دون مناقشة، انتهى مجلس النواب إلى التصديق مباشرة على مشروع قانون يعرف بقانون الهيئات القضائية بعد التصويت عليه خلال جلسة عامة برفع الأيدي، وسط اعتصام واحتجاج أكثر من 30 نائب ونائبة لرفض مشروع القانون. تقدم أحمد حلمي الشريف، وكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان، في شهر يونيو 2016 بمشروع قانون يهدف إلى تعديلات على 4 قوانين تنظم عمل الهيئات القضائية، إلّا أن تلك الجهات القضائية رفضته وأكدت عدم دستورية تلك التعديلات، واضطر النائب وقتها إلى سحب مشروع قانونه مرّة أخرى ووعد بأن يعاود تقديمة للجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس. يذكر أن مشروع القانون ظهر في الوقت الذي تشهد فيه مصر تظاهرات واحتجاجات وقضايا هنا وهناك وتصريحات وجدل في وسائل الإعلام حول أزمة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود ما بين مصر والمملكة، والتي بمقتضاها تتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، وتدخل القضاء الإداري في جلسة برئاسة المستشار يحيى الدكروري في منتصف عام 2016 حكمًا يقضي بأحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير، الأمر الذي أحرج الحكومة وتسبب في وقف وتعطيل الاتفاقية، وهو ما دفع نواب وحركات سياسية باتهام الحكومة بأنها تنوي سوءًا من وراء القانون لأغراض عدة منها الإطاحة بقضاة مجلس الدولة. وفي مطلع 2017 تقدم أحمد حلمي الشريف، مرّة أخرى بمشروع قانون بعد إجراءه تعديلات على مشروعه القديم الذي تم رفضه، وأدرج على جدول مناقشات لجنة الشئون التشريعية والدستورية للنظر فيه، ورفضه ثلث أعضاء اللجنة مقابل موافقة الثلثين عليه، ومرر إلى الجلسة العامة في سرعة وعجالة دون العرض هذه المرّة على الجهات المختصة التي ينظم عملها القانون وهى الهيئات القضائية لأخذ الرأي في مشروع القانون. جوهر تعديلات قانون الهيئات القضائية يتمثل في تعديل 5 مواد خاصة بتعيين رؤساء الهيئات القضائية بأن يتم ترشيح أقدم ثلاثة قضاة من أقدم 7 داخل الهيئة وإرسال أسماءهم إلى الرئيس السيسي قبل 60 يومًا من انتهاء مدة رئاسة رئيس الهيئة الموجود في ذلك الوقت. مجلس الدولة حدد موعدًا للنظر في مشروع القانون الوارد من البرلمان، وأصدر مذكرة أكدت أن هناك شبه عدم دستورية حول مشروع القانون، وأعلن ذلك في خطاب رسمي للبرلمان، معتبرًا أن تلك التعديلات قد شابها عدم الدستورية، و من شأنها إهدار استقلال السلطة القضائية الذى أقره الدستور الحالى كإحدى صور مبدأ الفصل بين السلطات الذى أكدته النصوص الدستورية. الهيئات القضائية أعلنت موقفها أن القانون ينتهك استقلال القضاة، وطالبت الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالتدخل ورفض التصديق على قانون السلطة القضائية الذي وافق البرلمان. آليات التصعيد لعدم موافقة الرئيس على القانون، كشف عنها المستشار محمد عبدالمحسن منصور، رئيس نادي قضاة مصر، موضحًا أنه تم التواصل مع جميع الهيئات القضائية لاتخاذ موقف موحد بعد تمرير قانون السلطة القضائية، مشيرا إلى أن الفيصل بين القضاة والبرلمان في الأزمة، هو الدستور، مؤكدا أن استقلال ليس منحة للقضاة ولكنه ضمانة للعدالة. وطالب منصور، جميع القضاة بالاعتراض على القانون أثناء تواجدهم على منصة المحاكم، مؤكدا أنه حينما يعترض القضاة على القانون فإن اعتراضهم هو من أجل الشعب المصري، وضمانة للعدالة في مصر، حتى وإن استقوى مجلس النواب بالدستور الذي خالفه في إصداره لمثل هذا القانون، وفي النهاية الخاسر الوحيد في هذا الدولة المصرية. وكشف منصور، عن تواصل نادي قضاة مصر مع رئيس مجلس النواب، الدكتور علي عبدالعال، قبل إصدار القانون، لطلب إعطاء النواب مزيدا من الوقت لبحث القانون ودراسته حتى تتضح الصورة لهم. وفي الوقت الذي هددت فيه الهيئات القضائية ونادي مجلس الدولة بالتصعيد، وعد نواب اللجنة التشريعية ومقدم مشروع قانون الهيئات القضائية بأن يمرر القانون، وقال في تصريحات للمحررين البرلمانيين، إن هناك اتجاهًا داخل البرلمان وبين النواب بأن يتم الموافقة على مشروع القانون، وبالفعل فاجئ البرلمان القضاة بتمرير مشروع القانون رغم التصعيد والتلميحات والتهديدات. وفي المقابل، صرح الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، خلال الجلسة العامة بأن المجلس ناقش مشروع القانون بجلسته المنعقدة 10 أبريل الماضي، ووافق عليه المجلس فى مجموعه، وأن رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة أرسل خطابه إلى البرلمان متضمنًا ملاحظاته على مشروع القانون المشار إليه والذى جاء متوافقاً مع ما وافق عليه المجلس. وأكد رئيس البرلمان، أن الموافقة النهائية على مشروع القانون كما انتهى إليه رأى اللجنة، يتطلب موافقة ثلثى أعضاء المجلس. التخوفات من أهداف القانون، عبر عنها صراحة المستشار سمير البهى، رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، الذي قال: إن الهدف من تمرير البرلمان تعديلات طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، هو استبعاد المستشار يحيى الدكروي، من رئاسة مجلس الدولة في 1 يوليو المقبل. أضاف البهي، أن قضية تيران وصنافير تلقي بظلالها على مشروع قانون السلطة القضائية، واعتبر أن موافقة البرلمان على تعديلات القانون نقطة سوداء في جبين البرلمان المصري. وفي نفس السياق، قال عصام الإسلامبولي، المحامي الدستوري، إن مشروع قانون تعيين الهيئات القضائية يعد انحراف لاستعمال السلطة فضلا عن كونه قانون مشبوه "جاء بطلبات الجهات" ويعد جريمة دستورية. وأكد الإسلامبولي، أن القانون مفصل للإطاحة بأشخاص بعينهم، مطالبًا عموم القضاء بقراءة المشهد صحيحًا والعمل على التوحد ورص الصفوف لا شقها وعدم التعويل على أشخاص بعينهم بالتدخل لحل الأزمة، مؤكدًا أن مشروع القانون فضيحة دولية ومنافي لمبدأ استقلال القضاء الدولي والمواثيق القضائية العالمية، معتقدًا أن مشروع القانون سيرده مجلس الدولة لعيوبه. مصير القانون بات في بيد الرئيس السيسي، طبقًا للمادة 123 من الدستور على أن لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اعتبر قانونًا وأصدر، وإذا رد فى الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثى أعضائه، اعتبر قانونًا وأصدر. أوضح الدكتور صلاح فوزي، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، أن البرلمان ملزم بعد الموافقة على مشروع تعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية، أن يرسله إلى الرئيس، الذي يمكنه الاعتراض على مشروع القانون، وإرسال أسباب الاعتراض للبرلمان، مستردكًا: "في تلك الحالة يرد القانون إلى مجلس النواب مره أخرى، ويحتاج إلى موافقة الثلثين لتمريره، سواء تم الأخذ بأسباب الاعتراض الواردة من الرئيس من عدمه". وأكد الفقيه الدستوري، أنه إذا لم يعترض الرئيس بعد وصول مشروع القانون إليه خلال مدة الثلاثين يومًا، يتم تفعيل التعديلات الواردة في مشروع القانون، ويصبح قانونًا ويصدر.