديدة الوطأة بين أعضاء هذه المنظمة من جهة، وخلافات تاريخية بين الدول التي ستحصل على العضوية من جهة أخرى. هذا إضافة إلى يقين العديد من الأعضاء بأن روسيا توجه هذه المنظمة لتحقيق أهداف ومصالح خاصة بها، ولتصفية حسابات مع الولاياتالمتحدة وحلف الناتو قد لا تهم العديد من الأعضاء.